بعد دعوة رئيس لجنة المال والموازنة أعضاء اللجنة الى إجتماع لدراسة مواد مشروع إعادة التوازن المالي يوم الثلاثاء المقبل، فإن الملاحظ أن "إقتراح قانون إطار لإعادة التوازن للإنتظام المالي في لبنان "يهدف إلى تحديد الإطار القانوني العام لمعالجة الفجوة المالية للنظام المصرفي في لبنان وتداعياته على المودعين وفقاً لأولوية تَضمَن حماية حقوق المودعين لأقصى حدّ ممكن، لا سيّما الصغار منهم، كما وتعيد الثقة بالنظام المصرفي عن طريق إعادة هيكلة المصارف خدمةً للإقتصاد الوطني مع ما يوجبه ذلك من إعادة رسملة مصرف لبنان وإطفاء الخسائر التي تحول دون الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف في أقرب وقت ممكن وضمن الإمكانات المتاحة، حالياً وتدريجياً، وفقاً لتوفّر الموارد المستقبليّة المؤآتية.
مما لا شك فيه أن المودع ينتظر خارطة طريق تشريعيّة قانونية ترسم مسار التعامل مع أزمة الودائع ، عوضًا عن تعاميم مصرف لبنان التي يعتبرها المودعون غامضة ولا تفي بالغرض.
عند الدخول في مواد القانون تبرز بعض الثغرات يقول الخبير الاقتصادي والمالي بلال علامة لـ"لبنان24". فالعمليّة بأسرها، ستستند إلى" تدقيق محاسبي لميزانيّة مصرف لبنان" ، وبما "يراعي المعايير الدوليّة" ، حسب مشروع القانون ، علماً أن مشروع القانون، يفترض أن يكون قانونًا مصرفيًّا يتعامل مع مفاهيم وعمليّات ماليّة معقدّة وتعقدت أكثر بعد ثلاث سنوات من التطبيق الغامض لتعاميم المصرف المركزي .
لقد جاء اقتراح القانون بأفكار، بينما القانون يجب أن يتضمّن قواعد وموجبات مؤكدة مع آليات تنفيذية واضحة كي يحقّق الاستقرار المنشود من ورائه، علماً بأن ما ذكر في متن اقتراح القانون في البند الثاني من المادة الثانية عن إتخاذ ما يلزم في سبيل إستعادة الأموال المتأتية عن جراءم الفساد وفقاً لمنطوق القانون 214 الذي أقر في 08/04/2021 لم يطبق حتى تاريخه ولو بشكل جزئي .
لقد ذكر في نص القانون المقترح أنه لناحية معالجة الفجوة في الملاءة لدى مصرف لبنان، يطلب اجراء " تدقيق محاسبي لميزانية مصرف لبنان " لكنه لم يأت على تحديد الفجوة، يقول علامة،علماً أن التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان قد تم البدء به والمفترض أنه إنتهى ولكن ننتظر إعلان نتائجه قريباً. ورغم ذلك تم إقتراح بند لمعالجة الفجوة المالية في ملاءة مصرف لبنان من خلال ذكر ما يلي : "من خلال تخفيض قيمة توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية " ليعتبر أن التدقيق المحاسبي لميزانية مصرف لبنان ستحدّد الفجوة المالية وأن تخفيض توظيفات المصارف لدى المصرف تحل المشكلة". وبالتالي فإن الفجوة المالية في مصرف لبنان، بحسب علامة، هي مسؤولية الدولة وليس القطاع الخاص ولا حكماً المودعين حيث أن تخفيض توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان سيؤدي الى الإطاحة بجزء من ودائع المودعين ، فالمادة لم تأت على ذكر الجهة التي ستقوم بالتدقيق والجهة الرسميّة المسؤولة عن متابعة التدقيق والإشراف على عملها. وعليه فإن أهم مسار "لإعادة التوازن للنظام المالي"، يفترض أن يتم على أساس معرفة مفصّلة وشفّافة بالأرقام والحسابات ، وعلى تحديد مسبق للمسؤوليّات ونسبها.
لا يوجد، وفق علامة، في المشروع أي إجراء يسهم في التدقيق في عمل المصارف وبالتالي تحديد الوضعية المالية للمصارف فلماذا التعتيم على المصارف والإبقاء على مصرف لبنان فقط في دائرة الضوء،ويبدو أن هناك حكماً مسبقاً على مصرف لبنان وملاءته وبالتالي الوضعية المالية له.
