كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
بعد عام على سقوط النظام السوري وهروب رئيسه بشار الاسد المذّل الى روسيا، حصل فارق كبير في العلاقة بين سوريا ولبنان، طويت خلاله العديد من الشوائب والاستباحات للسيادة والحقوق اللبنانية، وفتحت آفاقاً اوسع لصياغة علاقات متوازنة مع السلطة الجديدة، ترتكز على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لكلا البلدين، كما اعلن ذلك الرئيس السوري احمد الشرع وكبار المسؤولين، في اكثر من مناسبة.
ولعلّ الفارق بما تحقق يمكن تلمُّسه، بتبدل اساليب التعاطي بين البلدين عما كان يحصل، من خلال تحكم اجهزة المخابرات بالعلاقات، وهي التي كانت ترسم وتقرر والحكومة تنفذ شكلياً، بينما اصبح التعاطي حالياً من دولة الى دولة، وباللقاءات على المستوى الرئاسي والحكومي بين البلدين،في اكثر من مناسبة، في سوريا ولبنان والخارج على حدٍّ سواء، وإبداء النوايا الحسنة والرغبة في قيام علاقات على اسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ، وظهرت نتائجها في قيام نقلة مهمة بالعلاقات بين البلدين، تجلت في تنظيم عبور المسافرين بين البلدين على اسس جديدة، وازالة تعقيدات عبور الشاحنات اللبنانية الى دول الخليج العربي ،واغلاق معظم معابر التهريب غير الشرعي التي استحدثها وغطاها النظام السابق لتسهيل تسريب السلاح الايراني على انواعه الى لبنان، والبضائع والاموال الايرانية غير الشرعية، والمخدرات، والطحين والمحروقات.
ورسمت بداية البحث الجدي في ملفات الموقوفين السوريين بالسجون اللبنانية، والمخطوفين والمخفيين اللبنانيين في سوريا، والتعاون في تنظيم سبل عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم، ومكافحة تصنيع وتهريب المخدرات، مسار السياسة الايجابية التي تتبعها الادارة السورية الجديدة والتي تعبر عن رغبة جديّة لايجاد الحلول المطلوبة للمشاكل المعقدة التي راكمها النظام الاستبدادي السابق.
بالطبع لم تتم مقاربة العديد من الملفات والقضايا الخلافية التي تتطلب بحثاً معمقاً لوضع اسس حلها، مثل ترسيم الحدود المشتركة وتحديد ملكية مزارع شبعا، ورسم الحدود البحرية، واعادة النظر فيها مثل معاهدة التنسيق والتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، التي عقدت عام ١٩٩١، ويعتبرها لبنان مجحفة بحقه، لأنها وضعت تحت الوصاية السورية واثناء وجود الجيش السوري في لبنان، والبحث في وضعية ومستقبل المجلس الاعلى اللبناني السوري، بعدما طلبت الحكومة السورية تعليق اعماله، ولم يعد بقاؤه مبرراً، بعدما اصبح التعاطي يتم من دولة الى دولة بين البلدين.
كل هذه المسائل والمشاكل ، كانت مهملة اثناء حكم النظام الاسدي السابق، وكان محرماً ومحظوراً البحث فيها ومناقشتها وحتى التطرق اليها. ولكي تكتمل اسس العلاقات الصحيحة والمتوازنة بين البلدين ،هذا يتطلب انتظار تعافي السلطة السورية وتمكنها من اعداد وتحضير الملفات المطلوبة،والمباشرة بمعالجتها وحلها فعلياً، وملاقاة السلطة اللبنانية، لأي خطوة بهذا الشأن بالمثل، وهذا ليس متاحاً بعد، ويتطلب مزيدا من الوقت.
إذاً تصحيح العلاقات اللبنانية السورية كما هو مطلوب، والانتقال الى مرحلة جديدة، وتفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية وتنظيم انتقال الاشخاص والعمالة، وتجاوز شوائب ورواسب النظام السابق، تفتح آفاقاً واسعة للفائدة المشتركة للبنان وسوريا معاً.


