ظهرت في الأيام الأخيرة بوادر أمل بتشكيل حكومة لبنانية برئاسة سعد الحريري بعد تذليل عقبة حصول “التيّار الوطني” الذي يرأسه جبران باسيل على “الثلث المعطل” في الحكومة.
وأكد سياسي لبناني رفيع المستوى أن فشل سعد الحريري في تشكيل حكومة، قبل الأحد المقبل، سيجعله يلجأ إلى اتخاذ موقف قد يتمثل في توجيه رسالة إلى اللبنانيين يشرح فيها دور المعطلين لعملية تشكيل الحكومة مع تسمية هؤلاء.
وذكر هذا السياسي أنّ مثل هذا الفشل للحريري سيجعله يصل إلى قناعة بأنّ حزب الله مصمّم على إبقاء البلد في حال فراغ حكومي، نظرا إلى أنّه يريد تحقيق أهداف أخرى من بينها تعديل اتفاق الطائف القائم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان لمصلحة المثالثة بين السنّة والشيعة والمسيحيين.
وأوضحت مصادر سياسية في بيروت أن رئيس الوزراء المكلف، الذي يحاول منذ تسعة أشهر تشكيل حكومة، استطاع أخيرا إقناع باسيل بأنّ لا أمل في حصوله على “الثلث المعطّل”، خصوصا أن حزب الله لا يريد ذلك.
وكشفت أن “الفيتو” الذي وضعه الحزب على حصول التيّار الوطني الحرّ على “الثلث المعطل” (11 وزيرا) لم يعد سرّا منذ تحدث عن ذلك علنا الوزير السابق سليمان فرنجية في لقاء الزعماء الموارنة مع البطريرك بشارة الراعي قبل نحو أسبوع.
وذكر سياسي لبناني أن حزب الله عاتب فرنجية على كشفه الموقف الحقيقي للحزب من “الثلث المعطّل”.
وأشار إلى أن الحزب كان يفضل أن يفهم باسيل الرسالة من دون أن يكون هناك من يكشفها بشكل علني. كذلك، كان الحزب يفضل بقاء مسؤولية رفض “الثلث العطل” مشكلة مسيحية-مسيحية وليس مسيحية-شيعية.
وذكرت هذه المصادر أن عدم الإعلان عن تشكيل الحكومة، قبل الأحد المقبل، سيعني أنّ حزب الله لا يريد أن تكون هناك حكومة لبنانية في الوقت الحاضر.
وقالت إن الحريري، الذي التقى جبران باسيل في باريس مرات عدّة، كما التقى رئيس القوات اللبنانية هناك سمير جعجع، حاول إفهام رئيس التيّار الوطني الحرّ أن لديه مشكلة مع حزب الله وأنّه مستعد شخصيا لمساعدته في تسوية هذه المشكلة.
وكشفت أن هذه التسوية قد تكون عن طريق إيجاد صيغة تنقذ لباسيل ماء الوجه، كأن يكون الوزير السنّي المحسوب على حزب الله ضمن كتلة الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية، أقلّه شكلا.
واستبعدت المصادر السياسية إقدام الحريري على اتخاذ قرار بالاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة بما يفسح المجال أمام تكليف شخصية سنّية أخرى تولي هذه المهمّة. لكن شخصية قريبة من رئيس الوزراء المكلف شدّدت على أنّه يجب عدم استبعاد أي احتمال بما في ذلك خطوة الاعتذار.
وقالت هذه الشخصية إن سعد الحريري يشعر حاليا بحال من القرف الشديد تجاه ما آل إليه الوضع اللبناني، في وقت يعترف فيه كلّ المسؤولين والشخصيات السياسية بأن البلد على حافة الانهيار.
ونقل زوار بعبدا عن رئيس الجمهورية، ميشال عون قوله “أريد حكومة قبل نهاية الشهر الجاري”.
وتدور المعضلة اللبنانية، كذلك، على محاولة لتبادل الحقائب الوزارية في مسعى لإعادة التوازن بين التيارات الرئيسية.
وقالت المعلومات إن جعجع، الذي عاد أيضا الأحد إلى لبنان بعد غياب استمر شهراً، رفض فكرة تبادل الحقائب على قاعدة أن “القوات” قدم تنازلات ويرفض أن يأتي الحل على حسابه، بعد أن اقترح باسيل ما عُدّ انقلاباً على تفاهماته مع الحريري في بيروت.
وأعاد باسيل اقتراح عملية تبادل تجري بين الحريري وعون بين الوزيرين المسيحي والسني، وطالب بأن تكون وزارة الأشغال من حصة “التيار” تعويضاً على “تحمل” عون لوزير اللقاء التشاوري من حصته.
ووصفت مصادر سياسية مداولات الحريري مع زعيم حركة أمل نبيه بري وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بشأن مسألة تبادل الحقائب بأنها لم تكن سلبية، فيما أن موقف جعجع قد يكون مرناً في حال ثبت أن الجهود جدية وقد تؤدي إلى ولادة الحكومة.
وتسود أجواء من الضبابية والتوتر وعدم اليقين على ورشة تشكيل الحكومة اللبنانية بعد معلومات أفادت بأن مداولات رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في باريس لم تأت بأي جديد وربما أعادت الأمور إلى المربع الأول.
وترى مصادر دبلوماسية في بيروت أن العقد المحلية ليست إلا مرآة لواقع أن مزاجا خارجيا ما زال يحول دون تشكيل الحكومة.
وتقول هذه المصادر إن باريس مارست ضغوطا على زائريها من القيادات اللبنانية في الأيام الأخيرة من أجل التوصل إلى تسوية حكومية، ملوحة بأن لبنان سيخسر الدعم المالي الدولي الذي وفره مؤتمر “سيدر” إذا عجز اللبنانيون عن تشكيل حكومة جديدة.
غير أن مراقبين في بيروت رأوا أن التوتر المستجد بين باريس وطهران كما بين باريس ودمشق شكّل عاملا جديدا لعرقلة ولادة الحكومة، خصوصا أن أجواء باريس توحي بأن لا نية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة لبنان دون قيام هذه الحكومة.
وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أعرب الجمعة، عن استعداد باريس لفرض “عقوبات صارمة” على إيران في حال عدم إحراز تقدم في المفاوضات بشأن برنامج طهران الصاروخي الباليستي.
بالمقابل، أدانت وزارة الخارجية السورية مواقف ماكرون الذي انتقد في تصريحات له في مصر، الاثنين، التوجه إلى تطبيع العلاقات مع دمشق.