عماد الشدياق نقلاً عن "عربي21"
تحاول إسرائيل توريط الفلسطينيين بالملف الأوكراني من خلال دسّ الأخبار والأضاليل، فتسعى إلى ذلك من خلال الإعلام لكن من دون جدوى.
آخر هذه المحاولات كانت قبل أسابيع، يوم نشر موقع "ميديا لاين" الأمريكي، تقريراً "حصرياً" كشف ما اعتبره معلومات مصدرها جهات أمنية لبنانية، وتفيد بتجنيد شبان فلسطينيين للقتال في أوكرانيا إلى جانب الجيش الروسي، مقابل 350 دولارا أمريكي شهرياً!
التقرير ادعى أنّ مجموعة من نحو 300 مقاتل فلسطيني من بين المقيمين في لبنان، تسجلت للانضمام إلى الحرب في أوكرانيا من أجل القتال إلى جانب الروس، وأنّ جهود التجنيد يقوم بها ناشطون مرتبطون بالسفارة الفلسطينية في لبنان، كاشفاً في الوقت نفسه أنّ معظم المجندين هم من مواليد عام 1969، باعتبار أنّ هؤلاء يحملون أوراقاً ثبوتية صادرة عن السلطات اللبنانية، ويمكن لهم التنقل خارج البلاد بموجب جوازات سفر مخصصة للفلسطينيين.
كاتب المقال صحافي يحمل الجنسية الإسرائيلية ويدعى مجدي حلبي. يعرّف عن نفسه بأنّه مراسل موقع "إيلاف"، لكنّه ينشر مقالات في أكثر من موقع منها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" وصحف إسرائيلية أخرى، وكل مضامين مقالاته تصبّ في خدمة الدولة العبرية، كما أنّه متهم في إيصال "صوت إسرائيل" إلى الجمهور العربي من خلال كتابة تلك الأفكار ببعض المواقع العربية.
لكن يبدو أنّ الحلبي اختار أن ينشر تقريره في موقع أمريكي لإضفاء شيء من الصدقية حول ما يقوله لدى القراء. الحلبي ادعى في تقريره أنّ السلطات اللبنانية تفتقر إلى القدرة على مراقبة أو تتبع تحركات الفلسطينيين، الذين تنوي روسيا بعد تجنيدهم نشرهم على الخطوط الأمامية في أوكرانيا، وقال إنّ أغلبهم ينحدر من مخيّم عين الحلوة الفلسطيني في جنوب لبنان، ومن بين أعضاء في حركة "فتح" التي يقودها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بالإضافة إلى منظمات أخرى مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الموالية للنظام السوري.
لكن للمفارقة، أنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تملك هذا النوع من المعلومات لأنّها غير موجودة أصلاً، وتضعه في إطار "الدعاية السياسية". وبحسب المعلومات، فإنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية سبق أن تلقت شكاوى من هذا النوع، مصدرها السفارة الأوكرانية في بيروت، لكنّ الاستقصاءات لم تكشف أي شيء ممّا تدعيه أوكرانيا. حتى الأوساط الفلسطينية الموجودة في لبنان، تنفي هذه المعلومات جملة وتفصيلاً، بل تسخر من هذه التقارير وتعتبرها "كاذبة" وواضحة الأهداف. كما أنّ البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في لبنان ردّت على التقرير المزعوم، وأكدت أنّها "غير صحيحة" وتسعى إلى "تشويه العلاقات الثنائية بين رام الله وموسكو".
فلسطينيون مقربون من حركة "فتح"، اعتبروا أنّ هذه المعلومات تأتي في إطار تشويه سمعة الفلسطينيين وتصويرهم على أنهم "مرتزقة". كما أنّ الصحافي الفلسطيني المتخصص في الشؤون الفلسطينية والمقيم في لبنان، أنيس محسن، يقول بعد اطلاعه على هذا التقرير إنّه "مضلّل" لأنّ معلومات كثيرة وردت فيه غابت تفاصيلها عن كاتبه.
في إطار دحض تلك الادعاءات، يكشف محسن أنّ ما يحصل عليه فلسطينيو حركتي "فتح" و"حماس" من رواتب نظامية في لبنان، أكثر مما ادعاه الصحافي الإسرائيلي بكثير. وبالتالي فإن رقم 350 دولارا الهزيل الذي تحدث عنه هو رقم "مضحك".
ويضيف محسن: "هناك رواتب لمقاتلين من ذوي الرتب العسكرية الرفيعة تصل إلى نحو 3000 دولار بينما الأقل رتبة يحصل على 1000 دولار، كما أنّ مقاتلي الجبهة الشعبية يحصلون على رواتب بالليرة اللبنانية لكن بما يعادلها بالدولار.. فهل يُعقل أن يذهبوا للقتال في أوكرانيا بـ350 دولار؟".
وبخلاف ما يدعي التقرير، يؤكد محسن أنّ أحوال العسكريين الفلسطينيين في المخيّمات، أفضل من أحوال بعض اللبنانيين الذين يقبضون بالليرة اللبنانية، لأنهم (أي الفلسطينيين) يحصلون على رواتبهم بالدولار "الكاش"، بل حتى المدنيون تصلهم مساعدات من الخارج بالدولار الأمريكي أيضاً. وبالتالي فإنّ هذه المعلومات كاذبة، كما أنّ مصدرها وأهدافها معروفة ولا تحاكي الواقع الفلسطيني في لبنان.
أمّا الجانب الروسي، فيعتبر أنّ انتشار معلومات كاذبة من هذا النوع، يهدف إلى تشويه سمعة روسيا بين دول الشرق الأوسط، وإثارة التوترات بين شعوبها، خصوصاً بعد التقارب الذي أظهرته الكثير من الدول العربية مع روسيا، ووقوفها على الحياد منذ بداية الحرب.
تعتبر موسكو أيضاً، أنّ التقارير المشابهة تهدف إلى تصوير روسيا على أنّها تستخدم شباب المنطقة العربية في الحرب الأوكرانية، والتصوير أنّها تستميلهم بغية زجّهم على الجبهات، وهذا غير صحيح إطلاقاً، بينما القوات المسلحة الروسية أثبتت قدرتها على تحقيق النجاحات العسكرية في أوكرانيا، خصوصاً مؤخراً على طول خط المواجهة في أوكرانيا. كما أنّ عديد مقاتلي الجيش الروسي، جعل من الممكن تحقيق كل الأهداف المرسومة للحرب، من دون اللجوء إلى أي مساعدة أجنبية.
دوافع هذه الأخبار بحسب الأوساط الروسية، تنطلق من أنّ إسرائيل والولايات المتحدة تحاولان تكثيف هذه الاتهامات من أجل "إضعاف ثقة الدول العربية ودول الشرق الأوسط بروسيا، وتعطيل التعاون القائم بينهما"، وذلك عن طريقة أوكرانيا والحرب الدائرة فيها.
وبحسب موسكو، فإن كان هناك من تهم مشابهة "فلا بدّ أن تُوجّه إلى دول حلف شمالي الأطلسي" (بولندا، ألمانيا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية)، لأنّ البيانات والفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطفو بأخبار المقاتلين الأجانب الذين يدعمون أوكرانيا وليس العكس، ناهيك عن توريد أنظمة الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية، وتوفير المعلومات الاستخبارية، وإرسال التشكيلات العسكرية للمشاركة في القتال بمواجه الجيش الروسي، وهذا غير خافٍ عن أحد.