أكد رئيس الجمهورية ميشال عون “أن الفرنكوفونية متجذّرة في لبنان منذ قرون، ولا تزال راسخة في حاضرنا اليوم، وستستمر في مستقبل واعد”، لافتاً الى ان لبنان سيشهد في العام 2020 افتتاح مكتب للمنظّمة الدوليّة للفرنكوفونية لمنطقة الشرق الأوسط. وأضاف: “وحده تقبّل الآخر باختلافه وتشابهه، يتيح التعايش. وهل هناك أفضل من لبنان، بمجتمعه التعددي، ليكون منصة لتعلّم العيش المشترك؟”
كلام عون جاء خلال حفل استقبال اقامه ظهر اليوم في قصر بعبدا لمناسبة اليوم العالمي للفرنكوفونية، لسفراء دول المنظمة الدولية الفرانكونيين المقيمين في لبنان.
وفي مستهل الحفل القى السفير الارميني لدى لبنان فاهاكن أتابكيان، كلمة اعرب فيها عن تقديره لتوجيه كلمة الى الرئيس عون في هذه المناسبة، كممثل عن الجمهورية الارمينية التي تترأس حالياً منظمة الفرنكوفونية، وقال، ”تفتخر ارمينيا بانتمائها الى الفرنكوفونية، هذه المساحة الواسعة للتعاون والحوار والتبادل، التي تجمع – من خلال احترام التنوع ومقاربة تضامنية- الدول الاعضاء حول قيم السلام والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. نحن ملتزمون جميعاً بطبيعة هذه الروابط التي تحدد تماماً معنى “العيش معاً في الفرنكوفونية”، وتضيف غنى عبر المحافظة على فرصة في هذه المساحة الفرنكوفونية. هذا هو معنى الموضوعية الذي طرحته ارمينيا، والذي على اساسه تم اعداد جدول اعمال القمة السابعة عشرة للفرنكوفونية في يريفان في شهر تشرين الاول الفائت: “العيش معاً، متضامنين، بمشاركة للقيم الانسانية واحترام التنوع: مصدر سلام وازدهار للمساحة الفرنكوفونية”.
هذه الاضاءة الارمينية على “العيش معاً” في قلب الفرنكوفونية، تتناسب تماماً مع طابع المجتمع اللبناني التعددي والمتعدد الوظائف، والذي يشكل بذاته “عالماً مصغراً”، وغالباً ما يضرب به المثل لناحية العيش معاً.
وقد سبق ان قلتم، فخامة الرئيس، خلال كلمتكم امام القمة الفرنكوفونية في ارمينيا، ان لبنان بفضل ”تعددية مجتمعه حيث يتعايش المسيحيون والمسلمون ويتشاركون السلطة والادارة، والخبرة التي اكتسبها من خلال اللبنانيين المنتشرين في العالم، وتوالي الحضارات والثقافات التي مرّت على ارضه عبر القرون، يشكّل نموذجاً فريداً، وقادر على انشاء اكاديمية دولية تتولى نشر مثل هذه القيم”. وهذا ما يبرز الطموح في ان تلقى هذه المبادرة تأييد الجميع.
ثم ألقى عون كلمة قال فيها، “يسرّني أن أستضيفكم في اليوم العالميّ للفرنكوفونية الذي يصادف في العشرين من شهر آذار، وهو تاريخ مميز كونه يأتي بين اليوم المخصّص لحماية حقوق المرأة واليوم الذي نحتفل به في عيد الأمّهات في لبنان. وليس أفضل من هذه المصادفة للغةٍ هي اللغة الأم للبعض، والحامية للحقوق بالنسبة الى الجميع.
إن الفرنكوفونية متجذّرة في لبنان منذ قرون، وهي لا تزال راسخة في حاضرنا اليوم، وستستمر في مستقبل واعد. وأودّ في هذا السياق أن أحيي أمرين بالغي الأهمّيّة:
أوّلاً: الميثاق اللغويّ القائم مع المنظّمة الدوليّة للفرنكوفونية والذي سيتمّ تجديده في وقت قريب. وهو يشكّل موضع اهتمام مجمل القطاعات من اداريّة وتربويّة وثقافيّة واقتصاديّة.
ثانيًا: افتتاح مكتب للمنظّمة الدوليّة للفرنكوفونية لمنطقة الشرق الأوسط في لبنان في العام 2020. وسيشكّل هذا المكتب منصّة رائدة لنشر وهج الفرنكوفونية في دول المنطقة كافّة.
وفي ظلّ تبنّي الأكاديميّة الفرنسيّة منح المِهن تسمية مؤنّثة إلى جانب التسمية المذكّرة الموجودة أصلاً، لا بدّ من الإشادة بهذه الخطوة البارزة التي تثبت أنّ هذه اللغة إنّما هي حيّة وتواكب تطوّر المجتمع.
إن كل لغة بالنسبة إلي، هي إنسان جديد داخل الإنسان، وكلما زادت اللغات التي يتقنها المرء كلما اغتنى إنسانياً. ويتأكد لنا كل يوم أن اللغة هي همزة وصل مثالية بين الثقافات والهويات المختلفة.
