وكتبت" الاخبار": لم تغيّر الحركة التي اختتَم بها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل العام الجاري مِن وقائِع المشهد السياسي المسدود الذي يُرخي بظلالِه على لبنان ربطاً بالتقاطعات الداخلية والإقليمية المتعثرة. علماً أن باسيل لا يزال مقتنعاً بأن قوة كل من المرشحين الرئاسيين الجديين سليمان فرنجية وجوزف عون تكمن في وجود دعم داخلي وخارجي كبير لهما، ولا يمكن بالتالي اختراق ثنائيتهما سوى بمرشح ثالث يحظى هو الآخر بدعم داخلي وخارجي. وإذا كان فرنجية يتكئ على ثنائي حزب الله وحركة أمل، بينما يتكئ عون على كلمة السر الأميركية، فإن دعم التيار الوطني الحر لمرشح ثالث لا يكفي وحده وسيؤدي إلى احتراقه بسرعة، لذلك يعمل باسيل على توسيع إطار الدعم لهذا المرشح المفترض، وهو من هذا المنطلق يميل إلى مراعاة البطريركية المارونية، مفترضاً أن حيثية وجدية أي خيار ثالث ستزداد كثيراً إذا انطلقت من دعم البطريركية والتيار، لا التيار فقط أو البطريركية فقط. وفي ظل تردد القوات اللبنانية في ما يخص تبني ترشيح قائد الجيش، يمكن أن يكون بين الأسماء التي تقنع بكركي والتيار من يقنع معراب أيضاً، فيصبح عندها هذا المرشح أكثر جدية من فرنجية وعون مجتمعين.
وعن العلاقة مع جنبلاط، يقول أحد المطلعين إن جنبلاط تعايش باكراً مع تصحيح التمثيل السياسي في الجبل، ورغم تعبير بعض نوابه عن خطاب كراهية غير مفهوم تجاه التيار الوطني الحر وحادثة قبر شمون فإن المعارك سواء في السياسة أو في مجلس الوزراء أو حتى في الانتخابات النيابية بين التيار والاشتراكي كانت محدودة جداً وضيقة، في ظل تنام كبير في عدد الأصدقاء المشتركين للجانبين، وهو ما يفسح المجال أمام فتح صفحة جديدة جدية بين الطرفين. مع الأخذ في الاعتبار أن جنبلاط أيضاً يبحث عن خيار ثالث يجنّبه عناء الاصطفاف العنيف مع فريق ضد آخر، وهو يجد بين السطور التي يرددها باسيل عن الخيار الثالث عدة مرشحين مناسبين يطمئنون المختارة. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى حرص باسيل منذ عدة شهور على عدم الانجرار إلى الجبهات التي اعتاد العونيون استحداثها، مصراً على وجوب الحفاظ على أقل قدر ممكن من المشاكل السياسية إلا عند الضرورة القصوى.
ولاحظت مصادر سياسية ل" اللواء" أن مواقف وتحركات القيادات السياسية انحسرت مع عطلة الاعياد، ولم تفلح همروجة لقاءات النائب جبران باسيل مع خصومه الاسبوع الماضي، ان كان الرئيس نجيب ميقاتي، او رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقبلها، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في احداث ثغرة في الجدار السميك لازمة تعطيل الانتخابات الرئاسية، بالرغم ما رافق هذه اللقاءات من ترويج اعلامي، وتسريبات عن مبادرة متكاملة لباسيل يسعى لتسويقها، مطلع العام المقبل، لانهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس الجمهورية، وترتكز الى سلة متكاملة تضمن الاتفاق على انتخاب رئيس توافقي مع برنامج للعهد ، والتفاهم المسبق على شخص رئيس الحكومة وأعضاء وبرنامج الحكومة الجديدة، ما اعتبره اكثر من طرف سياسي فاعل، بانه مخالف للدستور أولا ومضيعة للوقت، وتكبيل الانتخابات الرئاسية، بمزيد من العراقيل، وتطالة ازمة الفراغ الرئاسي بلا طائل، بينما يلاحظ ان ما يروج له رئيس التيار الوطني الحر وتياره، من الافكار التي يحاول تسويقها، لم يطبق ابا منها خلال مرحلة انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة اوخلال ممارسته مسؤولياته، بل تنصل من كل الشعارات والعناوين البراقة التي وعد بها جمهوره واللبنانيين وبقيت حبرا على ورق، وتساءلت لماذا طرح مثل هذه الصيغ المعقدة والمربكة في هذا الظرف بالذات، بينما المطلوب تجاوز هذه التعقيدات، والاسراع بالاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الا اذا كان هدف رئيس التيار الوطني الحر كسب مزيد من الوقت، ريثما تتبدل الاوضاع والمتغيرات لترشيح نفسه للرئاسة، الامر الذي استدعى ردا غير مباشر من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اعلن خلال استقباله رئيس الوزراء الاسباني بالامس ان الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، يشكل مدخلا الزاميا لولوج حل الازمة التي يعيشها لبنان.
