أخبار عاجلة

ما علاقة هجوم موسكو بفوز بوتين واعتداء إسطنبول؟

ما علاقة هجوم موسكو بفوز بوتين واعتداء إسطنبول؟
ما علاقة هجوم موسكو بفوز بوتين واعتداء إسطنبول؟

سامر زريق نقلاً عن "إيلاف"

بينما كانت موسكو تحتفل بتحقيق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصاراً كاسحاً في الانتخابات الرئاسية التي أجريت قبل أيام قليلة فقط، نفذ إرهابيون مجزرة بحق المدنيين الروس في العاصمة موسكو، تبناه لاحقاً تنظيم "داعش – خراسان" الإرهابي.

توقيت الاعتداء الإرهابي لا يمكن أن يكون مصادفة أو تفصيلاً عابراً. كما أنه ليس تفصيلاً أيضاً أوجه الشبه بينه وبين اعتداء اسطنبول الإرهابي ليلة رأس السنة عام 2017، ولا سيما أن كلا الاعتداءين كانا مسبوقين بتحذيرات أميركية واضحة!


وأد الانتصار بالدماء
ليل الجمعة الماضي، اقتحم 4 مسلحين مركز ترفيه بضاحية كروكوس بموسكو، وراحوا يطلقون النيران من أسلحتهم الأوتوماتيكية، على مئات المدنيين الروس الذين كانوا يحضرون حفلاً موسيقياً، ثم رموا قنابل حارقة أدت إلى اشتعال المركز. هذا الاعتداء الإرهابي أحدث صدمة واضحة في المجتمع الروسي، وأدى إلى مقتل ما يزيد على 150 مدنياً على الأقل، بينهم عدد من الأطفال الذين كانوا برفقة أهاليهم للاستمتاع بالحفل الموسيقي، فضلاً عن مئات الجرحى. وحسبما صرح أكثر من مصدر رسمي روسي، فإنَّ الحصيلة في ازدياد مضطرد.

ويعد هذا الهجوم الإرهابي، الذي سرعان ما تبناه تنظيم "داعش – خراسان" الإرهابي، هو الأضخم منذ عقدين تقريباً. وبالرغم من أنَّ موسكو تخوض منذ سنتين مواجهة ضارية مع الغرب المتواري خلف الستارة الأوكرانية، إلا أنّ الأراضي الروسية لم تشهد أي اعتداء إرهابي بارز، ما خلا محاولة اغتيال الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين بتفجير سيارة مفخخة، في آب (أغسطس) 2022، والذي راح ضحيته ابنته.

وبالتالي، فإنه ليس من الصعب التكهن بأن الهدف من وراء هذا العمل الإرهابي هو حرف الأضواء عن الانتصار الكاسح الذي حققه بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية.

فبعدما كان تركيز الآلة الإعلامية الغربية منصب على محاولة ثني المواطنين الروس عن المشاركة فيها، وتصويرها كأنها إحدى الأعمال المسرحية الروسية، أتت نسب المشاركة الكبيرة لتصيب كل السرديات الغربية في مقتل. ذلك أن مشاركة ما يقارب 90 بالمئة من المواطنين الروس في العملية الانتخابية ليس رقماً يمكن القفز فوقه، بل أنه يعد تفويضاً شعبياً واضحاً لبوتين وسياساته. وبينما كانت النخب الروسية ووسائل الإعلام في ذروة الاحتفال بهذا الفوز الذي اعتبروه انتصاراً على الغرب وسردياته، حصل هذا العمل الإرهابي ليقفل النقاش حول نتائح الانتخابات ونسب الاقتراع، ويواري الاحتفالات خلف حجب الدماء النازفة في مسرح قاعة مركز الترفيه في كروكوس.

هل هناك بصمات غربية في الهجوم؟
من الآن فصاعداً، فإن المقالات والتحقيقات والتحليلات ستتهاطل في وسائل الإعلام الغربية وشبكات التواصل الاجتماعي حول العمل الإرهابي، ونتائجه وتأثيراته السياسية. فضلاً عن نقل مركز النقاش من الصراع بين روسيا والغرب الذي يقوده بوتين لكسر الأحادية القطبية الأميركية، نحو نقاش مختلف تماماً، وهو "النزاع المزعوم" بين روسيا والإسلام. علماً أن هذا التنظيم الإرهابي وبالرغم من سجله الدموي، إلا أنه لم يسبق له تنفيذ عمليات في الأراضي الروسية. وأكبر عملية نفذها ضد المصالح الروسية، كان التفجير الانتحاري قرب السفارة الروسية بالعاصمة الأفغانية كابل في أيلول (سبتمبر) 2022، والذي ذهب ضحيته 6 أشخاص، بينهم 2 من الموظفين بالسفارة.

وإذا كانت السلطات الروسية قد أعلنت عن اعتقال المنفذين والمتعاونين بعد ساعات قليلة، فإن اللافت كان اعتقال بعضهم قرب الحدود الأوكرانية، فيما كانوا يتجهون للهرب اليها، بما يشي باحتمالية ضلوع كييف في هذا العمل الإرهابي، بالرغم من مسارعة المسؤولين الأوكران إلى نفي ذلك.

