تحوم شكوك بشأن قدرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على استعادة نفوذ فرنسا في العراق في ظل الهيمنة الإيرانية على الوضع السياسي في البلاد، وتزداد حدة هذه الشكوك باستحضار الفشل الفرنسي في حل الأزمة اللبنانية. وقالت أوساط سياسية عراقية إن التصريحات القوية التي صدرت عن ماكرون بشأن التواجد في العراق تُذكّر بتصريحاته القوية في لبنان والتي لم تجد طريقها إلى التنفيذ بسبب النفوذ الإيراني عن طريق حزب الله.
وقال ماكرون السبت، على هامش حضوره قمةَ بغداد، إن “فرنسا ستبقي على قواتها في العراق في إطار عمليات مكافحة الإرهاب ما دامت الحكومة العراقية تطلب ذلك، وسواء قررت الولايات المتحدة سحب قواتها أم لم تقرّر”. وعكست الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إلى الموصل دعما لمسيحيي العراق. وهو ما يُذكّر بوصاية فرنسا على المسيحيين في لبنان، ما يشير إلى أن فرنسا تسعى لإيجاد الظروف نفسها التي عملت فيها في لبنان وفشلت.
فرنسا فقدت نفوذها في العراق منذ حرب 1991، عندما قرر فرانسوا ميتران الانضمام إلى تحالف تقوده واشنطن لتحرير الكويتويشكو المسيحيون خصوصًا من التمييز وعدم الحصول على مساعدة من الحكومة لاستعادة منازل لهم وممتلكات صودرت خلال النزاع على أيدي مجموعات مسلحة نافذة.
وفي كلمة من كنيسة الساعة القديمة، التي يرجح بعض المؤرخين أنها تعود إلى ألف عام، قال ماكرون “نحن هنا للتعبير عن مدى أهمية الموصل وتقديم التقدير لكل الطوائف التي تشكل المجتمع العراقي”، مشيرًا إلى أن “عملية إعادة الإعمار بطيئة، بطيئة جدا”. وأعلن ماكرون عن نية فرنسا افتتاح مدارس وقنصلية في المدينة. ويرى مراقبون أن “ما يمكن أن يساعد ماكرون في مهمّته هو الشركات الفرنسية التي تعرف الكثير من الملفّات العراقية، من السلاح إلى الكهرباء إلى مترو بغداد، ولكن هل باستطاعة فرنسا تمويل تلك المشاريع؟”.
وبحسب هؤلاء المراقبين “فرنسا ليست في وضع مالي مريح، وكذلك العراق الذي يمكن اعتباره بلدا مفلسا بعدما بدّدت الحكومات الموالية لإيران منذ عام 2006 كلّ الأموال التي دخلت الخزينة في مرحلة كان فيها سعر برميل النفط مرتفعا”. وفقدت فرنسا نفوذها في العراق منذ حرب 1991، عندما قرر الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران الانضمام إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة لتحرير الكويت بعد أن حققت باريس حضورا لافتا في العراق خلال الثمانينات.
ويعيش العراق صعوبات وأزمات بدءا من الكهرباء -التي يعتمد العراق بشكل كبير على الجارة إيران لتوفيرها- وصولاً إلى تدهور البنى التحتية والخدمات والأزمة الاقتصادية التي فاقمها تراجع أسعار النفط وتفشي وباء كوفيد – 19، فضلاً عن التوتر الأمني. ويدرك الرئيس الفرنسي فائدة وخطورة التراجع الأميركي في المنطقة، لذلك يحاول الاستفادة من الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة بعد مغادرتها البلاد في نهاية العام الحالي.
وبدأت خطوات ماكرون لاستعادة نفوذ بلاده في العراق منذ العام الماضي عندما زار بغداد عقب زيارة لبيروت، في سعي للاستفادة من وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء.
ويقول مراقبون إن فرنسا تعاني من مشكلة ويعاني معها من يعتقد أنها من الممكن أن تقدم الحلول. ويرى هؤلاء أن فرنسا أكبر من أن تهمل ولكن أصغر من أن تقدم خيارات شاملة وحلولا في مستوى ما تقدمه الولايات المتحدة إذا كانت تسعى للاستفادة من الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة بعد الانسحاب، لافتين إلى أن آخر ما يحتاجه العراق الآن هو “فجر فرنسي كاذب”.
وبالإضافة إلى التحدي الإيراني من المتوقع أن تواجه باريس في سعيها لاستعادة نفوذها في العراق عراقيلَ تركية، وهو ما يذكّر بالسيناريو الذي واجهته في ليبيا حيث فشلت في منع تركيا من السيطرة على الغرب الليبي، رغم تقارير بشأن تواجدها العسكري في البلاد منذ 2014 ومساندتها الجيشَ بقيادة المشير خليفة حفتر في التصدي للجماعات الإسلامية المتطرفة.
وزار ماكرون أيضا مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق الذي يشهد منذ أشهر عمليات عسكرية تركية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتحصنين في المناطق العصية في “جبال متينا” الحدودية بين تركيا وإقليم كردستان العراق.
وينفذ الجيش التركي حملة عسكرية موسعة في تلك المنطقة تحت مُسمى “المخلب”، منذ أواسط شهر أبريل الماضي. وهي العملية العسكرية الثالثة التي يقوم بها الجيش التركي منذ بداية العام، في تجاهل كامل للسيادة العراقية رغم تنديد السلطات العراقية بتلك العمليات.