خبر

لعبة المخاطر الأسوأ بدأت في سوريا.. هكذا يُعاد رسم الخريطة

بعد أسابيع من الفوضى في شمال شرق سوريا، أعادت القوى العظمى رسم جزء صغير من الخريطة، ولكن القصة الأكبر لا تزال في بدايتها. واليوم، عناوين اربعة يمكن التطرق اليها عند الاشارة الى الوضع الحالي في سوريا بعد التطورات الأخيرة التي عصفت بالمنطقة، والتي تنذر بأنّ لعبة المخاطر الأسوأ في العالم قد بدأت في سوريا.

 

وتطرقت الباحثة كاثي غيلسينان، في مقال بمجلة "ذا أتلانتك"، الى هذه العناوين مؤكدة أنّ لعبة المخاطر الأسوأ في العالم، بدأت في سوريا، وقالت: "انسحبت الولايات المتحدة، وتدخلت تركيا، وتراجعت القوات الكردية، أما نظام الرئيس بشار الأسد فشعر بالارتياح، وأبرمت روسيا صفقة، وأرسلت المزيد من القوات. وفي الوقت نفسه قُتل أكثر من 100 شخص، وفر أكثر من 100 ألف آخرون. حدث كل هذا في غضون أسابيع قليلة في تشرين الأول الماضي، في قطعة طويلة وضيقة من الأراضي السورية، تمتد على مسافة 300 ميل على طول الحدود التركية".  

 

إعادة رسم الخريطة
وبدا الأمر، حسب الباحثة، كأن قوة عظمى في القرن الحادي والعشرين تعيد رسم الخريطة، ولكن في الواقع لم تخضع الكثير من الأراضي لسيطرة جديدة، ولذلك وبعد قرابة شهر من الفوضى، وقعت الولايات المتحدة في ورطة جديدة مع الوكلاء المتنافسين، وانهار نفوذها الضعيف أكثر، وبات مستقبل قتالها ضد "داعش"، محل شك.
وتعتبر الباحثة، أن الفائزين المفترضين هم تركيا، وروسيا، ونظام الأسد، وأنهم اكتسبوا مجالات نفوذ بشكل عشوائي ووجهوا ضربة قاسية للهيمنة الأميركية، أما الخاسرون، كما هو الحال دوماً، فهم المدنيون السوريون.

ومع تأرجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتكرر بين البقاء والانسحاب من سوريا، على الجيش الأميركي مواصلة القتال ضد "داعش" بعدد أقل من الجنود والشركاء الأكراد المحليين، الذين لم تعد لديهم ثقة في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، فتح الفراغ على طول الحدود المجال أمام خليط من القوى الخارجية، والوكلاء الذين يدعمونهم.

فوضى السياسة الأميركية

القوات المدعومة من تركيا التي تعمل هناك، تضم 30 مجموعة أو فصيلاً، مصادر كردية، تشمل إرهابيين متطرفين، وبعض العناصر أكثر راديكالية. وترى الباحثة أن المسار الفوضوي للسياسة الأميركية في الحرب الأهلية السورية، يتجسد في أن بعض المجموعات التي تدعمها تركيا كانت سابقاً بين وكلاء الولايات المتحدة، ويعني ذلك أن شركاء الولايات المتحدة السابقين أثبتوا فاعليتهم إلى حد بعيد في المساعدة على طرد الشركاء الأميركيين الحاليين، الأكراد.

ولكن الخسائر ليست كبيرة كما كان متوقعاً حسب الباحثة، إذ لا تزال قوات سوريا الديمقراطية "قسد" تسيطر على جزء كبير من شمال شرق سوريا، وعلى جميع مواردها تقريباً، بما في ذلك النفط والغاز.
ورغم انسحاب الاكراد من قطاع على طول الحدود، باستثناء قرابة 75 ميلاً في الوسط تخضع لسيطرة الوكلاء الأتراك، فإن هياكل الحكم الكردية لاتزال قائمة.

تهديد قسد لايزال قائماً
وتلفت الباحثة إلى أن قسد لاتزال تسيطر على معسكرات الاعتقال الكبرى لمقاتلي "داعش" التي تضم الآلاف من المشتبه بهم، ولم تتوقف قسد عن حراسة تلك السجون، للدفاع عن نفسها ضد تركيا، كما خشي الكثيرون. ومن ناحية أخرى لم يحقق الرئيس السوري بشار الأسد تعهداته باستعادة كل شبر من بلاده، إذ يفتقر إلى القوات اللازمة لذلك. ونشرت روسيا بضع مئات من الجنود للمساعدة في حراسة الحدود التركية، ولكن المسافة طويلة للغاية، ما يمنع مراقبتها بالكامل.

وتوضح الباحثة أن تركيا، حققت بالفعل أهدافها الرئيسية في إبعاد الاكراد عن حدودها لتجنب التهديد الأمني الذي يتحدث عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب روابط تلك المجموعات بالمسلحين الأكراد داخل تركيا.

ولكن القوة المتبقية لقسد، تركت التهديد السياسي المتمثل في إقامة منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي نموذجاً يحتذى به عند أكراد تركيا.

مصالح متضاربة 
ولذلك تحتفظ الولايات المتحدة بما يكفي من الوجود للتأثير على الأحداث إلى حد ما، بتوفير غطاء جوي لشركائها الأكراد المحليين لمحاربة "داعش"، ومن المفارقات أن تركيا، حليفة الولايات المتحدة في الناتو، تواصل معاركها ضد الأكراد، حلفاء الولايات المتحدة ،في بعض المناطق، رغم وقف إطلاق النار.

وتقول الباحثة: "لدى الولايات المتحدة بعض النفوذ في المفاوضات حول كيفية إنهاء الحرب الأهلية السورية، ولكن بدرجة أقل من روسيا، وتركيا، وإيران التي استثمرت بشكل أكبر في سوريا. ويمكن القول إن الولايات المتحدة الآن في وضع أفضل نسبياً، لتقديم مطالب في أي مفاوضات مستقبلية لتسوية مصير سوريا. وبالتأكيد ستسعى روسيا إلى الحفاظ على دور حليفها الأسد، بينما ستسعى تركيا إلى تقويض تطلعات الأكراد في الحكم الذاتي، ولا يمكن أن تصب مثل هذه الأمور في مصلحة الولايات المتحدة، ولكن الرئيس ترامب أوضح أن المصلحة الأميركية الرئيسية تتمثل في مغادرة سوريا".

وتختم الباحثة بأن السوريين هم الخاسر البارز في هذه اللعبة، بعدما اضطروا إلى الفرار من منازلهم، أو الوقوع ضحايا إطلاق النار في ساحة المعركة التي تتغير باستمرار في بلادهم.