خبر

مَن يهدّد حياد "مجلس التعاون" عن حرب أوكرانيا؟

عماد الشدياق نقلاً عن "إيلاف"

مع انطلاق الحرب في أوكرانيا في شهر شباط (فبراير) 2022، سارت العلاقات الروسية - الخليجية بعكس التوقعات، فشهدت تطوراً ملحوظاً، كان سهلاً على المراقبين رصده من خلال مواقف دول الخليج مع تفاقم تداعيات الصراع، الذي تصاعد ولم تُساند الدول الخليجية حلفاءها الغربيين في حربهم ضد روسيا.

لكن اليوم، ثمّة مستجدات قد تُهدّد ذاك الحياد. ومن غير المستبعد أن تصاب التفاهمات الخليجية – الروسية ببعض الندوب نتيجة تلك المستجدات... فما هي تلك التهديدات؟ ومن أين مصدرها؟ وهل للدول الغربية يد في الموضوع؟ بل هل ثمّة من يحاول أن يعكّر صوف تلك التفاهمات ليصيب تلك العلاقة بالتصدع؟

محطات روسية - خليجية
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد من العودة إلى أهمّ المحطات التي ثبّتت العلاقة بين روسيا ودول الخليج، ودفعت بها قُدماً بُعيد الحرب الأوكرانية.

وعليه، يمكن القول إنّ الغرب:

- لم يتمكن من الاعتماد على تصويت دول الخليج من أجل إدانة روسيا داخل مجلس الأمن الدولي.

- خلال جلسة تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان، امتنعت جميع دول الخليجية عن التصويت.

- لم يتمكن الغرب كذلك من حمل دول الخليج على زيادة إنتاج النفط والغاز، من أجل تجنب آثار توقف الغاز والنفط الروسيين عن الأسواق الأوروبية.

- لم يتمكن الغرب من إقناع دول الخليج بالالتزام بالعقوبات المفروضة ضد روسيا.

من خلال ذلك، بدا واضحاً أنّ موسكو تتمتع بعلاقة وثيقة مع الدول الخليجية، وبشكل خاص مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. اكتشفت واشنطن وكذلك الغرب، مع بداية الحرب في أوكرانيا أنّ العلاقات الخليجية - الروسية أعمق مما قد يتصورون، وأن الكرملين استطاع بناء هذا النجاح على مدى عقد كامل، تخللته الكثير من المحطات التي أفضت إلى تعزيز أواصر التعاون والتواصل في ما بينهما.

موقف كويتي متمايز
لكن بالرغم من هذا كلّه، يبدو أنّ ثمة محاولات غربية تحاول اليوم تعكير صفو تلك العلاقات، خصوصاً نتيجة الصعوبات التي تواجهها دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا وفرنسا وإسبانيا وهولندا، في مدّ أوكرانيا بالمساعدات، فتحاول الحفظ على ما تبقى من ماء وجهها أمام أوكرانيا، من خلال تقديم المساعدة العسكرية بواسطة دول أخرى، تكون طرفاً ثالثاً يقوم مقامها، فيقدم تلك المساعدات العسكرية بالإنابة.

تكشف أوساط دبلوماسية شديدة الاطلاع على الملف الاوكراني، أنّ دولة الكويت تسعى إلى لعب هذا الدور بالنيابة عن أوروبا. إذ تخطّط، بحسب المعلومات، لنقل 149 دبابة من صنف M-84 إلى أوكرانيا.

وتعتزم وزارة الدفاع الكويتية تسليم تلك المعدات إلى مدينة سلافونسكي برود في كرواتيا، حيث يُرجح أنّها ستصل إلى هناك من أجل تحديثها في إحدى الشركات الهندسية المحلية، التي تُدعى "جونو ديوكوفيتش"، ثم بعد ذلك، سوف يتمّ نقلها إلى القوات المسلحة في كرواتيا، ثم بعد ذلك إلى أوكرانيا.

بحسب المعلومات أيضاً، فإنّ المستفيدين من الصفقة هي الشركة الصناعية والتكنولوجية التشيكية يملكها الأخوين ياروسلاف وميخائيل سترناد (المجموعة التشيكوسلوفاكية)، وهي شركة معروفة بتعاونها الوثيق مع دول حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، وقد قامت بتزويد أوكرانيا في عام 2023 بالفعل، بدبابات سوفيتية حديثة الصنع من الطراز الشهير T-72M.

موسكو غاضبة
ويبدو أنّ هذه الصفقة تثير غضب موسكو، التي تعتبر نفسها "شريكاً استراتيجياً" لدول الخليج، خصوصاً مع ارتفع مستوى التنسيق الاقتصادي والسياسي بشكل ملحوظ، بين موسكو وأكبر اللاعبين في هذه المنطقة منذ بداية الحرب في أوكرانيا. أي يوم أظهرت الدول الغربية، وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الأميركية، وجهها الحقيقي أمام شركائها العرب والخليجيين... فأدركوا أنّ إدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطية، ليست شريكاً حقيقياً يمكن الاعتماد عليه من أجل الإجابة على هواجس ومصالح دول الخليج القومية.

أمّا اليوم، وبعد أن أنفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها موارد كبيرة على تدريب أفراد الجيش الأوكراني، وتكبد خسائر بسبب الأخطاء التكتيكية التي ترتكبها قيادته في كييف، وبعد شارفت الحرب على النهاية، مع تنصّل الغرب من تقديم المزيد من المساعدات للأوكرانيين، وكذلك بعد أن أظهرت القوات المسلحة الروسية تفوقها الدفاعي على أغلب الأسلحة الغربية المتقادمة التي أُرسلت إلى أوكرانيا منذ بداية الهجوم المضاد في الصيف الفائت، يبدو أنّ الكويت تتخطى تلك الحقائق محاولة القفز من فوق "مبدأ الحياد" الذي رفعته دول مجلس التعاون الخليجي منذ بداية الحرب.

انحياز إلى واشنطن؟
ترى الأوساط الروسية أنّ الكويت تفضّل، في ما يبدو، "الانحياز لصالح الشراكة مع واشنطن"، لحدود ما يمكن اعتباره "تبعية مفرطة" لصالح الولايات المتحدة!

ولهذا تذكر تلك الأوساط بأنّ أوكرانيا لم تستفد من تلك الأسلحة في حربها، وإنما تبيع الأسلحة والمعدات العسكرية في "السوق السوداء" ضمن الشرق الأوسط ودول القارة الأفريقية. إذ تشير المعلومات في هذا الصدد، إلى أنّ "جزءاً كبيراً من تلك الأسلحة الموردة ربما ينتهي بين أيدي التنظيمات الإرهابية"، طالما أنّ طريقة بيع تلك الأسلحة لا تتوخى سوى التربّح والكسب المادي لصالح من يدفع أكثر... وهذا بات مثبتاً من خلال تقارير صحافية غربية سبق وكشفت هكذا صفقات.

وعليه، ترى الأوساط الروسية أنّ هذا السيناريو قد يؤدي إلى "زعزعة استقرار الوضع الأمني في منطقة الخليج العربي ودول الشرق الأوسط". كما أنّ الأوساط نفسها ترى أنّ سياق التهديدات المتزايدة في الشرق الأوسط، مثل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي أو المواجهة مع الحوثيين في البحر الأحمر واليمن، ربمّا تفرض على الكويت "التفكير في بناء قوة عسكرية أكبر من خلال تلك الأسلحة، لضمان أمنها الخاص"، وليس أمن دول أخرى مثل أوكرانيا.