كتبت آمال خليل في "الأخبار": أقفلت برج حمود الكثير من محالّها ومعاملها، لكنها لم تقفل أبواب منازلها. الأزمة الاقتصادية الأخيرة قادت مستأجرين جدداً إلى ضاحية بيروت الشرقية، ليس بسبب بدلات السكن التي تقلّ عن مناطق أخرى فحسب، وإنما لأن «عاصمة أرمن لبنان» لطالما كانت شقة مفتوحة دائماً للإيجار لكلّ الأجناس الذين يتباعدون ويتقوقعون برغم تجاورهم. إلا أنّ ضيوفها الجدد هذه المرة لا يشعرون بالترحيب الذي لطالما سمعوا عنه. «السوريون» ضيف غير مرغوب به، إلا في حالات خاصة.
حضرت السيدة الأرمنية إلى مقرّ بلدية برج حمود شاكية جيرانها «الأجانب». طالبت الشرطة بإجبارهم على إخلاء منزلهم. مثلها، قصد آخرون «حزب الطاشناق»، للاستفادة من نفوذه في ترحيل «الأجانب» أيضاً، عن «كانتون» البرج ذي الغالبية الأرمنية. بعض الأرمن لم يكتفوا بالدعوة إلى طرد جيرانهم «الأجانب»، إنما دعوا أيضاً إلى منع تأجيرهم. و«الأجانب» هنا، كلمة ملطفة للعمّال والنازحين السوريين. يستخدمها البعض للتهرّب من اتهامه بالتمييز. فالبرج وتوابعها، من الدورة إلى النبعة وكورنيش النهر، مليئة بالأجانب من الهند وبنغلاديش إلى إثيوبيا وسيراليون، مروراً بالمصريين والعراقيين. لكنّ النقمة العارمة طاولت عموم المقيمين السوريين بعد إشكالات فردية سُجّلت مع بعضهم. تخمد تلك النقمة كلّ حين، لتعود وتنفجر بأحقاد متراكمة. في عام 2014، انفجرت بين عدد من أبناء المنطقة وشبان أكراد كانوا قد استقرّوا فيها بعد تهجيرهم من سوريا والعراق وتركيا في بداية التسعينيات. قبل الإشكال الدامي وبعده، سُجّلت إشكالات مع أكراد ونازحين سوريين على خلفيات فردية أبرزها «تلطيش بنات الحي». وفي الفترة الأخيرة، تبدو النقمة قريبة من الانفجار بوجه السوريين.
على الرغم من ذلك، لا يمكن تعميم هذا الجو بسبب وجود تباين في التعاطي مع السوريين. منهم من وجد فيهم استثماراً مربحاً على صعيد الإيجارات والأسواق والعمالة، ومنهم مَن لم يرَ فيهم سوى عبء اقتصادي واجتماعي وثقافي.
لا يخفي عضو بلدية برج حمود، وعضو حزب الطاشناق، جورج كريكوريان امتعاض البعض من كثافة السوريين في المنطقة، لكنه يرفض مقاربة وجودهم بعنصرية. الالتزام بالقوانين والإقامة الشرعية هما سقف إقامتهم في برج حمود. يذكّر كريكوريان بلجان الإغاثة والمساعدات التي شكّلتها البلدية، لاستقبال النازحين بعد الأزمة عام 2011. الخرق الوحيد للتعاون مع الجالية السورية، سُجل لاحقاً بتعاميم مؤقتة صدرت لتمنع تجوال النازحين في ساعات الليل بعد وقوع إشكالات كبيرة مع بعض أبناء المنطقة. إلا أن لوائح المنع لم تطاول العمل والسكن. «كلّ شخص مقيم بطريقة شرعية له الحق بالتنقل والسكن والعمل أينما يريد. وعليه، نقوم في البلدية بتسجيل عقود إيجار المنازل والمحالّ». وفي هذا الإطار، سعى مع هيئات الإغاثة إلى «تأمين بدلات الإيجار لعدد من السوريين والعراقيين الذين كانوا مهدّدين بالطرد من المالكين». يدافع عضو البلدية المحسوبة على الطاشناق عن المساواة في التعاطي مع المقيمين كافة. لا يخفي بأن الحزب تلقّى طلبات محدودة من بعض الأرمن لإخراج السوريين من المنطقة، لكن قيادته رفضت «إلا إذا توافرت دوافع أمنية دامغة». والسبب «عقيدته الاشتراكية المؤمنة بالعدالة الاجتماعية. فإذا لم نتصرّف بإنسانية مع السوريين وسائر العمال الأجانب، فلا نكون طاشناق». في المقابل، يقرّ كريكوريان بظهور «جيل جديد من السوريين من بينهم بعض المتفلّتين». كثير من الإشكالات التي سُجلت، وقعت «بسبب حساسيات ثقافية واجتماعية». وبرغم أن ظاهرة التفلت الاجتماعي تزداد، في نظره، لكنه يفاخر بـ«التنوّع الموجود هناك»، مبدياً أسفه «لأن السوري يعيش دائماً بقلق».