عن موازنة لم ترضِ أحدًا...

عن موازنة لم ترضِ أحدًا...
عن موازنة لم ترضِ أحدًا...
إنتهت جلجلة الموازنة بعد درب طويل ومتعرّج، كانت فيه طلعات ونزلات، بتعليق الناس على صليب المعاناة، التي يبدو أنها لن تنتهي قريبًا، وإن كان في كلام المسؤولين بعض من "طمأنينة"، عندما تحدّثوا عن أن الإجراءات "الموجعة"، والتي لا بدّ منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لن تكون سوى لمرحلة مؤقتة، على أن يأتي الفرج بعد ذلك، من خلال مشاريع "سيدر"، التي يؤمل أن تحرّك المياه الراكدة في قعر الأزمة المالية والإقتصادية، التي تمرّ بها البلاد في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة، ولكنها لا تدعو إلى اليأس والقنوط، وفق ما يحاول هؤلاء المسؤولون "التبشير" أو الإيحاء به، لتبرير ما سُيتخذ من تدابير غير شعبية، والتي ستقابلها، على الأرجح، تحركات في الشارع، من قبل الذين يعتبرون أنفسهم متضرّرين من هذه الإجراءات، التي يصفونها بأنها مجحفة وغير عادلة، بعدما أستهدفت الموازنة جيوب الطبقات غير المقتدرة لتغطية ما فيها من عجز، من دون أن تلامس ما فيها من إجراءات الخطوط الحمر لمكامن الهدر والفساد، ومن دون تمكّن الحكومة من تحصيل ما عليها تحصيله من خلال ضبط عمليات التهرّب الضريبي ودوزنة مداخيل الجمارك وإقفال المعابر غير الشرعية والتشدّد في تحصيل الأموال العائدة من الأملاك البحرية ووضع حدّ لسياسة "طمر الرؤوس في الرمال.

فعلى وقع الإضرابات المتوقعة في أكثر من قطاع حيوي فإن الموازنة، التي سلكت درب ساحة النجمة، ستكون خاضعة للتشريح وإعادة النظر في كثير من بنودها، وبالأخص تلك التي تطاول بمفاعيلها الطبقة العاملة، والتي تعتبر أنها تقف على خط الفقر، بإعتبار أن النواب الذين سيناقشونها، بندًا بندًا، يفترض أن يكونوا تحت قبة البرلمان، صوت الناس، الذين أوكلوهم أمرهم يوم أنتخبوهم بموجب وكالة تخوّلهم الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، مع ما يعني ذلك أن ليس عليهم تحمّل أعباء هم غير مسؤولين عن نتائجها ولا عن مسسباتها، وهم الذين لا يثقون في الاساس بالطبقة السياسية الحاكمة، التي أوصلت ممارساتهم الخاطئة البلاد إلى ما وصلت إليه من حالة هريان، بفعل غضّ النظرعن عمليات فساد كانت تجري على "عينك يا تاجر"، وعلى مرأى ومسمع منهم.

قد يكون ما تمّ التوصل إليه من تخفيض للعجز إلى 7.5 أمرًا جيدًا لو لم تأتِ هذه التخفيضات على حساب المواطن، الذي لا حول له ولا قوة سوى النزول إلى الشارع، فضلًا عمّا يشكله هذا الأمر من إدانة صريحة لهذه الطبقة السياسية، التي سكتت طوال سنين عن عجز كان من الممكن تلافيه تدريجيًا قبل الوصول إلى حائط "سيدر"، الذي لولاه لما تحرّك المسؤولون ولما كان هذا التخفيض.

وعليه، فإنه في الإمكان القول أن لا أحد راضٍ عن هذه الموازنة، لا السلطة ولا الشعب. فبعض من أطراف هذه السلطة يعتبرون أن ما تحقّق لا يُعتبر إصلاحًا، وهم بالتالي سيجدون أنفسهم منحازين إلى الناس، الذين لولاهم لا سلطة لهم ولا من يحزنون، وسيعمدون إلى "إستعمال الشارع" للضغط من خلال لجنة المال والموازنة لتمرير ما لم يستطعوا تمريره في مجلس الوزراء، مع العلم أن مجلس الوزراء بصيغته الراهنة هو صورة مصغرّة عن مجلس النواب، إذ أن معظم المكونات السياسية ممثلة على طاولة السلطة التنفيذية، وهذا ما يُعتبر بمثابة إنفصام في الشخصية السياسية للقوى التي تستعد لعرض عضلاتها في ساحة النجمة.

وعلى رغم ما يراه البعض في الإنتهاء من درس الموازنة إنجازًا مهمًّا، قياسًا إلى موازنة الـ2018 ، ومقدمة لوضع موازنة للعام 2020 تكون هادفة في المعايير والأرقام والتطلعات، يبقى سؤال اساسي لم يتطرق إليه أحد حتى الآن، وهو برسم لجنة المال والموازنة، وخلاصته تقوم على أساس علمي وليس على أساس سياسي، ويتعلق بقطع الحساب عن الموازنات السابقة وعن الموازنة الحالية، وهل يمكن أن "تقطع" هذه المرّة من دون هذا القطع، الذي يُعتبر من ضرورات إكتمال حلقة فقدان عامل الثقة بين المواطن ودولته.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى