عماد الشدياق نقلاً عن "عربي21":
دخل لبنان على خط الحرب الروسية - الأوكرانية: أوكرانيا تجنّد المقاتلين في لبنان لمواجهة الجيش الروسي، وتنظّم المؤتمرات وتدعو معارضين روسا ولاجئين للحديث عن الجرائم في أوكرانيا، وتقارنها بتلك في سوريا.. وكل ذلك وسط غياب غير مبرر أو مفهوم للأجهزة الأمنية اللبنانية.
نهاية الشهر الفائت أقامت منظمة غير حكومية تُدعى Crisis action وممولة من عدد من الدول الغربية على رأسها بريطانيا (هكذا يعلن موقعها الالكتروني)، ندوة عنوانها "جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا"، ومضمونها محاولة المقارنة بين "الاغتيالات التي ارتكبتها القوات المسلحة الروسية في سوريا، وبين الجرائم التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا"، على أن تتضمّن مقابلات وشهادات حيّة من بعض اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان.
الندوة حصلت بالفعل بين 28 تشرين الثاني/ نوفمبر و2 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، كما حضرها مجموعة من الصحافيين والناشطين اللبنانيين والأجانب، وممثلون عن وسائل إعلام روسية معارِضة، هي موقع "Novaya Gazeta" وتلفزيون "TVrain" وراديو "Echo of Moscow" (كلها محظورة في روسيا وبعض دول أوروبا الشرقية)، بالإضافة إلى باحثين في السياسة ممن تتهمهم موسكو بأنّهم "موالون للولايات المتحدة".
تكتم وتردد المنظمين
لم يُعرف إن كانت تلك الندوة حصلت في بيروت بالسرّ، ومن دون عِلم السلطات اللبنانية، أو ربّما بعلمها وسكوتها، لكنّ الأكيد أن المنظمين اعتمدوا تكتيك التكتّم في توزيع الدعوات وانتقاء الأشخاص المشاركين. ومحاولات التواصل مع المنظمين وطلب المشاركة بتلك الندوة لتغطية نشاطها، كأيّ تغطية صحافية لأيّ ندوة أو مؤتمر يُعقد في البلاد، بغية الاطلاع عن كثب على التفاصيل، كلّها باءت بالفشل.
المنظمون لم يتجاوبوا مع طلب الدعوة، وقد برّر أحدهم ذلك لاحقاً بأنّ الندوة "متواضعة" وليست على القدر الذي جرى تصويره أو الحديث عنه، وذلك ربّما في محاولة للتقليل من أهمية الحدث. بيد أن التكتّم والتردّد اللذين أحاطا بالندوة، رسما مجموعة من علامات الاستفهام حول مضمون الندوة، وطبيعة المدعويين وانتماءاتهم، إذ يبدو أنّ المنظمين فضّلوا بقاء تلك الندوة بعيدة عن الإعلام، وهذا قد يؤكد أنّ الأمر لم يكن بعيداً عن التوقعات.
هذه الوقائع تقود إلى سؤال: ما السبب الرئيس الذي جعل هذه المنظمة تستدعي معارضين روسا إلى لبنان تحديداً وليس إلى دولة أخرى؟ وهل حصل ذلك لأنّ المنظمة المذكورة تملك فرعاً في بيروت؟ مع العلم أنها تملك فروعاً كثيرة في أكثر من دولة حول العالم بحسب ما تظهر خريطة الموقع.
هل لأنّ لبنان مستباحٌ، وكان دائماً ولا يزال، ساحة مكشوفة يمكن لأيّ جهة دولية أو جهاز استخبارات أو جماعة معارِضة، التحرك داخله بسهولة من دون حسيب أو رقيب؟ لعلّ تلك التساؤلات لن تلقى إجابات واضحة، لكنّ الجواب البديهي قد يكون مزيجاً من كل ما سبق.
ما رأي الروس؟
أوساط قريبة من الجو الروسي أبدت انزعاجها من تلك الندوة، ومن غيرها من التحركات المشابهة، التي تستهدف موسكو عبر الساحة اللبنانية، كما أبدت تخوّفها من تحول لبنان (الذي تعتبره حتى الآن دولة صديقة) إلى مستقر للعمل المعارِض ضدّها. واعتبرت أنّ ثمة "مخططا" يجري على الأراضي اللبنانية، هدفه "تشويه سمعة روسيا في العالم العربي وخصوصاً في لبنان".