واشارت المصادر إلى ان محاولة رئيس التيار الوطني الحر اعطاء نفسه هالة طرح مبادرة متكاملة لاخراج لبنان من ازمته الحالية، وتصوير نفسه بانه صاحب الحل والربط بالانتخابات مبالغ فيه، ولا يصح مع وضعية باسيل، بعدما فقد موقع القرار بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وسلطة البت بالنيابة عن الرئيس، وتنامي الخلاف الحاصل بينه وبين حزب الله ، بالنسبه لدعم الاخير ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، ولم يعد موضع ثقة لدى جميع الاطراف السياسيين الأساسيين، بعدما تملص من التفاهمات المعقودة معهم وانقلب عليهم بعد انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية، واستعدى معظم هؤلاء، بدءا من انقلابه على تفاهم معراب مع القوات اللبنانية والتنكر للتفاهم الذي ارساه مع زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، وماتسببت به ممارساته العبثية والالغائية بافشال عهد الرئيس عون وتعطيل عمل الحكومات المتعاقبة للنهوض بلبنان، والزج به بأسوأ كارثة مرت بتاريخه الحديث.
واشارت المصادر إلى ان رئيس التيار الوطني الذي يريد الانفتاح على خصومه السياسيين ويسعى لطرح مايسميه بالمبادرة لحل ازمة الانتخابات الرئاسية، عليه اولا، ان يمتنع عن افتعال الاشتباكات السياسيةالخاسرة، بلا مبرر، تحت عناوين وحجج واهية ، وآخرها الاعتراض على انعقاد جلسات مجلس الوزراء وتحريض الوزراء الموالين للتيار للتغيب عن الجلسة، وطرح بدع وصيغ ملتوية لتعطيل توقيع المراسيم، والبحث عن صيغ توافقية للتقارب وتخفيف حدة الخلافات القائمة التي لاتوصل الى حل الازمة.
وأوضحت أوساط مطلعة في «التيار الوطني الحر» لـ«البناء» أن جولة باسيل وإن لم تؤدِ الى اختراق نوعيّ في المواقف من ملف الرئاسة، لكنّها حرّكت المياه الرئاسية الراكدة، وأظهرت دور رئيس التيار المحوري في الملف الرئاسي وأظهر أنه يمدّ اليد الى كافة الأطراف لحل الأزمة الرئاسية وأنه ليس في عزلة سياسية، وتمهّد الساحة لحوار جامع على مواصفات الرئيس وعلى المرحلة المقبلة».وأشارت الأوساط الى أن «المشكلة لا تكمن في اسم الرئيس، بل بما بعد انتخابه، وبالمشروع الذي سيعتمده، وبشخصية رئيس الحكومة المقبلة، وهوية الحكومة ووظيفتها ودورها والخطط التي ستتبعها للإنقاذ والإصلاحات ومكافحة الفساد، فلا يكفي أن ننتخب رئيساً ولا نعرف عن المرحلة المقبلة شيئاً، وإلا ستستمرّ الأزمة ونواجه المشكلات نفسها». وتستبعد الأوساط خيار ترشيح أحد أعضاء تكتل «لبنان القوي»، باعتبار أن النتيجة ستكون نفسها. وتستبعد الأوساط سير التيار بترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون في ظل عقبات عدة تحول دون ذلك، أبرزها التعديل الدستوري، وهذا ما نرفضه لشخص».
وكتبت" الدبار": وصفت مصادر مطلعة على حركة باسيل، انه يعمل على طريقة «اجر بالبور واجر بالفلاحة» والايحاء للجميع انه «صانع الرؤساء» ، بالتزامن مع رسائل يومية الى حزب الله تحمل كل رسائل الود والمحبة الى شخص الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ظل ادراكه خطورة القطيعة الشاملة مع الحزب رغم انه يتجنب حتى الان الحوار المباشر ويكتفي بالرسائل الاعلامية، ربما لادراكه ان الملف الرئاسي لم يوضع على طاولة البحث الجدي بعد، «وما زال الوقت متاحا للعب في الوقت الضائع» بالاضافة الى انه لم يقطع الامل من انقلاب الصورة الداخلية والخارجية لصالحه مستقبلا، وهذا الرهان موجود عند كل القيادات المسيحية.