لقد أعطيت لحادث الاعتداء على القوة الأيرلندية العاملة ضمن قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان تفسيرات كثيرة، أقلها إن هذا الحادث ما كان ليقع لو لم يكن لـ"حزب الله" يد فيه، أو بالأحرى لو لم يكن قد أعطى الضوء الأخضر لافتعاله، وذلك بهدف إيصال رسائل سياسية إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة حول عدم رضى الحزب على التعديلات التي أدخلت على مهام قوات الطوارئ، التي أصبحت لديها حرية الحركة بمعزل عن إلزامية المؤازرة من قبل دوريات تابعة للجيش.
ومن بين التفسيرات السياسية لهذا الحادث أن "حزب الله" أراد أن يقول للمجتمع الدولي من خلال هذه "الرسالة الدموية" إن الأمر الأول والأخير في ما يتعلق بالوضع الأمني جنوب خط الليطاني يعود له وحده دون سواه. واعتبر البعض أن هذه الرسالة هي رسالة مزدوجة، وهي موجهة إلى قيادة الجيش أيضًا لإفهام الجميع أن الأمن في هذه المنطقة هي للقيادة العسكرية في الحزب من دون أي شريك آخر لها.
هذه التفسيرات التي ذهبت بعيدًا في أهدافها واستنتاجاتها رأت فيها مصادر مقربة من "حارة حريك" غايات مشبوهة، وهي صدرت منذ اللحظة الأولى لوقوع الحادث، ومن دون أن يعرف مطلقوها حقيقة ما جرى، أو أقله انتظار نتائج التحقيقات، التي باشرت بها الأجهزة العسكرية والقضائية المختصة، بالتعاون مع فريق أمني أيرلندي، أرسل خصيصًا من أجل كشف ملابسات الحادث.
من الطبيعي أن تصدر عن بعض الجهات المناوئة لسياسة "حزب الله" هكذا تفسيرات، ومن الطبيعي أو البديهي أن توجّه أصابع الاتهام إليه قبل غيره، لأنه هو الآمر والناهي في هذه المنطقة. وهذه التفسيرات هي تفسيرات سياسية قبل أن يكون طابعها عسكريًا. ومن الطبيعي أن يوجّه هذا الفريق السياسي، وفي هذا الظرف بالذات، اتهامات مماثلة لـ"حزب الله" المتهمّ أيضًا بعرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فرأى هذا الفريق أن التصويب على "الحزب" بهذا الشكل قد يفيدهم سياسيًا، وذلك من دون أن يكون في حاجة إلى دلائل حسّية عن تورطه بهذا الحادث، الذي يمكن أن "يسوّد" صفحة "حزب الله" أمام المجتمع الدولي. وبذلك يكون هذا الفريق السياسي قد أصاب عصفورين بحجر واحد.
وتتابع هذه المصادر لتقول إن تسليم "حزب الله" للشخص المتورط في إطلاق النار على الدورية الأيرلندية بعدما أجرى تحقيقاته السريعة يثبت أنه غير متورط بهذا الحادث بالمباشر، مع تزامن تسليم النائب إيهاب مطر لشقيقه المتهم بحادث أمني آخر، الأمر الذي يؤشر إلى أن "حزب الله" بدأ يتعاطى مع الأمور الأمنية من خلال تسليمه بـ"شرعية" القوى الأمنية اللبنانية، وبالأخص الأجهزة التابعة للجيش.
وهذا الأمر يأتي عشية اطلالة الأمين العام لـ"الحزب" السيد حسن نصرالله اليوم الجمعة، والذي سيتطرق بالتفصيل إلى هذا الحادث المؤسف، وإلى تفاصيل ما سبقه وما تبعه. وسيكون له أكثر من إشارة واضحة وأكثر من رسالة، وذلك لوضع الأمور في نصابها الصحيح وفق النظرة التي ينظر بها "حزب الله" إلى مجمل الأمور الحاصلة في الجنوب، وفي غيرها من الأمور، التي توجّه بها أصابع الاتهام إليه.