إعدامات صيف 1988 في إيران تعود للضوء

إعدامات صيف 1988 في إيران تعود للضوء
إعدامات صيف 1988 في إيران تعود للضوء

لم تشهد إيران في تاريخها الحديث الكم الهائل من الإعدامات الذي شهدته منذ انتصار ثورة 1979. نُفِذت الإعدامات بحق أفراد من مختلف الشعوب المكوّنة لإيران خلال أربعة عقود ونيف بهدف الحفاظ على النظام الذي يصفه القائمون عليه بـ”النظام المقدس”، ويضفون القدسية نفسها على أي إجراء يتخذونه في هذا السياق.

وشكّلت الإعدامات السياسية الجماعية التي نفذت في السجون الإيرانية بدء من 19 تموز 1988 ولمدة خمسة أشهر لاحقة، ذروته التعاطي الأمني الدموي مع المعارضين في إيران. وتم حينها إعدام الآلاف من السجناء السياسيين في جميع أنحاء إيران. وكان أغلب السجناء من أعضاء وأنصار “منظمة مجاهدي خلق”.

والعدد الدقيق للسجناء الذين نفذت بحقهم أحكام الإعدام حينها غير متفق عليه، إلا أن “منظمة العفو الدولية” سجلت أسماء 4482 سجينا اختفوا خلال تلك الفترة، بينما إحصائيات المعارضة الإيرانية تتراوح هي الأخرى بين 8000 و30 ألف سجين سياسي تم إعدامه بتنكر وتكتم وسرية تامة. وقد كشف ناجون هول هذه “الجريمة المقدسة” وتفاصيلها.

وضمن سلسلة مقالات تحت عنوان “الجرائم المقدسة”، سلّط موقع “إيران واير” الناطق بالفارسية، الضوء على هذه الإعدامات بعد مرور ثلاثة عقود على حدوثها. واعتبر الموقع أنها تشكِّل “قتلا خارج نطاق القضاء”، مؤكدا أنها لم تصبح على رفوف التاريخ بل لا تزال حاضرة في الرأي العام الذي لم ينس أبعادها.

جريمة بلا عقاب منذ ثلاثة عقود

وذكر “إيران واير” أن القليل من الإيرانيين كانوا على دراية بقضية الإعدامات الجماعية حتى سنوات قليلة مضت. ولكن خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2017، لفتت القضية الأنظار من جديد خلال الدعاية الانتخابية للمرشحين، حيث خرجت “الهياكل العظمية” للذين نفذت فيهم أحكام الإعدام الجائرة من صناديق السياسيين الإيرانيين في أحد البرامج السياسية الأكثر شعبية في إيران خلال حملة الانتخابات الرئاسية.

واتهم حسن روحاني، خلال مناظرة انتخابية، منافسه إبراهيم رئيسي، الذي كان عضواً في “لجنة الموت” المكونة من ثلاثة أشخاص والتي حكمت بهذه الإعدامات، دون أن يذكره بالاسم بأنه “لا يعرف شيئاً سوى الإعدام”.

وكانت “لجنة الموت” تتكون من مجموعة من المسؤولين القضاة الذين حكموا، بإذن من آية الله روح الله الخميني مؤسس النظام الديني في إيران، على آلاف السجناء بالإعدام في صيف عام 1988، وهو الصيف الأخير من حياة الخميني. وتم حينها إرسال أي شخص وجدته “لجنة الموت” مذنباً إلى فرقة الإعدام، بدلاً من السجن، وذلك من خلال محاكمات تمت في غضون دقائق دون حضور محامين أو هيئة محلفين. وكان إبراهيم رئيسي، الرئيس الحالي للسلطة القضائية في إيران، عضواً في “لجنة الموت” هذه.

ولم يفز إبراهيم رئيسي في انتخابات 2017، لكن بعد بضعة أشهر، وبحكم من المرشد علي خامنئي، عُيّن رئيسا للسلطة القضائية في إيران، وبهذا أصبح “قاضي الموت” “قاضي القضاة” في “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وهو في بداية العقد الخامس من عمره. وهكذا انكشف سر رئيسي وعادت مأساة الإعدامات الجماعية إلى الأضواء في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بات إخفاء الجرائم عن الرأي العام غير ممكن.

