خبر

موسكو رداً على أنقرة: «ألطاي الكبرى» بدلاً من «القومية التركية»

كتب عماد الشدياق في "القدس العربي":

في إطار الردّ على محاولات اختراق النسيج الاجتماعي الروسي، واللعب على الوتر القومي بين الروس والأتراك، تولي موسكو اليوم، اهتماماً بالغاً بالدراسات التاريخية والأركيولوجية على أراضيها، فتحاول من خلال هذه الدراسات البحث عن أرضيات مشتركة بين العرقين السلافي والتركي، وذلك في ما يبدو رداً على محاولات أنقرة لاستمالة الأتراك الروس، وأولئك الأتراك الموجودون في دول آسيا الوسطى.

وضعت موسكو مسألة «توحيد السلاف والتُرك» هدفاً نصب عينيها، وبدأت برسم الآليات الخاصة لبلوغ هذا الهدف، من خلال بناء ما تعتبره «الوحدة التاريخية والثقافية للشعوب السلافية والتركية». هذه المهمة تتولاها اليوم منظمة الدراسات الألطية – التركية (REC) وذلك تحت مسمى «ألطاي الكبرى». 

هذا مشروع تعمل موسكو على تطويره منذ نحو ثلاثة أعوام في إطار عنوان أشمل هو: «العالم التركي في ألطاي الكبرى: وحدة وتنوع التاريخ والحداثة». وتسعى إلى استخدام الإمكانات العلمية لهذا المركز، من أجل تثبيت نظرية «حضارة ألطاي» بوصفها «مهد القومية التركية»، من أجل تثبيتها بديلاً عن «القومية التركية» التي تتبناها دولة تركيا بزعامة حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

تستند موسكو في ذلك إلى علم التاريخ والأركيولوجيا الموجودة في إقليم ألطاي الروسي، باعتباره «موطن أجداد الأتراك»، وبالتالي من أجل جعل روسيا الاتحادية «جهة ضامنة» لعملية الحفاظ على هوية وثقافة ولغة وتقاليد الشعوب التركية. وتعيش الشعوب ذات الخلفية الثقافية التركية في سيبيريا ضمن روسيا، مروراً بمنطقة وسط آسيا حتى أوروبا الشرقية. كما يوجد أكبر تجمع للدول والشعوب التركية في منطقة وسط آسيا، وتحديداً في كل من كازاخستان وقيرغيزستان وتركمنستان وأوزبكستان وأذربيجان، بالإضافة إلى تركيا. 

كما يوجدون أيضاً كأقليات ضمن أقاليم ودول أخرى، مثل: البلقان وشبة جزيرة القرم، وأفغانستان، وتركستان الشرقية في الصين، وشمال العراق وإيران، وفي دول أوروبا الشرقية، وكل هذه الشعوب تنقسم إلى 6 قبائل رئيسية. ومن خلال الدراسة العميقة لتاريخ وثقافة روسيا ودول آسيا الوسطى، تتطلّع موسكو إلى المركز الإقليمي لـ»ألطاي الكبرى» ليكون منصة وظيفتها تطوير أشكال مختلفة من التفاعل والتكامل بين تلك الشعوب، فتبحث عن القواسم المشتركة بين القيم والممارسات الروحية والأيديولوجية للشعوب السلافية وتلك التركية، كما تبحث في العادات والتقاليد والحرف، والقواسم المشتركة بين هذا الإقليم بالذات، وبقية دول القارة الأوراسية حيث تعيش هذه الشعوب. 

ويقوم المشروع على رسم آليات تعاون بين جامعات روسيا في إقليم «ألطاي الكبرى» ومعاهد وجامعات ضمن القارة الآسيوية مثل، قيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان، مع مشاركة علماء وخبراء من أذربيجان والمجر والصين ومنغوليا وطاجيكستان، إضافة إلى كل الدول المهتمة بالأبحاث والمؤتمرات والبعثات والبرامج التعليمية في التاريخ والحضارة والثقافة التركية. من خلال معهد REC، تتطلع موسكو إلى زيادة عدد الباحثين، من 15 باحثاً من روسيا وكازاخستان وأوزبكستان ومنغوليا والصين وقيرغيزستان، إلى أكثر من 100 خبير وباحث، يتبادلون الخبرات، ويطورون التكتيكات لمزيد من الأبحاث العلمية. 

وقد استطاع هذا الفريق حتى اليوم، من إعداد 15 منشوراً علمياً حول هذا الملف. ويعتبر القائمون على المشروع أنّ القيم والتقاليد الثقافية والتاريخية التي شكّلها الشعبان السلافي والتركي تمتدّ لآلاف السنوات، وهذا يؤكد أهمية الوحدة التاريخية والثقافية للشعوب السلافية والتركية، التي ستكون بمنزلة «أساس نظري» للعديد من الدراسات الحديثة في مجال التاريخ والثقافة وعلم الآثار وعلم الأعراق البشرية. فالنظر إلى الجذور يبني أسساً أكثر صلابة لصداقات قوية، ويحافظ على التقاليد والمشاريع المشتركة الجديدة في مختلف مجالات العلوم والحياة. 

وفي عام 2022، أرسل معهد REC ست بعثات إلى الخارج، 3 منها أثرية إلى كل من كازاخستان وجمهورية ألطاي، واثنتان «إثنوغرافية» إلى كل من قرغيزستان وجمهورية ألطاي، إضافة إلى شرق كازاخستان وقيرغيزستان، كما نفّذ المعهد دورات صيفية وأخرى خريفية في منطقة شاريش في إقليم ألطاي لعلماء تُرك شباب، شاركهم طلاب مؤسسات تعليمية في كازاخستان وقيرغيزستان، من أجل التنقيب عن آثار مثل مقابر ونقوش صخرية، تعود إلى أوائل العصر التركي، تُظهر استيطان المجموعة العرقية التركية في ذاك الإقليم.

اليوم، يقوم المعهد بالتعاون مع «جامعة ألطاي» بالتخطيط لتحويل هذه المواقع إلى معالم سياحية، لتصبح مركزاً لجذب السياح والمهتمين من دول آسيا الوسطى، ضمن رحلات استكشافية دولية. كما نفّذ خبراء في المعهد عمليات تصوير فوتوغرافي لهذه الآثار بتقنية الأبعاد الثلاثية، تمهيداً لجمعها ضمن «خريطة تفاعلية» وعرضها ضمن متحف افتراضي خاص يجري التحضير لإطلاقه، وستُنشر تلك الصور ضمن دراسة ستصدر باللغتين الروسية والإنكليزية في مجلد هو الأول من أصل 5 مجلدات مخصصة للتاريخ المبكر للأتراك، مطلع العام المقبل.