وبحسب التقرير الذي كتبه إيشان ثارور، فإنه "لو كانت أفغانستان نموذج مقبرة الإمبراطوريات، فإن ليبيا أصبحت البوتقة للدول التي تحاول أن تكون قوى إقليمية". ويشير إلى أنّ "الحرب الأهلية المستعصية التي قسمت الدولة الغنية بالنفط في شمال أفريقيا هي في الحقيقة لعبة شطرنج متعددة الأطراف بين قوى خارجية، تتراوح من تركيا مصر والإمارات العربية المتحدة إلى فرنسا وروسيا".
ويضيف الكاتب: "على الأرض يشارك في المعركة آلاف من المرتزقة السوريين والسودانيين والمتعهدين الأمنين الروس، وفي الجو نشرت القوى عدداً متزايداً من الطائرات من دون طيار ومقاتلات حربية وصواريخ".
"المنتصر الأكبر"
وأصبحت الحكومة التي تدعمها تركيا تسيطر على غرب ليبيا، وتأمل بأن تستعيد السيطرة على الهلال النفطي، المنطقة الإستراتيجية في البلاد، "ولو استطاعت القيام بهذا، فستوطد سيطرتها بشكل ستجني فيه تركيا الثمار الجيوسياسية"، بحسب ما جاء في المقال.
ويستشهد الكاتب بتصريحات لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة أنقرة أوزلم كيغوسوز، لـ "فايننشال تايمز"، قال فيها: "يعتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومن حوله أنهم يعيدون موقع تركيا في عين حلفائها الغربيين، ويعتقدون أنه كلما لعبت تركيا دوراً حازماً أصبحت مهمة، ومن الصعب على الدول تجاهل مصالحها في المنطقة".
"معلقة في الهواء"!
ويتابع: "في الوقت الذي شعر فيه حلفاء حفتر بالإحباط من عمليته الفاشلة في طرابلس، يبدو الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي راغباً بدخول المعمعة ضد حلفاء تركيا".
ويرى الكاتب أن هناك بعداً شخصياً وأيديولوجياً خلف ذلك، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالما شجب الرئيس السيسي منذ انقلابه ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013.
وينقل عن الباحث التركي في معهد واشنطن سونير تشاغابتاي: "هما عدوّان لبعضهما البعض: جنرال علماني سجن الإسلاميين السياسيين، وإسلامي سياسي سجن جنرالات علمانيين".
ليست وحدها!
وبحسب المقال، فإنّ تركيا ليست وحدها التي تبحث عن موطئ قدم لها في ليبيا كبطاقة لطموحات أوسع، فالكرملين مرتبط بشركة تعهدات أمنية اسمها واغنر، التي نشرت مئات من المرتزقة الروس للقتال نيابة عن حفتر، وأقامت روسيا أثناء الحرب الباردة علاقة قوية مع ليبيا، وتقوم الآن بطريقة انتهازية بوضع نفسها كبلد رئيسي في النقاشات حول مستقبل البلد.
ونقلت الصحيفة في تقرير سابق عن الأدميرال هايدي بيرغ رئيسة الأمن بالقيادة المركزية لأفريقيا: "في الماضي، كان للقوى الوكيلة مقعد على طاولة المفاوضات، وكان لها تأثير فوق ما تستحقه على النتيجة، ولكنها اليوم أصبحت المحاور الرئيسي تقريبا".
وتابع: "أظهر هذا ما تريده روسيا: المكانة الدولية، والقدرة لفرض ثمن على المجتمع الدولي، وأن تكون الدولة التي تقرر على طاولة المفاوضات".
وفي نهاية الأسبوع، أصدرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي غويسبي كونتي بيانا مشتركا، دعا الأطراف الخارجية للتوقف عن التدخل في شؤون ليبيا، واحترام قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف تصدير السلاح إلى ليبيا، إلا أن البيان يبدو مفرغا من محتواه في ظل التدخل الفرنسي، حيث تقوم بلعبة تكسير رؤوس مع زميلة أخرى لها في حلف الناتو.
ماكرون "يخدم نفسه"؟!
ويتهم المحللون حكومة ماكرون بمحاولة دعم حفتر من أجل المنافسة على التأثير في ليبيا.
وكتب المعلق بوبي غوش بموقع "بلومبيرغ" مقالا الشهر الماضي، قال فيه إن "ماكرون الذي يحاول خدمة نفسه لن يجد صعوبة في رؤية أن تبجحه الكلامي ضد تركيا ما هو إلا محاولة لحرف النظر عن جريمة فرنسا".
وتابع: "لديه معارك أخرى مع أنقرة، بما فيها التنافس على حقوق الطاقة في شرق المتوسط. ورؤية متسامحة مع ماكرون تفيد بأنه يحمل فنتازيا حول التأثير الفرنسي في جنوب المتوسط".
وفي الوقت الذي حذرت فيه الأمم المتحدة من المخاطر على 125 ألف مدني حالة، قررت قوات الوفاق الدفع ضد حفتر، فيما اتخذت أميركا من الجلوس في المقعد الخلفي مكاناً لها. وقال مسؤول أميركي: "أولاً وأخيراً، هذه هي مشكلة أوروبية".