خبر

شركة عسكرية برتبة "حرس ثوري تركي"

ما إن انسحبت القوات الروسية من الأراضي الكازاخستانية منتصف شهر كانون الثاني/يناير الفائت، حتى وقف الضخّ الإعلامي فجأة وما عدنا نسمع خبراً واحداً حول هذا الملف. نشرات الأخبار اليومية خلت من أيّ خبر أو نبأ أو حتى إشارة تخصّ كازاخستان، ووكالات الأنباء العالمية انكفأت وأطفأت محركاتها، وذلك نتيجة التدخل الروسي القصير والقياسي، الذي حسم الأمور وأعاد تثبيت أقدام السلطات الكازاخستانية لناحية ضبط أعمال الشغب، ما اضطر الغرب على ما يبدو، إلى "إقفال الملف". 

في حينه، عزت السلطات الكازاخستانية أعمال العنف إلى "إرهابيين" و"قطّاع طرق"، وقالت إنّ من قام بهذه الأعمال "تدربوا في الخارج"، لكنّ الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي الذي دعا برلمانه ومنظماته غير الحكومية إلى فتح تحقيق دولي بالاحتجاجات، رفضت هذه الرواية واعتبرتها مجرّد "حجة" من أجل طلب مساعدة موسكو العسكرية من خلال "منظمة معاهدة الأمن الجماعي". 
وبالفعل، دخلت قوة عسكرية بقيادة موسكو ولم تشارك في الصدامات بين مثيري الشغب والقوات الكازاخستانية، لكنّ إرسالها دلّ على الدعم السياسي والعسكري الذي أظهرته موسكو لنور سلطان (عاصمة كازاخستان).

أمّا اليوم، وبرغم تلهي العالم كلّه بالملف الأوكراني، بدأت المعلومات تتواتر والتفاصيل تتكشّف عن حقيقة ما حدث حقيقة مطلع السنة في ذاك البلد المترامي الأطراف "المنسي" في قلب آسيا.

تكشف مصادر دبلوماسية أنّ جزءاً كبيراً من المجموعات المشاركة في أعمال الشغب خلال احتجاجات كازاخستان، تمّ تدريب أعضائها وإرسالهم من تركيا إلى كازاخستان عبر الحدود على يد مؤسسة تركية متخصصة بالإستشارات العسكرية والدفاعية تدعى "صادات". 

من هي "صادات"؟
تأسست شركة "صادات" للاستشارات الدفاعية، في عام 2012 على يد العميد السابق عدنان تانريفيردي، وهو ضابط مدفعية والرئيس السابق لقيادة الجبهة الداخلية في شمال قبرص. طُرد من الجيش التركي قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بسبب "معتقداته الإسلامية" في عام 1997. 
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 15 تموز 2016، عيّن الأخير، عدنان تانريفيردي مستشارًا عسكرياً للحكومة، وقد أثارت العلاقة "المتينة" بين الشخصين الشكوك داخل تركيا وخارجها... إلى أن وصلت إلى حدود الاعتقاد بأنّ "صادات" وعناصرها هي بمثاية "ميليشيا خفيّة لـ"حزب العدالة والتنمية".

وبحسب المركز الأميركي  American Enterprise Institute للأبحاث، فإنّ عناصر "صادات" كانوا نشطين خلال الانقلاب الفاشل، وقد شاركوا بقوة في جهود مكافحة الانقلاب، حيث تناقل أتراك مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وصور إلتقطها مواطنون أتراك، تظهر عدداً منهم هؤلاء العناصر يتصدّون للإنقلابيين على جسر البوسفور في اسطنبول. 

المركز الأميركي يعتبر أنّ الشركة هي بمثاية "أداة أنقرة في بناء القوة والنفوذ" وتتمثل مهامها، بحسبما يظهر على الموقع الخاص بها، في "إقامة التعاون الدفاعي والصناعة دفاعية بين الدول الإسلامية لمساعدة العالم الإسلامي على أخذ المكان الذي يستحقه بين القوى العظمى من خلال تقديم خدمات الاستشارات والتدريب". 