لقد جاء في النص " ضرورة إعادة رسملة مصرف لبنان بمليارين ونصف مليار دولار أميركي من خلال سندات مالية (المادة /2/ البند 1) ".وهنا يسأل علامة : كيف تم تحديد المبلغ المطلوب ؟ وما هو نوع السندات التي ستبيعها الدولة وكيف ولصالح من ؟ فالدولة تعتبر متوقفة عن الدفع منذ آذار 2020 بعد أن أعلنت حكومة الرئيس السابق حسان دياب التوقف عن دفع سندات اليوروبوند وتعثرت بعدها في دفع كامل السندات المستحقة .هذا فضلاً عن أن المبلغ المذكور في مشروع القانون تتجاوز قيمته الفعليّة قيمة كل سندات اليوروبوند المستحقة، التي فشل لبنان في التفاوض عليها حتى اليوم . ويسأل علامة هل تستطيع الدولة التي طرحت المشاركة أن تعيد رسملة مصرف لبنان في ظل حالة من عدم الثقة المتجذرة بالدولة وبمصرف لبنان والمصارف،خصوصاً وأن طرح سندات دين من أي نوع كانت لا بد وأن يقابلها عامل الثقة المفقود وغير المتوفر .
لقد أضافت المادة الثالثة من اقتراح القانون أنه سيتم إطفاء العجز في رأسمال مصرف لبنان بالعملة اللبنانية بشكل تدريجي وعلى مدى خمس سنوات كحد أقصى وشطب كافة الخسائر المؤجلة. ولا بد من الإشارة الى ما ورد أن الاقتراح المطروح قد وسّع من نطاق " الودائع غير المؤهّلة" التي لن تشمل فقط السيولة المتأتية من عمليّات تحويل من الليرة إلى الدولار بعد تاريخ 17 تشرين الأوّل 2019، بل ستشمل أي أموال ناتجة عن الفوائد المرتفعة والتحويلات أو الشيكات أو غيرها من العمليّات والأدوات مما يعني أن لائحة الودائع غير المؤهلة ستكون طويلة ومن غير الواضح كيف سيتم سدادها وعلى أي سعر صرف سيتم سدادها، علما ان تصنيف ودائع مؤهلة وودائع غير مؤهلة، له أهميته، ولكنه يحمل ضمنياً ظلماً لودائع النوايا الحسنة التي تحولت بعد ذلك التاريخ.
لقد نص اقتراح القانون على إمكان سداد جزء من دفعات الودائع المؤهلة بالليرة على أساس سعر " منصّة صيرفة " الذي سيصبح سعر السوق بعد توحيد أسعار الصرف ، وهذا الأمر، بحسب علامة، غير واضح حصوله أو كيفية حصوله وعلي أي سعر خاصة وأن المحاولات المتكررة لمصرف لبنان لم تنجح حتى تاريخه بتحقيق هذا الامر. علماً أن سعر منصة صيرفة اليوم لم يعد يعكس الواقع الحقيقي لليرة اللبنانية في الأسواق اللبنانية. اما في ما خص عبارة الليلرة Larification أي التحويل الى الليرة فقد أدخلت ضمن التشريع بشكل غير واضح علماً أن القانون بالمبدأ يقف ضد هذه العملية في أنظمة الإقتصاد الرأسمالي الحر، وإن حصلت هذه العملية سوف تعتبر تعسفا باستعمال القانون وتحمل ظلماً كبيراً لأصحاب الودائع بالعملات الأجنبية. ويسأل علامة من أين ستؤمن هذه المبالغ وهل سيدفع ذلك البنك المركزي الى طباعة العملة وكيف ستتم مواجهة زيادة الكتلة النقدية نتيجة لهذا الاجراء وماذا عن التضخم المتراكم في ضوء حجم الإزدياد المضطرد بالكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ونتائجها على سعر الصرف ؟
وتعليقاً على المادة التاسعة التي تخضع الودائع المشروعة وغير المشروعة في المصارف غير القابلة للإستمرار الى أحكام قانون معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها من خلال تعبئة وتحديث معلومات " إعرف عميلك" ، يسأل علامة أين لجنة الرقابة على المصارف في حماية الودائع من خلال مراقبتها لعمل المصارف؟
يتحدث اقتراح القانون في المادة الثانية عشرة عن “صندوق إسترجاع الودائع” وذلك وفقاً لشروط إنشاء وتمويل وشروط إدارته بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء بناء على إقتراح وزير المالية، حيث ذكر أن تفعيل الصندوق مرتبط بإجراءات حكومية حيث سيخصص نسبة من إيرادات الدولة لتسديد دفعات الصندوق، مساهمة مالية من قبل المصارف مع ضرورة المحافظة على النفقات الإجتماعية وعلى إمكانية تمويل أي عجز في الموازنة من مصرف لبنان، وأن موجودات الصندوق تتكوّن من الأموال المسروقة والمهرّبة وغير المشروعة، إلا أن مصادر التمويل الأخرى، بحسب علامة، غير محدّدة النسب، وهي تسبّب خسائر عملاقة على عاتق القطاع المصرفي وعلى المودعين بشكلّ خاص فضلاً عن تغيير وجه لبنان الذي طالما تميّز بقطاعه المصرفي.