إنّ الإنسان هو عدوّ ما ومَن يجهل. ووحده تقبّل الآخر باختلافه وتشابهه، يتيح التعايش. وهل هناك أفضل من لبنان، بمجتمعه التعددي، ليكون منصة لتعلّم العيش المشترك؟ لهذا السبب بالتحديد، تقدّمتُ إلى هيئة الأمم المتّحدة بترشيح لبنان ليكون المقرّ الرسميّ لـ”أكاديميّة الإنسان للتلاقي والحوار”، وأتمنّى دعم المؤسّسات الفرنكوفونية ومشاركتها من أجل إنجاح ثقافة السلام في العالم.
سنحتفل عمّا قريب بمئويّة إعلان لبنان الكبير. إعلانٌ منح لبنان الحاليّ حدوده الراهنة ونادى به الجنرال هنري غورو من أعلى درجات مقرّه في قصر الصنوبر في بيروت. وتبع هذا الإعلان وضع الدستور اللبنانيّ. هذا التاريخ يخبر بوضوح عن العلاقات الوثيقة التي تجمعنا بفرنسا وبالفرنكوفونية، علاقات جعلت لبنان يحمل إلى الشرق الأوسط القيم العالميّة جنبًا إلى جنب مع التنوّع الثقافيّ.
في هذا اليوم الاحتفاليّ، اتوجه بالتهنئة إلى جميع الشعوب الفرنكوفونية في العالم، وخصوصاً الى الذين تمثلونهم، على أمل أن يتمكّنوا من العيش في بيئة من السلام والحرّيّة والازدهار.”
وفي نهاية الحفل، اقيم حفل كوكتيل للمناسبة تبادل فيه الرئيس عون والسفراء التهاني. يذكر ان الرئيس عون كان انتُخب في القمة الفرنكوفونية التي انعقدت في يريفان في تشرين الاول الفائت، نائباً لرئيس المنظمة الدولية للفرنكوفونية.
الى ذلك، استقبل رئيس الجمهورية وفد “الوكالة الفاتيكانية للحج الدينيOpera Romana Pellegrinaggi” والوفد الاعلامي المرافق والذي يمثّل الصحافة المسيحية العالمية، بحضور وزير السياحة اواديس كيدانيان، والسفير البابوي لدى لبنان المونسنيور جوزف سبيتري، والقائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور ايفان سانتوس، والسفير خليل كرم.
وقال السفير سبيتري: “يأتي هذا الوفد اليوم لاكتشاف واعادة اكتشاف لبنان، هذه الارض المقدسة، كوجهة للسياحة الدينية، وهي ارض تختزن قرابة 4000 سنة من التاريخ.”
وتحدث امين عام الوكالة المونسنيور ريمو كيافاريني Remo CHIAVARINI فشكر للرئيس عون اهتمامه الواضح باستعادة لبنان مكانته على كافة الاصعدة، لا سيما منها الصعيد الديني، منوها بالمساعدة وحسن الاستقبال الذي حظي به الوفد من كافة المؤسسات اللبنانية الرسمية، من دوائر القصر الجمهوري، ووزارات الخارجية والسياحة والاعلام، ومديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة اضافة الى مختلف الاجهزة الامنية.
وكانت كلمة للوزير كيدانيان أكد فيها ان لبنان، بكافة مؤسساته، على اتم الاستعداد للقيام بكل ما يلزم من اجل تحقيق ما تتطلع اليه الوكالة التي اعادت ادراج لبنان على خريطة الحج الديني. وقال: “أن لبنان الذي تعرّفتم على مختلف مناطقه، من شماله الى جنوبه ومن بقاعه الى ساحله، الغني بتنوعه الديني، هو لبنان الذي تعرفونه. وهذا هو الوقت المناسب من اجل اعادة احيائه كمرجعية للحج الديني العالمي.”
ثم تحدث السفير كرم فعرض للمراحل التي قطعتها الاتصالات التي قام بها، بتوجيهات رئيس الجمهورية، حين كان قائما بأعمال سفارة لبنان لدى الكرسي الرسولي، لاستعادة لبنان دوره كوجهة اساسية للحج الديني. وقال: “كان هناك تجاوب سريع من قبل الوكالة، التي لبّت طلب الرئيس عون، في وقت قصير، منذ تموز الماضي، فأعادت ادراج لبنان على الخريطة الدولية، وقامت حتى الان بزيارتين لتأكيد قرارها. واولى دفعات سيّاح الحج الديني ستنطلق في ايار-حزيران المقبلين.”
واكد الرئيس عون ان لبنان ينعم بالاستقرار والأمن، لا سيما بعد القضاء على الإرهابين فيه والذين كانوا موجودين في بعض الجرود على الحدود مع سوريا. وقال: “ستقومون بزيارة مختلف المناطق اللبنانية وستلمسون كم ان لبنان يتمتع بالأمن والاستقرار، وكم هو مضياف ورائع بتراثه وتاريخه وشعبه، ما سيحفزّكم على العودة تكرارا اليه.”