يقول روبرت كازولدا، أستاذ سياسات الشرق الأوسط بجامعة لودز في بولندا: "الأوضاع تُشبه فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى أو الثانية، حيث يُوجَد مُعسكران وتحالفان. هنا في وارسو، لا يُعَدُّ هذا مؤتمراً للسلام. بل يتعلَّق الأمر ببناء تحالف. ومن الضروري بالنسبة لروسيا أن تُظهِرَ للعالم أنها زعيمة معسكرها".
ويَعُجُّ كلا الائتلافين المُتفكِّكين بالخلافات العميقة والانقسامات التي يُحتَمَلُ أن تنفجر مستقبلاً. إذ تُعَدُّ قمة يوم الخميس في سوتشي هي المرة الرابعة التي تجتمع خلالها الترويكا الروسية-الإيرانية-التركية لمناقشة مستقبل سوريا، والأولى منذ إعلان الولايات المتحدة نيتها الانسحاب من المنطقة.
ورغم اجتماع فلاديمير بوتين الروسي وحسن روحاني الإيراني ورجب طيب أردوغان التركي لمناقشة مستقبل سوريا، لكنهم يختلفون على المواضيع الثلاثة الرئيسية لأجندة المؤتمر. إذ كشف انسحاب الولايات المتحدة عن خلافٍ في وجهات النظر داخل الترويكا حول مستقبل الأراضي التي تقع شمال شرقي سوريا، والتي تُسيطر عليها حالياً القوات الكردية والأميركية، كما تقول الصحيفة البريطانية.
إنذار أردوغان للأكراد!
وتمتلك أنقرة، التي ترى في القوات الكردية تهديداً أمنياً لها، خططها العسكرية الخاصة للمنطقة. وفي وقتٍ مبكِّرٍ من هذا الأسبوع، بعث أردوغان إنذاراً أخيراً للقوات الكردية من أجل مغادرة المنطقة في غضون أسابيع. لكن موقفه لا يُناسب موسكو أو طهران. وشدَّد سيرغي فيرشينين، نائب وزير الخارجية الروسي، خلال خطابٍ ألقاه الجمعة الماضية على ضرورة تجنُّب "زعزعة الاستقرار والفوضى" التي ستعقُب انسحاب الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة البريطانية.
وسافر سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، إلى أنقرة يوم الإثنين على أمل تسوية الخلافات، لكن صحيفة The Independent البريطانية أفادت أن الزيارة فشلت في إحداث تغييرٍ حقيقيٍ على مواقف البلدين. وتختلف آراء أنقرة بشدةٍ عن موسكو وطهران في ما يتعلَّق بمستقبل شمال غرب سوريا، وهي المنطقة التي تقع حالياً تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وهي الجماعة الجهادية التي كانت متحالفةً مع تنظيم القاعدة الماضي. ولا تُوافِق تركيا إيران الرأي بشأن مستقبل القيادة في دمشق، إذ تسعى أنقرة لنقل السلطة بعيداً عن بشار الأسد، في حين تقف طهران وموسكو بحزمٍ وراء نظام بشار الأسد. إذ ترى روسيا في الانسحاب المنتظر للقوات الأميركية مدعاةً لتشديد قبضتها على دمشق، وترى إيران في ذلك أيضاً وسيلةً لتمديد نفوذها غرباً ونشر أسلحتها وقواتها الحليفة ضد إسرائيل.
ورجَّح يوري بارمين، الخبير بمجلس الشؤون الدولية الروسي، أن التقدُّم الوحيد الذي يُمكِن أن تُحرزه المحادثات سيكون مُتعلِّقاً بعضوية اللجنة الدستورية المُقترحة بوساطة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب. وقال: "ترغب موسكو في تدوين الأسماء على الورق، نظراً للصعوبات الكامنة في المناطق الأخرى".
روسيا تبحث عن دورها الإقليمي
وبغض النظر عن ما سيحدث هناك، ستستغل روسيا مؤتمر سوتشي للتأكِّيد على دورها بصفتها صانعة القرار إقليمياً والقوة العظمى الوحيدة القادرة على احتواء إيران. وأضاف بارمين: "ربما تُنتِج قمة بولندا تغطيةً إعلاميةً جيدةً وتعليقاتٍ غريبةً من نتنياهو. لكنه حدثٌ ضعيفٌ من الناحية الموضوعية، نظراً لغياب تركيا وإيران وحقيقة أن موسكو هي من تتحدَّث إليهم"، بحسب الصحيفة البريطانية.
