وعلى الرغم من الشرخ الواضح الحاصل، أكّد المحلل السياسي والباحث، علي بكير، أنّ التعاون بين أنقرة وموسكو وطيد بما يكفي لتجاوز انقسام مماثل. وتابع بكير: "العلاقات وطيدة بين تركيا وروسيا ويمتلك الاثنان مصالح مشتركة على مستويات مختلفة"، بينها مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي"ترك ستريم" ومنظومة أس-400 الدفاعية، ناهيك عن العلاقة الشخصية المتينة التي تجمع أردوغان ببوتين؛ إذ يعتبر الرئيسان بعضهما البعض بمثابة "صديقيْن عزيزيْن".
وفي تحليله، اعتبر ويلكس المحادثة الهاتفية التي أجراها الرئيسان ببعضهما البعض عقب التصعيد الأخير دلالة إلى أنّ البلديْن يعملان على إصلاح الضرر الحاصل: وبحسب الرئاسة التركية، فإنّ أردوغان أبلغ بوتين بأنّ الهجوم على الجيش التركي "يعدّ صفعة للجهود المشتركة الرامية لإحلال السلام في سوريا"، محذراً من أنّ أنقرة ستدافع عن نفسها في حال وقوع هجوم مماثل. بدوره، لفت الكرملين إلى أنّ الزعيميْن اتفقا على اتخاذ الخطوات الفورية التي من شأنها تعزيز التنسيق في سوريا. كما تحدّث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، حيث لفتت الخارجية الروسية إلى أنّ الجانبين "بحثا بصورة شاملة سير التسوية السورية، مع التركيز على الوضع في منطقة إدلب لوقف التصعيد". وشدد الطرفان على "ضرورة الالتزام الصارم بالاتفاقات الثنائية التي تم التوصل إليها خلال لقاء رئيسي روسيا وتركيا في 17 أيلول 2018 في سوتشي"، وفقاً للخارجية الروسية.
توازياً، تطرّق ويلكس إلى التعاون التركي-الروسي في شمال شرقي سوريا، حيث توسطت روسيا لإنهاء عملية تركية ضد المقاتلين الأكراد في تشرين الأول الفائت، مشيراً إلى أنّ انتكاسة حصلت على هذا المستوى. ونقل ويلكس عن وسائل إعلام تركية قولها إنّ دورية تركية-روسية مشتركة في المنطقة الحدودية أُلغيت يوم الاثنين الفائت. وفي هذا الإطار، نقل ويلكس عن خليبنيكوف اعتباره المسألتيْن متوازيتيْن، قائلاً: "قد تحصل مقايضة ما بين تركيا وسوريا حول إدلب ومنطقة شمال شرقي سوريا، التي تضطلع بأهمية أكبر بالنسبة إلى تركيا".
بدوره، لفت موقع "المونيتور" الأميركي إلى أنّ التوترات الروسية-التركية حصلت قبل زيارة أردوغان إلى أوكرانيا، مذكراً بتصريح الرئيس التركي من كييف الذي قال فيه إنّ التطورات في إدلب وصلت إلى وضع لا يطاق، مشيراً إلى أنّ تركيا صبرت كثيراً في هذا الصدد. وتابع أردوغان قائلاً إنّ المعطيات تفيد بنزوح نحو مليون شخص باتجاه الحدود التركية نيتجة لبراميل الجيش السوري المتفجرة والإهمال الروسي. وتابع "المونيتور" بالقول إنّ أردوغان كرر موقفه السابق الرافض للاعتراف بضم القرم إلى روسيا، واصفاً الخطوة الروسية بأنّها "غير شرعية". كذلك، بيّن "المونيتور" أنّ أردوغان ونظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بحثا تعزيز التبادل التجاري وتعزيز التعاون على صعيد التمويل الدفاعي، إذ قالت أنقرة إنّها ستدعم كييف بـ36 مليون دولار لشراء معدات عسكرية تركية.
وفي هذا الإطار، نقل "المونيتور" عن بعض المنتقدين قولهم إنّ هذه التطورات بدت وكأنّها تهدف عمداً إلى إثارة غضب موسكو، إذ نقل عن المرشحة السابقة للرئاسة التركية، وزعيمة حزب "إيي" القومي المعارض، ميرال أكسينير، قولها: "قيل إنّ تركيا ستمنح مساعدات بقيمة 33.5 مليون دولار لأوكرانيا"، مضيفةً: "في الليلة نفسها، أي ليل الثالث من شباط، استهدف الجيش السوري الذي تقوده روسيا، وهي المسؤولة عن احتلال أوكرانيا والقرم، الجنود الأتراك". وقالت أكسينير إنّ اللعبة واضحة: "ما إن نمنح مساعدات عسكرية، حتى نصبح أهدافاً عسكريةً".
أردوغان يمهل الأسد
وأمس، أمهل أردوغان قوات الجيش السوري حتى نهاية شباط الجاري للانسحاب خلف نقاط المراقبة التركية في الشمال السوري، وإلا فإن الجيش التركي سيجبرها على ذلك، حسب تعبيره.
وقال أردوغان إن "الهجوم على جنودنا في إدلب بداية لمرحلة جديدة بالنسبة لتركيا في سوريا"، مشيرةً إلى أنّ اثنتيْن من نقاط المراقبة التركية الآن تقعان خلف خطوط القوات السورية. وتتمركز القوات التركية في عدة نقاط مراقبة بموجب اتفاق منطقة خفض التصعيد في إدلب الذي توصلت إليه تركيا وروسيا وإيران في أيار 2017 ضمن إطار اجتماعات أستانا.