سمعت أحد نواب "التيار الوطني الحر" يهدّد باللجوء إلى الشارع. ظننت للوهلة الأولى أن تهديده هذا هو من أجل الضغط على نواب الأمة لتسريع عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولكن تبيّن في مسرى حديثه أن هذا اللجوء هو اعتراضًا على أي دعوة قد يوجّهها الرئيس نجيب ميقاتي إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، متهمًا إياه، زورًا، بأنه بهذه الدعوة يضرب الميثاقية ويصادر صلاحيات رئيس الجمهورية. وبعد سيل من الاتهامات الباطلة كرّر هذا النائب، ببغائيًا، تبنّي فكرة "المراسيم الجوّالة"، من دون أن يفهم المواطن، الذي صودف أنه استمع إلى الحديث "الشيّق" كيف يكون رئيس الحكومة "مصادرًا" للصلاحيات الرئاسية عندما يدعو إلى جلسة حكومية طارئة لمعالجة أمور الناس الملحّة، والتي لا يمكنها الانتظار طويلًا الفرج، الذي لا يمكن أن يأتيه إلاّ عبر إقرار المراسيم الضرورية، والتي لا يمكن الاستغناء عنها لإبقاء الناس صامدين حيث هم، وذلك بتأمين الحدّ الأدنى من مستلزمات هذا الصمود.
فإذا دعا الرئيس ميقاتي الحكومة إلى اجتماع طارئ فمن أجل الموافقة على سلفة خزينة لتأمين مادة "الفيول" لزوم تشغيل معامل الكهرباء. وصودف أن هذا النائب الذي هدّد بالنزول إلى الشارع كان في يوم من الأيام وزيرًا للطاقة. وإذا كانت البلاد مهدّدة اليوم بالعتمة الشاملة فـ"الفضل" يعود إلى هذه النوعية من الوزراء، الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة منذ "الوعد الشهير" بـ 24 ساعة كهرباء في اليوم، فكان أن وصلنا إلى صفر تغذية مع هدر أربعين مليار دولار لم نعرف كيف تبخرّت، في انتظار "التدقيق الجنائي"، الذي يجب أن يبدأ من وزارة الطاقة قبل أي مرفق آخر، وحتى قبل التدقيق في حسابات مصرف لبنان.
ونسأل مع السائلين: إذا كان لجوء "التيار الوطني الحر" إلى الشارع دفاعًا عن صلاحيات رئيس الجمهورية، التي "يصادرها" رئيس الحكومة، كما يزعمون، وهو أمر لم يرد في ذهنه على الإطلاق، وهو الحريص على هذه الصلاحيات أكثر من كثيرين فرّطوا بها، فكان حري بـنواب هذا "التيار الشعبي"، الذي يعرف كيف يحرّك شارعه، أن ينزلوا إلى "ساحة النجمة" ويضغطوا من أجل انتخاب رئيس جديد، وألا يغادروا جلسة الانتخاب مثلهم مثل غيرهم من النواب، الذين يساهمون في تعطيل العملية الانتخابية.
فنصاب الجلسة الثانية مطلوب كما في الجلسة الأولى، ولكن الفرق أنه في هذه الجلسة يمكن انتخاب رئيس بـ 65 صوتًا، وهو أمر ممكن بلغة الأرقام، وبلغة التحالفات الممكنة، خصوصًا إذا كان المرشحون المتنافسون والممكنون والجدّيون يتمتعّون بالمواصفات المطلوبة.
وإلى حين حصول هكذا أعجوبة مستبعدة في الظرف الراهن، فإن أمور الناس الحياتية لا يمكن التهاون بها أو إهمالها أو التغاضي عنها، وذلك بسبب أن ثمة فريقًا سياسيًا "راكبة معو عوجة"، ويرفض رفضًا كليًا أن تقوم الحكومة الحالية بأقّل واجباتها تجاه شعبها، الذي لا تفرق معه كثيرًا "الكلام الفاضي" عن أوهام عن ضرب "الصلاحيات الرئاسية المسيحية". ما يهمّ الناس في هذه الأيام الصعبة جدًّا ألا يموت أطفالهم جوعًا، أو أمام المستشفيات، أو من البرد القارس. ما يهمّهم هو أن ينعموا بساعات قليلة من "كهرباء الدولة". وهذه الساعات القليلة لا تؤّمن إلاّ إذا أقرّت السلفة وفق الأصول الدستورية والقانونية المعمول بها، ووفق الآليات الطبيعية غير الشعبوية، التي لن توصل إلى أي مكان، سوى إلى المكان الذي بشرّنا به العهد السابق.