نبيل الجبيلي نقلاً عن "الجزيرة"
فور تنصيبه رسميا في 20 كانون الثاني (يناير) عام 2021 كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، بدأ جو بايدن بتغيير اللهجة تجاه روسيا، في قطيعة واضحة مع السياسة الدبلوماسية التي انتهجها سلفه دونالد ترامب، وذلك عندما كشف في خطاب أمام موظفي وزارة الخارجية في واشنطن عن الخطوط العريضة للدبلوماسية الأميركية الجديدة، لاسيما إزاء قضايا الشرق الأوسط وروسيا، ومتعهدا بـ"بناء تحالفات دولية جديدة" من أجل التصدي بقوة لروسيا والصين في خطوة منه لإنهاء السياسة التي اتبعها سلفه ترامب تجاه هذين البلدين.
المنازلة الأخيرة
تلك، كانت جولة سقط فيها بايدن، ويبدو أنّنا أمام الجولة الأخيرة من هذه المنازلة، وقد ناهزت نحو أربع سنوات، حيث نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (71 عاما) في الحفاظ على زعامة الكرملين. أما نظيره الأميركي جو بايدن (81 عاما) فعلى ما يبدو لن يوفقه الحظ، وذلك في منازلة ربما تكون الأخيرة بينهما، انتهت بضربة قاضية لبوتين، وخروج بايدن من حلبة الصراع على الساحة الدولية، وبالتالي اعتزاله العمل السياسي نهائيا.
في الشكل، بايدن الذي انهكته أعوامه الواحدة والثمانين، ذهنيا، حيث نصب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيسا للمكسيك، أو جسديا، حيث تراه متعثرا على سلم طائرة، أو يسقط أرضا خلال حفل تكريم، ليسارع مرافقوه لمساعدته على الوقوف على قدميه، أو يهوي عن دراجة هوائية، وكل ذلك أمام كاميرات وسائل الإعلام المرئية، ما دفع كثيرون في بلاده للمناداة بإجراء فحوصات شاملة له للتأكد من أهليته في إدارة دولة بحجم الولايات االمتحدة الأميركية.
بوتين في المقابل، قاد حملته الرئاسية بكثير من الثقة واستعراض القوة: تارة تجده يرتدي حزامه الأسود خلال مشاركته بمسابقة لعبة "الجودو"، وتارة أخرى يشق المياه بكتفيه أثناء ممارسة السباحة، أو يضرب بيد من حديد بمباراة للهواة في هوكي الجليد في ساحة للألعاب الأولمبية.
يحرص بوتين على نشر صور له خلال ممارسته الرياضة مواصلا مسلسل استعراض قدراته الجسدية وإظهار صورته ليس بوصفه رئيسا لواحدة من أقوى دول العالم فحسب، بل كشخص قوي مفتول العضلات أيضا.
الأجواء في روسيا مختلفة كليا، رئيس قوي يتمتع بقدرات هائلة، يصول ويجول من شرق البلاد إلى غربها، يعقد المؤتمرات والندوات، يجتمع بالشباب قبل أيام من موعد الانتخابات، مؤكداً إيمانه بالشباب الروسي، ومتعهدا المواصلة على بناء روسيا كبلد الفرص لهم.
ولم ينس بوتين دور المرأة في المجتمع، حيث شدد على أهميتها في يومها العالمي، وذلك في خطابه أمام المشاركين في منتدى المرأة لعموم روسيا، الذي عقد في موسكو، مؤكداً أن المرأة الروسية هي المؤثر الرئيسي في بناء مجتمع سليم.
وإذ شدد على احترامه للقيم العائلية ومعارضته لكل ما يعكر صفو العلاقات الاجتماعية عكس ما يفعله بايدن المفتون بمجتمع الميم واعلام قوس القزح الساعي إلى تدمير كل ما له صلة بالعائلة والقيم الأخلاقية.
العائلة التي يقدسها بوتين ويدعوا دوما للحفاظ على قيمها فتراه يزيد المخصصات للعائلات الاقل دخلا، طالباً منهم المزيد من الإنجاب للحفاظ على الأسرة، ليرفق ذلك بخطة ذكية اعتمد فيها على مبدأ التعاقد في السلك العسكري بدلا من الخدمة الإلزامية، متجنبا بذلك جر أبناءهم إلى الحرب إلا إذا قرروا المشاركة طواعية مما جعل العائلات تنعم بمزيدك الطمأنينة.
اقتصاديا هو مرتاح، حيث تجري الرياح، وما زالت، بما تشتهي سفنه، مستغنيا عن أوروبا بعدما منع تمددها إلى أوكرانيا، وحصد بالمقابل، أصدقاء جدد وأسواق جديدة، وحفظ احترامه لدى قادة دول عربية وآسيوية كبيرة. أما فلسطين، فلم يخذل أهلها، بل ناصرهم ولا يزال، في المحافل الدولية.
تداعيات حرب أوكرانيا ومذابح غزة على بايدن
في المقابل، أنهكت حرب أوكرانيا جيوب دافعي الضرائب الأميركيين من دون احراز أي تقدم، فيما الأمور آيلة للتدهور السريع، ما دفع بعض حلفاء بايدن الأوروبيين من التحذير من خطورة التعرض لاوديسا أو كييف والتهديد بالتدخل، لتزيد حرب غزة الطين بلة، وتقضي على ما تبقى من شعبية الرجل العجوز بايدن الذي ما عاد أحد يطيق سماع كلماته المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي بعدما استباحت حكومة بنيامين نتياهو كل المحرمات في غزة طولا وعرضاً
وفي محاولة منه للهرب من سخط الناس وتلميع صورته أمام الناخب الأميركي، عله يحاول كبح جماح منافسه التقليدي دونالد ترامب الذي يسير كالقطار السريع إلى البيت الأبيض، خرج بايدن بتصريح يأمل أن ينقذه من مأزقه بدعمه لحرب الإبادة في غزة، عندما أعلن أنه سيرسل طائرات مساعدات ترمي الفتات لأهالي غزة، بل وصل به الأمر لإعطاء تعليماته بإقامة مرفأ قبالة سواحل غزة في القريب العاجل، لإيصال المساعدات لأهالي القطاع، فيما آلاف الشاحنات تنتظر عند معبر رفح على الحدود المصرية، الإذن بالدخول.
حاول الغرب بقيادة الولايات المتحدة اخضاع روسيا وحصارها لتنصاع لسياسات أقل ما يقال عنها إنها ظالمة. راهنوا على سقوط روسيا تحت وطأة العقوبات واعتقدوا أنهم من خلال دعمهم أوكرانيا سيسحبون الكرسي من تحت بوتين فكان الرد من خلال فوزه يوم الأحد بولاية جديدة من 6 سنوات إضافية في الكرملين، تأكيد على صوابية قراراته وتأييد الروس له بقرابة 88% من مجمل الأصوات (أكثر من 33 مليونا). بل أكثر من ذلك أيضاً فإنّ النسب المرتفعة حصدها زعيم الكرملين في الجمهوريات المسلمة.