وبحسب الموقع أيضاً، فإنّ "صادات" كانت منخرطة بشكل كبير في "تدريب تركيا للمتمردين العرب السنة السوريين للقتال ضد نظام بشار الأسد في سوريا"، كما كشف أنها "أنشأت عدداً من المراكز في منطقة مرمرة لهذا الغرض في بداية الحرب السورية".

أمّا صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، فذكرت قبل 4 سنوات، أنّ مركز "صادات" كان يقوم بتدريب عناصر إسلامية في سوريا وأماكن أخرى من دول الشرق الأوسط، تشمل مواقع في الصومال وفي قطر، كما اتّهم أنقرة بـ"إنشاء مراكز تدريب عسكرية وتنظيم شراكات مع الحكومات المضيفة".

"صادات"... الجيش أردوغان السرّي؟
وبحسب المصادر أيضاً، فإنّ هذه المؤسسة هي "الجيش السريّ" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقد قامت بـ"تشكيل مكاتب على أراضي أوكرانيا ودول أوروبية أخرى، من أجل استقطاب المهاجرين والمعارضين الهاربين من بلدان آسيا الوسطى"، وذلك من أجل توظيف هؤلاء في مشاريع "الحروب الجديدة"، وذلك "مثلهم مثل تنظيمات أخرى يجري استخدامها في مشاريع سياسية كتنظيم القاعدة والنصرة وداعش وأحرار الشرقية". 

وكذلك تكشف المصادر أنّ أعمال العنف التي وقعت في العاصمة الاقتصادية لكازاخستان ألماتي، "حصلت بمشاركة زعيم العصابات الكازاخستاني الشهير أرمان تزوماغلدييف"، الملقّب بـ"أرمان المتوحش" الذي عاد من تركيا إلى بلاده قبل أيام من الاحتجاجات، فترجح المصادر أن يكون أرمان قد "عاد بمساعدة شركة صادات" ومن أجل ما تعتبره عملاً مبرمجاً من أجل "تنفيذ مخططات أنقرة التخريبية". 

أمّا صحيفة "نيويورك تايمز"، فهي أيضاً أشارت بعيد إنطلاق الاحتجاجات بأيام قليلة إلى مشاركة "أرمان المتوحّشة" في أعمال الشغب، وكذلك في تعبئة المتظاهرين من أجل حرق السيارات والمباني الحكومية. في حينه اعتبرت الصحيفة الأميركية الشهيرة، أنّ الأسباب الكامنة خلف الاحتجاجات "ما زالت غامضة"، لكنّها وضعت السخط الشعبي في خانة "الصراعات على السلطة".

المصادر تعزو تدخل تركيا في احتجاجات كازاخستان وإشعال النيران فيها يعود إلى رغبة أنقرة في "إبعاد قيادة البلاد الحالية عن الساحة السياسية"، وذلك لأنّ هذه القيادة "لم تبدِ استعدادها للاستسلام إلى طموحات الرئيس التركي" ورفضت "تقييد سيادتها"، وذلك في الإشارة إلى مشروع "القومية التركية" الآخذ في التشكّل والنمو أكثر فأكثر، وخصوصاً بعد تحويل "المجلس التركي" للدول الناطقة باللغة التركية، إلى "منظمة الدول التركية" خلال شهر تشرين الثاني الفائت، والتي تضم إلى جانب تركيا، كلاً من أذربيجان، وشمال قبرص، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وتركمانستان. 

هذه المنظمة تثير المخاوف والقلق في بقية دول آسيا الوسطى، التي تعتقدون أنها تغذي "المشاعر القومية التركية" وكذلك "الطموحات الإسلامية"، وقد تستغلها أنقرة في "تحقيق أهدافها الجيوسياسية الإضرار بمصالح وسيادة دول المنطقة".