كان يسود اعتقاد في البداية أن فيروس كورونا (كوفيد-19) يؤثر بشكل أساسي على الرئتين، ولكن تبين حالياً أنه يصيب معظم أعضاء الجسم. بل وتظهر أحدث البيانات أن بعضاً من أقوى أضرار فيروس كورونا المُستجد تصيب القلب، وفقا لما جاء في مقال الباحث وطبيب القلب الشهير الدكتور حيدر واريش، الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" New York Times.
يقول الدكتور واريش، وهو أيضًا مؤلف كتاب "حالة القلب: استكشاف تاريخ أمراض القلب وعلومها ومستقبلها"، إن لاعب البيبسبول في فريق "بوسطن ريد سوكس" الأميركي، إدواردو رودريغيز، تعرض لعدوى فيروس كورونا في يوليو، وقال اللاعب الشاب البالغ من العمر 27 عامًا، وقتئذ للصحفيين إنه "يشعر وكأنه بعمر 100 عام"، مضيفًا أنه لم يشعر بالمرض في حياته من قبل، وإنه لا يريد أن يصاب بهذا المرض مرة أخرى.
ويضيف أن رودريغيز تعافى من أعراض مرض كوفيد-19، لكن بعد بضعة أسابيع شعر بالتعب الشديد بعد أن رمي حوالي 20 رمية أثناء التدريب، مما دفع مسؤولو فريقه إلى طلب توقفه عن اللعب والحصول على بعض الراحة.
ثم كشفت المزيد من الفحوصات بعدئذ أنه كان يعاني من حالة، ما زال الكثيرون يسعون إلى فهمها، وهي: التهاب عضلة القلب المرتبط بمرض كوفيد-19، والتي ستضطر اللاعب رودريغيز إلى التوقف عن ممارسة رياضة البيسبول هذا الموسم.
إن التهاب عضلة القلب، ربما لا يتسبب في إزعاج لبعض المرضى به على الأطلاق، في حين تكون له آثار وعواقب خطيرة على البعض الآخر. ولا يعد اللاعب رودريغيز هو الرياضي الوحيد الذي يعاني من هذه الحالة، ولكن ربما أصيب العديد من اللاعبين الرياضيين في الجامعات بالتهاب عضلة القلب بسبب مرض كوفيد-19، مما يعرض المنافسات الرياضية ككل للخطر.
ويستطرد الدكتور واريش قائلًا إنه يتولى علاج أحد مرضى كوفيد-19، في أوائل الخمسينيات من عمره، والذي كان في حالة صحية ممتازة وليس له تاريخ بأي مرض خطير. عندما بدأت الحمى وآلام الجسم، قام المريض بالالتزام بالحجر الصحي الطوعي، ولكن بدلاً من أن يتحسن ويتعافى، تدهورت حالته وتراكمت جالونات من السوائل في ساقيه. وعندما تم نقله إلى المستشفى كان غير قادر على التقاط أنفاسه، ولم تكن حالة الرئتين هي سبب التدهور وإنما القلب. يتم حاليًا تقييم حالة المريض لمعرفة ما إذا كان بحاجة إلى عملية زرع قلب.
تقدم دراسة جديدة مثيرة للاهتمام من ألمانيا لمحة عن كيفية تأثير سارس-كوف-2 على القلب، درس الباحثون في إطارها 100 حالة فقط من المتعافين من كوفيد-19 بمتوسط عمر 49 فقط. ولاحظ الباحثون أن معظم الحالات لم تكن تعاني من أعراض كوفيد-19 أو لديهم أعراض خفيفة.
ويقول الدكتور واريش إنه تم إجراء فحص الحالات بالرنين المغناطيسي MRI بعد شهرين في المتوسط من التشخيص بأنهم مصابون بعدوى فيروس كورونا، مشيرًا إلى أن نتائج الفحص بـMRI للقلب، أظهرت أن ما يقرب من 80% يعانون من تشوهات مستمرة و60% لديهم علامات على التهاب عضلة القلب. ولم يتم تحديد درجة حدة التهاب عضلة القلب خلال المراحل الأولي.