أمّا عن مضمون الندوة، فترى أنّ التُهم التي نوقشت "لا أساس لها من الصحة"، وأنّ "القتلة الحقيقيين هم من أوعز بتنظيم هذا المؤتمر"، لأنّ العالم "يعرف من هم هؤلاء ومن يمولهم ومن يستفيد من وجودهم"، موجهة أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة وبريطانيا والذين تعتبرهم "رعاة الإرهاب حول العالم".
أين الأجهزة اللبنانية و"حزب الله؟"
لعلّ دخول لبنان على خط مواجهة الغرب لروسيا ليس أمراً مناسباً، خصوصاً أنّه يأتي في إطار الانصياع للرغبات الغربية. كما أنّ احتضان المعارضة الروسية في الظروف التي يمرّ بها لبنان، سيؤدي حتماً إلى تدهور العلاقات بين لبنان وموسكو. ويبدو أنّ الدعوة التي وجهها مسؤول شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف قبل أيام، إلى المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، لزيارة موسكو، تأتي في سياق الاعتراض على هذا التطوّر الجديد (مجلة "الشراع" اللبنانية كشفت عن تلك الدعوة)، خصوصاً مع تقاطع تلك الأحداث مع معلومات، تفيد بتجنيد المرتزقة في الداخل اللبناني وإرسالهم إلى أوكرانيا من أجل القتال ضد الجيش الروسي.
كما أنّ أسئلة أخرى يمكن أن تُسأل في هذا الصدد: هل كان "حزب الله" الذي يُفترض أنّه من المحور الشرقي الذي يضمّ إيران وروسيا، على علمٍ بهذه التحركات؟ أو أنّه غضّ الطرف نتيجة الضغوط الغربية على لبنان؟
لا إجابات أكيدة عن هذه الأسئلة، ولا يُعرف إن كان الحزب على علم بهذه التحركات أيضاً. لكن الأكيد أنّ العلاقة بين لبنان وروسيا آيلة إلى مزيد من التعقيد، خصوصاً بعد ظهور إشارات امتعاض روسية بدأت تبديها مؤخراً حيال لبنان، الذي حافظت معه على علاقات وثيقة، حسبما تنقل أوساطها، وساعدته في التغلب على الأزمات وحل مشكلات سياسية لبنانية داخلية، منها: شراكة لبنان مع وزارة الطوارئ الروسية بعيد إنفجار مرفأ بيروت، ومساعدة تزويد لبنان في الحصول على لقاحات فيروس كورونا خلال الجائحة، إضافة إلى محاربة "داعش" على الحدود اللبنانية- السورية كعامل ضامن للأمن في المنطقة.
لبنان بات ساحة مكشوفة.. وبهذه الجملة يمكن اختصار توصيف ما تمرّ به البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية والترهّل الذي يصيب أجهزة الدولة الأمنية وغير الأمنية، ناهيك عن الفراغ في المؤسسات الدستورية. كل هذا جعل لبنان أرضاً خصبة لتداعي المنظمات والأجهزة الاستخباراتية
السلطات اللبنانية لا تبالي
أمّا الرّد اللبناني على هذا، فقد قوبل بلا مبالاة، أظهرتها السلطات اللبنانية في أكثر من محطة، بدءاً بهبة الحبوب والنفط التي لم تقبلها السلطات اللبنانية حتى الآن، ومروراً بإعلان قرب الوصول إلى اتفاق من أجل السماح للطيران الروسي (Aeroflot) بالعودة إلى مطار بيروت الدولي، ثم "ضبضبة" الملف لأسباب مجهولة، ومروراً أيضاً ببيان وزارة الخارجية اللبنانية الذي "وبّخ" موسكو لغزوها أوكرانيا مخالفاً بذلك شبه الإجماع العربي على "الحياد"، ثم وصولاً إلى الضغوط الأمريكية لرفض مشاركة روسيا عبر أي من شركاتها بالملف الغازي والنفطي، بل حتى رفض أيّ مساعدة روسية على إيجاد حل لأزمة الكهرباء في لبنان!
إذاً، لبنان بات ساحة مكشوفة.. وبهذه الجملة يمكن اختصار توصيف ما تمرّ به البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية والترهّل الذي يصيب أجهزة الدولة الأمنية وغير الأمنية، ناهيك عن الفراغ في المؤسسات الدستورية. كل هذا جعل لبنان أرضاً خصبة لتداعي المنظمات والأجهزة الاستخباراتية من أجل الاستفادة من تلك الساحة "الفالتة".