فقد نقلت وكالة "رويترز" عن "جهاز الأمن الاتحادي الروسي" أن "منفذي الهجوم كانوا يتجهون نحو الحدود مع أوكرانيا، وعلى اتصال مع أشخاص على الجانب الأوكراني". وكذلك تناقلت وسائل الإعلام معلومات عن إلقاء القبض على 2 من المهاجمين في مدينة "بريانسك" الحدودية مع أوكرانيا بعد مطاردة مع الشرطة.

اللافت أكثر، هو أنه قبل أيام قليلة، في 17 آذار (مارس)، حذر قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، من أن "تنظيم داعش – خراسان قد ينفذ عملية خارجية ضد المصالح الأميركية أو الغربية في أقل من 6 أشهر دون سابق إنذار"، وذلك خلال تصريح له أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، دون أن يفصح عن سبب تقييمه.

وكذلك تصريح الممثلة الرسمية لـ"مجلس الأمن القومي الأميركي" في البيت الأبيض أدريان واتسون، عن نقل معلومات الى روسيا خلال الشهر الحالي، حول "هجوم إرهابي وشيك في موسكو، وأنه يمكن أن يطال التجمات الجماهيرية، بما في ذلك الحفلات الموسيقية". وهو ما أكده مصدر أمني روسي لوكالة "تاس"، لكنه أكد أيضاً أن هذه المعلومات "كانت ذات طبيعة عامة، وخالية من أي تحديدات أو تفاصيل"، أو بمعنى آخر أن أميركا قصدت تبرئة ساحتها مسبقاً من خلال معلومات مجتزأة أو سطحية.

كل ذلك يثير الكثير من علامات الريبة والشك حول احتمال ضلوع أميركا والغرب في التسهيل أو حتى التخطيط لهذا العمل الإرهابي، على أن تلقى تبعاته على الجهة المنفذة فقط ألا وهي تنظيم "داعش – خراسان". ذلك أن هذا التنظيم، سواء بفرعه هذا ام في سائر فروعه العربية والإفريقية "جسده لبيس".

ما يزيد من حجم الشكوك هو مسارعة البيت الأبيض والمسؤولين الأميركيين والغربيين الى استباق نتائج التحقيقات، ونفي أي ضلوع أو تورط لكييف. فكيف تأتى لهم التأكد من ذلك؟

الهدف هو تحميل موسكو المسؤولية!
من الأمور المثيرة للريبة أيضاً هو تشابه هذا الاعتداء الإرهابي مع اعتداء مماثل حصل في تركيا ليلة رأس السنة 2017، حينما قام مسلح يرتدي لباس "سانتا كلوز" باقتحام ملهى ليلي في منطقة سياحية تعج بالملاهي والمقاهي في اسطنبول، وأطلق النار بغزارة، مما أودى حينها بحياة 39 شخصاً من 16 جنسية، بالإضافة إلى جرح 69 شخصاً. آنذاك تبنى تنظيم داعش المسؤولية عن الهجوم الإرهابي. وبعدها بأيام، ألقت السلطات التركية القبض على المنفذ، وبينت التحقيقات أنه أوزبكي الجذور، وملقب بـ"أبو محمد الخراساني".

وأتى ذلك الاعتداء بعد أشهر قليلة على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرض لها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وفي الوقت الذي كانت شعبيته في ذروتها. كما أنه كان مسبوقاً أيضاً بتحذير القنصلية الأميركية في اسطنبول لمواطنيها في تشرين الأول (أكتوبر) "من هجمات محتملة لمتطرفين في كبرى المدن التركية".

وقد استغلت الآلة الإعلامية الغربية ذلك الاعتدء الإرهابي من أجل حرف الأنظار عن المحاولة الانقلابية والمشروعية الهائلة التي منحها لإردوغان، ونقل النقاش إلى عجز الرئيس التركي وحكومته عن حماية بلاده ومواجهة الإرهاب المستفحل. لا بل أن العديد من المراكز البحثية الأميركية نحت باللائمة على إردوغان وسياساته الإقليمية التي تسببت في تصاعد موجة الإرهاب في تركيا. ناهيكم عن محاولة استثمار الهجوم لضرب القطاع السياحي المحوري في الاقتصاد التركي، وزعزعة العلاقات بين تركيا والدول التي ينتمي اليها ضحايا الهجوم، وبعضها كان متوتراً أساساً.

والحال نفسه تقريباً يتكرر اليوم، إذ لم تكد تمر ساعات على هجوم موسكو الإرهابي، حتى بدأت مراكز بحثية في أميركا بالتنظير للصراع بين روسيا والتنظيم، بل حتى الإسلام برمته. بما يعني إلقاء المسؤولية عن تبعات الهجوم على موسكو وسياسات بوتين. على سبيل المثال لا الحصر، قال أحد الباحثين في مركز "ويلسون" (مقره واشنطن) إنَّ "تنظيم داعش - خراسان يرى أن روسيا متواطئة في أنشطة تضطهد المسلمين باستمرار".

عن أي أنشطة يتحدث؟ وكيف تضطهد روسيا المسلمين؟ ولماذا قرر التنظيم الإرهابي تنفيذ عملية من هذا النوع، وفي مثل هذا التوقيت بالذات؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى القطب الشمالي: نزاع جديد تتفوق فيه موسكو على واشنطن