ويردف الدكتور واريش قائلًا إنه على الرغم من أن الدراسة بها بعض أوجه القصور، وأنه ليس من الواضح ما إذا كان هناك أهمية وقابلية لتعميم نتائجها بشكل حاسم، إلا أنها تلفت الانتباه إلى أنه في حالة المرضى صغار السن، الذين يبدو أنهم تعافوا من كوفيد-19، من الشائع جدًا أن يتأثر القلب، وربما تكون هذه الملاحظات هي مجرد رصد لبداية الضرر.
يواصل الباحثون محاولاتهم لاكتشاف كيف يتسبب فيروس سارس-كوف-2 في الإصابة بالتهاب عضلة القلب، سواء كان ذلك من خلال الفيروس، الذي يؤذي القلب بشكل مباشر، أو ما إذا كان نتيجة لرد الفعل المناعي الضار، الذي يحفزه الإصابة بالعدوى الفيروسية.
ويرى الدكتور واريش أنه من المحتمل أن يكون بشكل جزئي استخدام عقاقير المثبطة للمناعة، مثل ديكساميثازون المُستخدم في بعض بروتوكولات علاج مرضى كوفيد -19، سببًا في منع تلف القلب الالتهابي.
تُستخدم هذه الهرمونات المنشطة بشكل شائع لعلاج حالات التهاب عضلة القلب. وعلى الرغم من تلقي هذا العلاج، فمن الممكن أن تؤدي الأشكال الأكثر حدة من التهاب عضلة القلب المرتبط بمرض كوفيد-19 إلى تلف دائم في القلب، والذي بدوره يمكن أن يؤدي إلى قصور القلب.
ويرجح الدكتور واريش أن التهاب عضلة القلب ليس هو السبب الوحيد الذي يمكن أن يؤدي فيه مرض كوفيد-19 إلى وفاة المزيد من الأشخاص بسبب أمراض القلب. ويوضح أنه عندما قام بتحليل البيانات من المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC، توصل إلى أنه منذ فبراير، زادت أعداد المتوفين بسبب أمراض القلب بما يقرب من 25000 أميركي مقارنًة بالفترة نفسها في السنوات السابقة. ويمكن إرجاع بعض هذه الوفيات إلى كوفيد-19، لكن من المُحتمل أن تكون الغالبية بسبب تأخر المرضى في طلب الحصول على رعاية طبية لقلوبهم. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى موجة من أمراض القلب، التي لا يتم علاجها، في أعقاب مرحلة الوباء.
ويتخوف العديد من المرضى من الذهاب إلى العيادات أو المستشفيات لأسباب مفهومة. ولهذا السبب، بدأت جمعية القلب الأميركية حملة بعنوان "لا تمُت من الشك" لمعالجة الانخفاض المقلق في عدد الأشخاص الذين يتصلون برقم الإسعاف أو الذين يسعون للحصول على رعاية طبية بانتظام بعد الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية.
منذ بداية الوباء، كان من الواضح أن الأشخاص المصابين بأمراض القلب أو الحالات ذات الصلة مثل مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بمرض كوفيد -19 الحاد. ويوصي مركز CDC بأن يلتزم ملايين المصابين بأمراض القلب باتباع احتياطات إضافية لتجنب الإصابة بالعدوى. ويجب أن تعمل المستشفيات والعيادات لساعات إضافية يتم خلالها التأكد من خلوها من أي مصادر للعدوى وأنها آمنة للمرضى. كما يجب تعزيز خدمات التطبيب عن بعد بحيث يمكن رعاية المرضى دون الحاجة إلى مغادرة منازلهم.
لم يعد يجب على الأطباء والباحثين التفكير في أن كوفيد-19 هو مرض يصيب الرئتين فحسب، ولكن يمكن أيضًا أن يؤثر على أي جزء من الجسم، وخاصة القلب. إن الطريقة الوحيدة لمنع المزيد من الناس أن يموتوا بسبب أمراض القلب، سواء كانت من الأضرار الناجمة عن مرض كوفيد-19 أو التقاعس عن الحصول على الرعاية الطبية اللازمة لأمراض القلب، هو مكافحة الوباء.
أخبار متعلقة :