عوائل الضحايا تروي قصص الرعب

وفي كل يوم، يروي أحد أفراد عوائل الضحايا قصة من قصص الرعب. ويتصدر عناوين الإعلام الإيراني الحر حضور العائلات في موقع المقابر الجماعية للضحايا مجهولي الهوية الذين تم إعدامهم في 1988 بشكل جماعي، مصحوبة بمضايقات من قبل عناصر الأمن.

ما ساهم في تسليط الضوء على هذه الإعدامات على مستوى عالمي، اعتقال حميد نوري خلال رحلة قام بها إلى السويد، وهو مشتبه بتورطه بتلك الإعدامات، وهكذا صار غير الإيرانيين أيضاً يهتمون بالمأساة.

هل أصبحت هذه “المذبحة” جزءاً من التاريخ؟

السؤال الذي يطرح هنا هو، هل هذه “المذبحة” أصبحت جزءا من التاريخ وسيدفعها التقادم إلى غياهب النسيان وبالتالي لا يمكن تطبيق العدالة ضد مرتكبيها؟ الأحداث تقول خلاف ذلك بالإطلاق، حيث العديد من مرتكبي هذه المأساة لا يزالون على قيد الحياة، بل يشغلون بعض المناصب الرسمية في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بما في ذلك القضاء.

ويشكل اعتقال نوري في السويد علامة بارزة في أن التقادم لن يوقف طلب العدالة للضحايا. وبحسب الادعاء السويدي، نوري كان مساعد المدعي العام في إيران عند صدور الأحكام، كما كان مساعداً للقاضي محمد مقيسه (ناصريان)، الذي كان مسؤولاً قضائيا في سجن جوهردشت خلال إعدامات عام 1988. ويظهِر هذا الاعتقال أنه إذا كان من المستحيل حالياً محاكمة المسؤولين عن إعدامات 1988 في إيران، فإن الوضع خارجها مختلف.

ووفقاً لمبدأ “الأهلية القضائية الدولية” أو “الولاية القضائية العالمية”، فإذا كانت المحاكم في بلدٍ ما (مثل إيران) لا تمتلك القدرة على المقاضاة في جريمة ما، يمكن للناجين أن يطلبوا محاكمة المشتبه بهم أو المدعى عليهم في دول أخرى بقضاء عادل.

وما واجهه حميد نوري في السويد، يمكن أن يتكرر مع مسؤولين إيرانيين آخرين متورطين في مذبحة سنة 1988.

يذكر أن “الولاية القضائية العالمية” تشمل البلدان التي ليس لديها سلطة قضائية نشطة أو عادلة على الإطلاق، ولا يمكنها مقاضاة المجرمين.

ومن المعلوم أن القضاء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، غير مستقل وغير عادل. وبسبب تأثير الأفراد والجماعات السياسية، يمتنع القضاء الإيراني عن التعامل بعدل مع مثل هذه الجرائم، الأمر الذي جعل إيران تخضع لمبدأ “الولاية القضائية العالمية”.

“جريمة ضد الإنسانية”

وقد أدى سرد ذكريات مأساة عام 1988 والكشف عن وثائق بهذا الخصوص وعودة القضية إلى السطح في إيران، إلى تحرُّك غير مسبوق تماما ضد النظام الإيراني منذ تأسيسه.

ووجّه عدد من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة رسالة إلى الحكومة الإيرانية حذروها من أن انتهاكات حقوق الإنسان في صيف عام 1988 يمكن اعتبارها “جريمة ضد الإنسانية”. وتم طرح أسئلة في الرسالة على الحكومة الإيرانية حول هذه المأساة تمهيداً لنقل التحقيق إلى المستوى التالي.

وإذا أقدمت الأمم المتحدة على إعلان إعدامات سنة 1988 “جريمة ضد الإنسانية”، فمن المحتمل أن يدعو مجلس الأمن الدولي لإنشاء محكمة دولية لمحاكمة المسؤولين في النظام الإيراني بتهم جنائية.

وسبق أن قامت الأمم المتحدة بإجراء محاكمات شبيهة لبعض عمليات القتل البارزة حول العالم، كما حدث في يوغوسلافيا السابقة ورواندا ولبنان.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بريكس: “العائلة” الصّينيّة… و”الجسر” الرّوسيّ