وعلى رغم هذا اللوم، الذي لا يزال يلاحقها حتى اليوم، لا تزال "القوات اللبنانية تؤكد صوابية خيارها، باعتبار أنه لم يكن في الإمكان أفضل مما كان، حتى أن بعض القياديين يقولون أنه لو عاد بهم الزمان إلى الوراء لفعلوا مرة جديدة ما سبق لهم أن فعلوه، وذلك نظرًا إلى ما تجمّع لدى معراب في حينه من معطيات لم يكن في الإمكان تخطّيها سوى بالذهاب إلى خيار ميشال عون.
وفي قراءة موضوعية لأحد المسؤولين في "القوات" أن التوافق على انتخاب عون رئيسًا للجمهورية كان أفضل بكثير من ترك البلاد في حال من الشلل التام، الذي كان سيمتدّ لسنوات طويلة من دون أن يرّف جفن لأحد، سواء من الداخل أو من الخارج، مع العلم أن "القوات" كانت تراهن على قدرة عون على إقناع "حزب الله" على "التلبنن"، فكان الفشل في هذا المجال تامًا، حتى أن العهد أصبح اسير الإخفاقات المتوالدة والمتتالية إلى أن وصلت البلاد إلى الحضيض.
فهل تكرّر "قوات الـ 2022" الخطأ الذي ارتكبته في الـ 2016، أم أن الظروف والمعطيات السائدة اليوم تختلف عمّا كانت عليه الأوضاع في حينه؟
في رأي هذا المسؤول "القواتي" أن ظروف اليوم مختلفة كليّا عن ظروف الأمس، على رغم أن البلاد تعيش اليوم فراغًا اشد قساوة وخطرًا مما كانت عليه في العام 2014، وقبل الانهيار الاقتصادي الشامل والتام، فضلًا عن أن "حزب الله" لم تعد لديه قوة التأثير التي كان يتمتع بها قبل تسعة أعوام، حين كانت الأكثرية النيابية معه. ولأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرّتين فإن خيار معراب، ومعها نواب "اللقاء الديمقراطي" ونواب حزب "الكتائب اللبنانية" وكتلة "التجدّد" وعدد من النواب المستقلين، لا يزال ميشال معوض، إلى أن يحين الظرف الملائم للسير بالخطة "بـ" في حال الضرورة القصوى.
في المقابل، وعلى خط موازٍ، عاد إلى الواجهة الحديث عن إمكانية قيام حوار بين "القوات" و"حزب الله"، وإن من زاوية جسّ النبض، أو على قاعدة "إن لم يكن ما تريد أرد ما يكون"، أو بعد اقتناع الجميع بأن لا إمكانية لأحد من الأطراف السياسية لإحداث خرق في الجدار السياسي بمفرده أو بقوته الذاتية، وأنه لا بدّ في النهاية من تبريد الرؤوس الحامية، والذهاب إلى خيارات "الممكن"، على عكس ما قاله المسؤول الأميركي السابق للسياسيين الذين التقاهم، وبالأخص لمن هم في "المحور السيادي"، من أن الفراغ يبقى أفضل من انتخاب رئيس "الكيفمكان".
"حزب الله" يرى، وفق مصادر مقرّبة منه، أن تجربة العشر جلسات أثبتت أن لا أحد بمفرده يستطيع الحسم في الاستحقاق الرئاسي وإيصال المرشح الذي يريده. من هنا أهمية التقاط اللحظة التي تقتضي بخروج الجميع عن مسار خطابهم التفردي والانفرادي ، والذهاب إلى الحوار بأذهان صافية ومن دون خلفيات مسبقة.
وفي رأي هذه المصادر أنه كلما تأخر الحوار طالت حالة المراوحة، وقد يجد اللبنانيون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا انتظار تسوية خارجية لم تنضج ظروفها بعد، أو تبدّل ما في المعطيات المحلية، يفضي إلى فك أسر الملف الرئاسي، مثل اتفاق "حزب الله" مع رئيس "التيار الوطني الحر" السيد جبران باسيل، إضافة إلى بعض النواب السنّة، وبعض نواب التغيير، على مرشح رئاسي يحسم المعركة.
أمّا من جهة "القوات" فترى مصادرها ان لا جدوى من أي حوار طالما أن "حزب الله" لا يضع سلاحه جانبًا في أي لقاء حواري، وهو ما يشكّك مادة خلافية اساسية بينه وبين اللبنانيين، وتقول: "طالما أن الحزب يعتبر سلاحه جزءاً لا يتجزأ من بنية لبنان، ولا يمكن أن يتخلى عنه، يصبح الحوار مضيعة للوقت، وأن باب الحوار يفتح عندما يعلن "الحزب" استعداده التخلي عن سلاحه لمصلحة الدولة، وقبل هذا الموقف لا حوار.
أما الترويج للحوار من قبل أوساط "حزب الله" فيضعه هذا المسؤول "القواتي" في خانة الرسائل الموجهة إلى جبران باسيل، لتليين موقفه من الانتخابات الرئاسية، وللقول "إن هناك خياراً مسيحياً بديلاً عنه.