ما ذُكر، هو بعضٌ مما يهدف إليه مؤتمر برلين حول ليبيا الذي يُعقدُ بعدَ غدٍ الأحد، بحضور طرفا النزاع فيها؛ رئيسُ حكومة الوفاق فايز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر، هذا المؤتمر الذي سيبحث أيضاً رفع أعمدة الاقتصاد والإشراف على إعادة الإعمار، ينظر إليه كثير من المراقبين، باعتباره منصّة لصراع قوىً دولية وإقليمية أكثر مما هو خشبة خلاصٍ لبلاد أثخنتها الجراح منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011 إثر انتفاضة شعبية وتدخل عسكري قادته فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
ولعلّ تشكيلة الدول المشاركة في مؤتمر برلين، تعكس إلى حد بعيد حالة من التوازن المؤسس على تحالفات طرفي النزاع الليبي، ففي حين يتلقّى حفتر دعماً من الإمارات ومصر، فإنه السرّاج يلقى دعماً من تركيا وقطر.
أما باقي الدول المشاركة في المؤتمر؛ ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة، روسيا، الصين، إيطاليا والكونغو، فإن كل دولة منها تتعاطى مع الملف الليبي ومع قطبي الصراع فيها وفق مصالحها على اعتبار أن ليبيا تطفو على بحر من النفط وتملك أكبر احتياطيّ نفطي في القارة الأفريقية.
وإلى جانب الدول الـ12 المشاركة في مؤتمر برلين، ثمّة منظمات دولية ستنضمّ إلى طاولة المباحثات، وهي؛ الأمم المتحدة وبعثتها إلى ليبيا، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية.
ويأتي عقد مؤتمر في غمرة اقتتال يدور رحاه في ليبيا، منذ تسعة أشهر، بين قوات الجنرال حفتر المتمركزة في شرق ليبيا وحكومة الوفاق ومقرها طرابلس، وأسفرت تلك المعارك عن مقتل أكثر من 280 مدنيا وألفي مقاتل ونزوح عشرات آلاف الأشخاص، ولم تنه الهدنة المؤقتة التي بدأ سريانها الأحد الماضي، حالة الاقتتال، إذ ما برح طرفا النزاع يتبادلان الاتهامات بانتهاكات بين الحين والآخر.
خليفة حفتر كان غادر موسكو في وقت سابق من هذا الأسبوع بدون التوقيع على اتفاق لوقف لإطلاق نار وافقت عليه حكومة الوفاق، غير أن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أعلن يوم أمس أن حفتر وافق على الالتزام بوقف إطلاق النار وعن استعداده للمشاركة في مؤتمر برلين.
الولايات المتحدة سيمثلها في مؤتمر برلين وزير الخارجية مايك بومبيو الذي سيدعو إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا واستئناف عملية السلام هناك التي تدعمها الأمم المتحدة، ولكن الأولوية بالنسبة اليه تثبيت الهدنة الهشة بين الاطراف المتحاربة، وفق ما صرّح به مسؤول أمريكي.
رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، من ناحيته، أكد على ضرورة إرساء وقف إطلاق نار في ليبيا، وذلك أثناء محادثات أجراها أمس الخميس في الجزائر حيث التقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في إطار الجهود "لوضع حد للنزاع في ليبيا وتقديم حل دائم لها" بحسب بيان لوزارة الخارجية الجزائرية.
قال كونتي في ختام لقائه تبون "نعمل سوياً من أجل عملية برلين هذه وسنحاول الاستفادة من جميع الإمكانات التي تتيحها هذه العملية للسير بالأزمة الليبية نحو حل سلمي وسياسي"، مضيفاً أن "الخطوة الأولى هي وقف إطلاق النار، في هذه المرحلة ليس من المهم أن يكون هذا القرار رسمياً أو فعلياً. المهم أن يكون وقف إطلاق النار هذا دائم ويسمح بالحوار والمناقشة"
أما في تركيا، فقد أكد مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم ياسين أقطاي أنه لولا تدخّل بلاده في ليبيا لما كان ثمة وجود لمؤتمر برلين، كما أن التدخل أجبر الجنرال حفتر على التراجع عن اقتحام العاصمة طرابلس والسيطرة عليها بالقوة. وفق تصريحات متلفزة لأقطاي الذي عبّر عن تفاؤله بنجاح مؤتمر برلين.
وقبيل انطلاق مؤتمر السلام في برلين، نشرت وسائل الإعلام ما أسمتها "مسودة مؤتمر برلين" (لم يتسنَّ لـ"يورونيوز" التحقق من صحتها)، وتحدثت تلك المسوّدة عن عناوين عامّة لإنقاذ البلاد من براثن الحرب الأهلية وبناء قواعد لدولة تحترم القانون وتضمن حقوق الإنسان وتساهم في الحضارة الإنسانية.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي إن "الوثائق النهائية صارت، في رأيي، شبه معتمدة ... وهي تحترم بشكل كامل قرارات مجلس الأمن الدولي حول ليبيا".
ولم يحدد لافروف محتوى النصوص، كما حذر من الإفراط في التفاؤل، رغم الالتزام بوقف إطلاق النار منذ 12 كانون الثاني الذي نظّمه الرئيسان الروسي والتركي، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.
ولعل مستشار الشأن الليبي بالخارجية الألمانية سابقاً، روديغر كيرستن، أصاب كبد الحقيقة حين أكد أن بلاده تسعى إلى تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف الليبية المتنازعة، لكن التوصل إلى اتفاق يعود إلى قناعة جميع الأطراف الليبية والدولية بالوصول إلى حل، لكن واقع الحال، يقول إن مؤتمر برلين، سيكون أنجز هدفه في حال ما أطلق مسار الحل السياسي في ليبيا، أما القول إنه سيتوصل إلى حل شامل ودائم للأزمة الليبية، فذلك إنما هو ضربٌ من التفاؤل غير المبرر.