وتنتشر التناقضات والأجندات المتضاربة داخل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أيضاً. وقال آرون شتين، مدير الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية: "يبدو أن كلا المؤتمرين في ورطة. إذ أن مؤتمر وارسو ليست لديه أجندة أعمالٍ فعلية. وغياب أجندة الأعمال، يعني أنك لم تتوصل إلى توافق. وغياب التوافق يعني غياب ‘الحماسة’ الكافية لتحقيق الأهداف. وهناك توافق في سوتشي على أجندة تسوية الحرب الأهلية في سوريا، لكن هناك خلافاً حول بعض بنود تلك الأجندة".
وتباهت وزارة الخارجية البولندية بأن أكثر من 60 دولةً أرسلت مبعوثيها. لكن العديد من الدول الأوروبية أرسلت صغار الدبلوماسيين والموظفين الحكوميين الذين اقتصر دورهم على تدوين الملاحظات. واتَّسم المؤتمر بغطاءٍ من السرية، ولم يُفصَح عن قائمة المشاركين، رغم أن كافة دول شبه الجزيرة العربية أرسلت وزراء خارجيتها. وطالب بينس الدول الأوروبية بالانسحاب من الاتفاقية النووية التي أُبرِمَت عام 2015 مع إيران بواسطة باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة السابق، وغيرها من القوى العالمية، وأدان إعلان الاتحاد الأوروبي الأخير عن قائمةٍ من الآليات المالية لاستئناف التجارة مع الجمهورية الإسلامية. لكن المسؤولين البولنديين أنفسهم، الذين استضافوا المؤتمر أملاً في الحصول على قاعدةٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ دائمةٍ في بلادهم، أعربوا عن دعمهم للاتفاقية النووية. ورغم أن الولايات المتحدة تُؤكِّد باستمرارٍ على أن إيران هي مفتاح الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، لكن الكثير من حلفاء واشنطن القدامى يتبنون موقفاً أكثر دقةً بشأن طهران والمنطقة.
آراء الاميركيين منقسمة بشأن الشرق الأوسط
ورغم أن بينس أدرج في خطابه عدداً من المزاعم حول الدعم الإيراني للنظام السوري والذي قد يُورِّطها أخلاقياً في الكارثة الإنسانية التي حلَّت بالبلاد، لكن الحقائق على أرض الواقع تُشير إلى أن الكوارث الإنسانية في العراق واليمن وقعت في الأصل نتيجة العمليات العسكرية التي نفَّذتها الولايات المتحدة وأكبر حلفائها، بحسب الصحيفة البريطانية. وتختلف الآراء داخل الولايات المتحدة نفسها حول سياسة الشرق الأوسط. فقبل ساعاتٍ من تحميل بينس لإيران المسؤولية عن كارثة اليمن، صوَّت الكونغرس الاميركي بالموافقة على وقف الدعم الاميركي للهجوم الذي تقوده السعودية ضد المقاتلين الحوثيين المدعومين من قِبَل إيران، والذين يُسيطرون على عاصمة الدولة التي تقع في شبه الجزيرة العربية.
وشكَّك العديد من الباحثين والدبلوماسيين في تماسك السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة. إذ تقول إدارة ترامب إنها ترغب في مواجهة إيران، لكنها تُروِّج لعملية سحب قواتها من سوريا وأفغانستان. وفي الوقت ذاته، تُحافظ القوات المدعومة من قِبَل إيران، مثل حزب الله الذي يتمتَّع بتدريبٍ عالٍ وخبرةٍ قتاليةٍ كبيرة، على مواقعها.
ورفضت روسيا والصين والعراق -أهم المنافذ الاقتصادية بالنسبة لإيران- دعوات حضور المؤتمر الأمريكي، رغم أن الولايات المتحدة فرضت عقوباتٍ قاسيةً على إيران والشركات الدولية، بحسب الصحيفة البريطانية. ورغم أن لقاءات نتنياهو مع وزراء الخارجية العرب تُعَدُّ حدثاً تاريخياً، لكن المُعلِّقين في إسرائيل وصفوا القمة بأنها مُجرَّد جلسة تصويرٍ يستغلُّها رئيس الوزراء الذي تُلاحقه الفضائح لتزيين ملصقات حملته الرئاسية قبل الانتخابات العامة المُنتظرة في آذار. وفي إشارةٍ جديدةٍ وغير مُتعمَّدةٍ على تقاطع الأجندات، تُشير التقارير إلى أن المملكة العربية السعودية فرضت حظراً على صادرات اللحوم البولندية بالتزامن مع انطلاق القمة، في خطوةٍ أثارت غضب البولنديين.