خبر

تحالف «حارس الازدهار» وتأجيج الصراع

عماد الشدياق في "القدس العربي"

في كل الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، كان يقول إن بلاده لا تريد توسيع الحرب. لكن برغم ذلك، تسببت الولايات المتحدة الأمريكية، بمساعدة حلفائها مثل المملكة المتحدة، بزيادة التوترات في المنطقة بعد استهدافها قواعد عسكرية ومراكز لجماعة أنصار الله (الحوثي) على الأراضي اليمنية.

قبل يوم واحد من بداية الضربات الأمريكية والبريطانية ضد جماعة الحوثي، كان مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، قد تبنى قرارا يطالب الحوثيين بوقف الهجمات ضد السفن في مضيق باب المندب في البحر الأحمر، فورا. القرار الذي صاغته الولايات المتحدة واليابان، ثم اعتمده المجلس بأغلبية 11 عضوا وامتناع 4 أعضاء عن التصويت (روسيا والصين والجزائر وموزمبيق)، دعا الدول إلى احترام حظر الأسلحة المفروض على جماعة الحوثي المدعومة من إيران، كما طالب بأن يضع الحوثيون حدا للهجمات التي “تعرقل التجارة الدولية وتقوّض حقوق وحريات الملاحة والسلم والأمن في المنطقة”.
المجلس طالب أيضا الجماعة بإطلاق السفينة “غالاكسي ليدر” وطاقمها التي تم احتجازها في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي… ثم توالت الاستهدافات والرد ثم الرد المضاد.

في حينه، فإن الدول الممتنعة عن التصويت في مجلس الأمن لم تبدُ بعيدة عن المطلب الأمريكي الداعم لوقف الاعتداءات الحوثية ضد السفن، لكنها في الوقت نفسه لم تعطِ ضوءاً أخضر لتوجيه أي ضربة عسكرية للجماعة، وذلك لاعتبارات عدة:
1. لأن المنطقة مشتعلة أصلا، وهي في غنى عن هكذا تصعيد قد يؤدي إلى عسكرة البحر الأحمر، وزيادة الأزمة تعقيدا.
2. لأنها ترى أن هجمات الحوثي، وإن كانت تشكل خطرا على الملاحة في البحر الأحمر، إلا أنها أقل رد ممكن على التجاوزات الإسرائيلية، وعلى الدعم الغربي المطلق لـ”ماكينة القتل” ضد الشعب الأعزل في قطاع غزة.

الفصل السادس
البند الرئيسي في القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي، تم تبنيه بموجب الفصل السادس، وينص على حق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وفقا للقانون الدولي في “الدفاع عن سفنها من الهجمات، بما في ذلك تلك التي تقوّض الحقوق والحريات الملاحية”. لكنه في المقابل، لم يعطِ ضوءاً أخضر لأي دولة من أجل شن أي هجمات ضد أراضي دولة أخرى.

كما أن “الحق في الدفاع عن النفس” المذكور في متن القرار الأممي، تحدث حصرا عن صد الهجمات في البحر مثلما كانت الدول الغربية (فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة، إيطاليا…) تفعل منذ بداية الحرب في غزة. برغم هذا كله، وجدت الولايات المتحدة وبريطانيا بذلك القرار، مسوغا من أجل انتهاك القانون الدولي، وعسكرة البحر الأحمر، من خلال عملية “حارس الازدهار”.

الحكومة البريطانية نشرت ملخصا لموقفها هذا، وقالت إن لها الحق بموجب القانون الدولي في استخدام القوة في مثل هذه الظروف، بحيث يكون “التحرك للدفاع عن النفس هو الوسيلة الوحيدة الممكنة للتعامل مع هجوم مسلح فعلي أو وشيك، وبحيث تكون القوة المستخدمة ضرورية ومتناسبة”.

