في خلفيّات الكلام الذي قاله السّيد، تكمنُ الإشارات الرئاسية الخفيّة التي لم يستطع "حزب الله" الإعلان عنها بشكلٍ واضح وصريح حتى الآن. إلّا أنه في المقابل، ما يمكن تثبيته هو أنّ الحزب بات يميلُ إلى حسم الخيارات الرئاسيّة شيئاً فشيئاً ولكن من دون أيّ يصطدم مع أحد أو "يكسر" التحالفات القائمة حالياً. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه.. ما هي الرسائل التي أراد "حزب الله" إيصالها من بكركي بعد طول انتظار؟
في بادئ الأمر، تبدو زيارة الحزب إلى بكركي بمثابة تأكيد على أنّ المُنطلق الأساس للتوافق الرئاسي سيكونُ أساسه من بكركي المعنيّة مباشرة بالموقع المارونيّ الأول في لبنان، أي رئاسة الجموريّة. وبمعنى آخر، فإنّ تأكيد الحزب على دور البطريركية المارونيّة بالملف الرئاسي يعني أن المرجعية الأساسية لدى الموارنة ستكون لها كلمة الفصل بمباركة الأطراف الأخرى، وبالتالي لا تغييب أو تهميش لدورِ المسيحيين ولا للمكونات التي تُشارك "دستورياً" في عملية الانتخاب الرئاسيّة. هذا الأمر قد يكونُ بمثابة ردّ من قبل الحزب على بعض الأفرقاء للتأكيد على أنه من غير المقبول أبداً الإشارة إلى أنّ اختيار الرئيس هو عملية مُستحقة فقط للمسيحيين، لكنه في الوقت نفسه حاول أن يُطمئن الأطياف الأساسية عبر التأكيد على أمر مهم وهو أنه لا تجاوز للمرجعيات عندما تتخذ القرار الوطني المناسب.
إضافة إلى ذلك، فإنّ ما قاله السيد عن عون يحمل سلسلة من الرسائل:
الرسالة الأولى: وتشير إلى أن "حزب الله" ربط اسم عون بالتوافق، ما يعني أن الأخير "ليس مُرشحاً" استفزازياً بل يمكن أن يكون توافقياً، وبالتالي سيصبح خوض البحث باسمهِ أمراً وارداً في العلن خلال الفترة اللاحقة، من دون أن يُحسم أي خيارٍ حتى الآن.
الرسالة الثانية: عندما يتحدث الحزب عن التوافق من بكركي، فإنّه يقصدُ هنا وبشكل أساسيّ ضرورة تلاقي "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" على مُرشّح لرئاسة الجمهوريّة. وبما أنّ الطرفين لا يؤيدان ترشيح رئيس تيار "المرده" سليمان فرنجية، عندها فإن طرح قائد الجيش قد يصبحُ قيد التداول، وهنا لا "فيتو" لـ"حزب الله" على ذلك. وضمنياً، فإن الأخير يكون قد استطاع تثبيت مبدأ التوافق الذي سعى إليه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقد يكون عملَ مجدداً على تعزيز دعم حصول حوارٍ فعلي بين "القوات" و "التيار" من أجل التفاهم على خارطة رئاسية جديدة. وعملياً، فإن هذا الأمر لا يُزعج الحزب، فاتفاق معراب بين "الوطني الحر" و "القوات" حصل سابقاً عام 2016 وكان مُباركاً من الأخير.
الرسالة الرابعة: من الممكن تماماً أن يكون "حزب الله" قد آثرَ إيصال رسالة مُهادنة داخلية ودولية، وفيها إشارات تقول بأنه ليس بعيداً عن المرشح الذي قد يحظى بدعمٍ أميركي ودولي. ففي حيثيات حديثه الإيجابي عن قائد الجيش، فإن ما يبدو هو أن "حزب الله" قرّر إخماد وتيرة الجبهات قليلاً مع أطرافٍ مُختلفة، لكنه في الوقت نفسه سيبقى رمادياً مع الجميع إلى حين الوصول إلى تسويةٍ تفرضُ توافقاً على اسمٍ واضح وبإجماعٍ دولي لن يكون مرفوضاً.
ماذا عن باسيل؟
في ما خصّ الحديث عن باسيل، فإنّ ما يتبين هو أنّ "حزب الله" أراد إعفاء باسيل من تُهمة الإنصياع والخضوع، لكنه في المقابل أراد إسداء رسالة إلى الأخير عنوانها التالي: من لا تُعجبه عباءة "حزب الله"، فهو غيرُ مُلزم بها، لا الآن ولا غداً. حقاً، قد تكونُ رسالة الحزب صارمة مُجدداً باتجاه باسيل، وما قيلَ عن الأخير ليس إيجابياً بقدر ما هو كلام موجه إليه وفيه التالي: بإمكانك "نقض التفاهم" في حال وجدت نفسك "محشوراً". وعليه، فإن الحزب يكون، وبهذه الطريقة، قد "سرّح" باسيل من كنفه عبر المواقف، علماً أن الأخير عاد إلى مرحلة المُهادنة وتحديداً بعد الخلاف الذي نشب مع الحزب بسبب أزمة المشاركة بجلسة للحكومة الشهر الماضي.
ضمنياً، فإن الكلام الذي وجّهه الحزب باتجاه باسيل يعتبرُ علامة واضحة على أن التمسّك بالأخير يتراجع، الأمر الذي قد يُمهّد نحو "افتراق" جديد على مختلف الخطوط. أضف إلى ذلك، فإنّ السلوك الذي يسير الحزب على أساسِه، سواء من خلال "مغازلة" قائد الجيش أو لناحية التمسك بفرنجية، يعتبرُ باباً محورياً ضدّ باسيل الذي قد يلجأ إلى "إبتزاز" الحزب مُجدداً في حال وجد نفسه مُحاصراً سياسياً، وهنا سيبرزُ الصراع من جديد وقد تنفجر العلاقة أكثر فأكثر.
أما الرسالة الأهم وسط كل ذلك، فترتبطُ بعدم إسداء الحزب أي دلالات واضحة عن إمكانية تقدّم طرح مرشحه غير المُعلن سليمان فرنجية. وهنا، فإن التساؤلات التي تُطرح تصب في الإطار التالي: هل تمهيد الحزب لخيار قائد الجيش يُعدّ إعلاناً لطي صفحة فرنجية الرئاسيّة؟
عن هذه النقطة، تقول مصادر في "حزب الله" لـ"لبنان24" إنّ "الحزب ما زال عند موقفه من تأييد ترشيح فرنجية رغم عدم الإعلان رسمياً عن ترشيح الأخير"، وأضافت: "الإشارات الإيجابية لا تعني تخلياً عن الآخرين، لكن التوافق يجب أن يفرض نفسه في النهاية شرط ألا يكون مقروناً بالابتزاز والإستفزاز".
في خلاصة القول، ما يمكن تأكيدهُ هو أن "حزب الله" بدأ يعتمدُ درباً جديداً في المقاربة الرئاسية، وقد تصلُ المرحلة به إلى اعتماد خيار عون في حالة واحدة وهي مواقفة "التيار" و "القوات" على ذلك. أما في ما خصّ فرنجية، فما يبدو هو أن الحسم ما زال بعيداً بانتظار تبلور الخيارات وما ستحمله المواقف الخارجية من إشارات.