هل تساهم الجينات في تعزيز إمكانية الإصابة بفيروس كورونا؟

هل تساهم الجينات في تعزيز إمكانية الإصابة بفيروس كورونا؟
هل تساهم الجينات في تعزيز إمكانية الإصابة بفيروس كورونا؟

د. عمر البغا في نافذة العرب:

في ظل تسجيل أكثر من مليون وثلاثمئة ألف حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا (كوفيد-19)، فقد انتشر الفيروس الآن في كل ركن من أركان العالم تقريبًا. ويحدث هذا المرض المعدي بسبب سلالة جديدة من الفيروسات التاجية المعروفة باسم سارس- CoV-2، التي تؤثر على الجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى حدوث متلازمة الجهاز التنفسي الحادة (السارس). وتشتمل قائمة الأعراض الشائعة لهذا المرض على السعال الجاف، والتهاب الحلق، والحمى، وصعوبة التنفس. وتختلف الأعراض من شخص لآخر، حيث لا يُظهِر البعض أي علامات للعدوى أو تُلاحظ لديهم علامات بسيطة جدًا، في حين يحتاج البعض الآخر إلى تلقي الرعاية الطبية. ووفقًا للبيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، تكون 80٪ من حالات الإصابة بالفيروس خفيفة، ويحتاج 15٪ من المرضى لتلقي الرعاية الطبية في المستشفيات، بينما يحتاج 5٪ منهم إلى رعاية مكثفة.

وتشير البيانات الواردة من الصين وأوروبا إلى أن أشد حالات الإصابة بالفيروس قد سُجِلت بين المرضى الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر، بالإضافة إلى الأفراد الذين يعانون من حالات طبية مزمنة تقلل من قدرتهم على مكافحة الفيروس. وتشتمل هذه الحالات على داء السكري، بالإضافة إلى مشاكل القلب والرئة والكلى. ومع ذلك، تشير تقارير حديثة إلى وقوع عدد متزايد من الحالات الحرجة بين المرضى الأصغر سنًا والأصحاء نسبيًا.

ولم تُعرف بعد الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص يتعرضون لشكل أكثر حدة من الإصابة بالفيروس، بينما يعاني البعض الآخر من أعراض قليلة أو معدومة. وقد تكمن إحدى الإجابات في جيناتنا، إذ ربما يتمتع الأفراد الذين لديهم تنوعات جينية محددة في حمضهم النووي بحماية أفضل، بينما يتعرض الأشخاص الآخرون لآثار أكثر ضراوة. وفي الواقع، حدد العلماء العديد من التنوعات الجينية المرتبطة بدرجة خطورة العديد من أنواع العدوى الفيروسية، مثل الأنفلونزا، والإيدز، وتفشي مرض السارس، الذي ظهر في الصين خلال عام 2002.

ومن الجدير بالذكر أن الفيروسات ليست كائنات حية، ولكنها تتكون بالأحرى من كمية صغيرة من المواد الوراثية (الحمض النووي الصبغي أو الحمض النووي الريبوزي) تكون محمية بطبقة من البروتين. ويجب أن تخترق الفيروسات الخلايا الحية لتتكاثر وتسبب العدوى للكائن الحي المضيف. وتتميز الفيروسات أيضًا بانتقائيتها، حيث أنها عادةً ما تستهدف أنواعًا معينة من الخلايا. وتعتمد هذه الانتقائية بدورها على طبقة البروتين التي تغلف الفيروسات، والتي تعمل أيضًا كمفتاح لفتح مستقبلات معينة موجودة في الخلايا المضيفة. وبمجرد دخول الفيروس إلى الكائن الحي المضيف، فإنه يختطف آليات الخلية الطبيعية ويستخدمها لصنع آلاف النسخ منها، وهو ما يؤدي إلى موت الخلية. وتهاجم الفيروسات حديثة التكون خلايا أكثر صحة وتستمر الدورة. ويتحدد مدى الضرر الناتج بناءً على درجة كفاءة أجهزتنا المناعية في مكافحة الفيروس والتخلص منه.

ويستهدف فيروس السارس- CoV-2 الخلايا الموجودة في رئتينا على وجه التحديد، وتأتي هذه الانتقائية من المسامير البروتينية الموجودة على سطحه التي تتعرف على مستقبلات معينة (تعرف باسم ACE2) موجودة في خلايا الرئتين. وتُعدُ الاختلافات الجينية الموجودة في حمضنا النووي من الطرق التي تساهم بها جيناتنا في تفاوت معدلات شدة الإصابة بالمرض. فعلى سبيل المثال، يُمكن أن تسبب الاختلافات الجينية تغييرات في مستقبلات ACE2، وهو ما يصعب اختراق الفيروس للخلايا، مما يؤدي إلى حدوث مرض خفيف. ومع ذلك، إذا كانت التغييرات في مستقبلات ACE2 تسمح للمزيد من الفيروسات بالدخول إلى خلايا الرئة، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث أعراض أكثر حدة.

وهناك طريقة أخرى يُمكن لجيناتنا عبرها تحديد درجة خطورة فيروس كورونا، وهي التحكم في كيفية مكافحة جهازنا المناعي للفيروس. وترتبط العديد من الجينات بالاستجابة المناعية للعدوى. ويُمكن للاختلافات في هذه الجينات أن تعزز أو تقلل من قدرتنا على مكافحة الفيروسات. ومن بين الأمثلة على هذه الجينات مُركب جين مستضد الكريات البيضاء البشرية (HLA)، المسؤول عن تنظيم عمل جهازنا المناعي.

ونظرًا لأن وباء كورونا قد حدث نتيجة لانتشار إحدى الفيروسات المستجدة، هناك حاجة ماسة لإجراء دراسات علمية للتعرف على الاختلافات الجينية الدقيقة التي تحدد النتائج السريرية. ويجب إجراء هذه الدراسات على عدد مناسب من المرضى للسماح بالتوصل إلى نتائج شاملة، حيث أن البيانات الأولية تستند إلى عدد صغير من المرضى، وتتطلب تأكيدًا إضافيًا. بالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن الاختلافات الجينية تتباين من مجتمع إلى آخر. فعلى سبيل المثال، قد لا تنطبق نتائج الدراسات التي أُجريت في شرق آسيا على سكان أوروبا أو الشرق الأوسط. وبناءً على ذلك، هناك حاجة لإجراء دراسات بين جميع المجموعات العرقية للسكان. وتلبية لهذه الحاجة، تجري دراسة تعاونية في قطر تضم باحثين من جامعة حمد بن خليفة وجامعة قطر باستخدام البنية التحتية والبيانات الجينومية التي يوفرها مشروع قطر للجينوم.

ويُمكن أن يكون لتحديد الاختلافات الجينية المرتبطة بمدى خطورة الإصابة بفيروس كورونا تطبيقات سريرية مهمة، حيث يُمكن استخدامها للتعرف على الأشخاص الذين قد يتمتعون بحماية من الفيروس أو يُتوقع إصابتهم بمرض خفيف، والأفراد المعرضين لخطر الإصابة بأعراض خطيرة. ويُمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى تحسين كفاءة مرافق الرعاية الصحية بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، يُمكن أن تساهم هذه النتائج في تيسير سبل اكتشاف طرق علاجية من خلال تعزيز فهمنا لكيفية إصابة هذا الفيروس لخلايانا وتحديد أهداف لإنتاج أدوية جديدة.

* يشغل الدكتور عمر البغا منصب أستاذ علم الجينوم والطب الدقيق بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بذور اليقطين.. 10 طرق صحية لإضافتها إلى وجباتك