كما نشرت وثيقة على موقعها الإلكتروني عنوانها: “ملخص الموقف القانوني للحكومة البريطانية: شرعية العمل العسكري البريطاني لاستهداف منشآت الحوثيين في اليمن”، شددت فيها على أنها ستُخطر مجلس الأمن الدولي بالإجراءات التي اتخذتها. بيد أن هذا الاعلان قد أضعف من موقفها ولم يدعمه، فأقر بشكل ضمني بأن التحرك البريطاني أتى فعلا من خارج الإجماع الدولي، ولهذا أرادت لندن العودة إلى مجلس الأمن من أجل سد هذه الثغرة.

أما الولايات المتحدة، فبررت هجومها بالقول أمام أعضاء مجلس الأمن إن “التهديد الحوثي يمس الحقوق وحرية الملاحة في البحر الأحمر، وهو تحدٍ عالمي يتطلب ردَ فعل عالمي”، محاولا ضم أكبر عدد ممكن من الدول إلى حملتها لجعلها أكثر مشروعية على المستوى الدولي.

هذه المبررات لم تقنع بقية الدول في مجلس الأمن، وخصوصا روسيا التي شدد سفيرها على أن “موسكو لا يسعها إلا أن تشعر بالقلق إزاء الوضع الحالي في البحر الأحمر”، معبرا عن قلق بلاده من سلوك واشنطن وحلفائها الذين “يفضلون اختيار حل عنفي أحادي الجانب”.

ولاحقا دان الكرملين تلك الضربات واعتبرها “غير شرعية بموجب القانون الدولي”، متهما الدول التي نفذتها بـ”توفير أساس قانوني دولي لتصرفاتها”، خصوصا أن القرار الصادر من مجلس الأمن “لا يمنح أي حق في تنفيذ الضربات غير الشرعية من وجهة نظر القانون الدولي”.

«ضبط النفس»
الموقف الصيني كان أقل حدة من نظيره الروسي، إذ اكتفت بكين بالتعبير عن قلقها إزاء تصاعد التوترات في البحر الأحمر، ودعت جميع الفرقاء إلى “ضبط النفس”، مبدية استعدادها للتواصل مع جميع الأطراف من أجل التهدئة والحفاظ على أمن الممر المائي الدولي بشكل مشترك.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، إن بكين تدعو جميع الأطراف المعنية إلى التزام الهدوء وممارسة ضبط النفس، من أجل منع الصراع من التوسع… لكن ما حصل بالفعل كان العكس تماما!

على الرغم من هذا كله، فإن النتيجة كانت بكل بساطة عكسية تماما، إذ أدى سلوك واشنطن ولندن إلى تفاقم الصراع في البحر الأحمر، بشكل تسبب بالتالي:
– تسعير التوترات بين جماعة الحوثي من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، وذلك عند فوهة ثاني أهم ممر مائي دولي.
– دفع واشنطن إلى ضم المزيد من الدول إلى حملة “حارس الازدهار”، وذلك من أجل إضفاء طابع أممي على العملية ولو زورا. فانضمت إلى الحملة مؤخرا دولة إضافية هي الدنمارك التي أعلنت وزارة دفاعها بأنها “استجابت لرغبة الانضمام إلى ذاك التحالف”، من دون أن تحدد لمن تعود الرغبة تلك، كاشفة أنها ستبعث بضابط أركان يتيم حتى يشارك في عمليات التخطيط.
– إعطاء جماعة الحوثي المزيد من الدوافع من أجل شن المزيد من الهجمات ضد السفن الأمريكية والبريطانية إلى جانب تلك الإسرائيلية أو الأجنبية المتوجهة إلى إسرائيل.
– فتح شهية عدد من دول المنطقة إلى شن هجمات أخرى مشابهة، لكنها تتعلق بملفات أخرى بدوافع وأسباب مختلفة. مثال على ذلك الهجوم الذي شنته إيران ضد عدد من المتمردين في باكستان وبررت ذلك بالأسباب نفسها التي تمسكت بها الولايات المتحدة وبريطانيا.