لا مفرّ منها ولا مهرب من همّها وثقلها.. الفاتورة الاستشفائية الباهظة تلاحق اللبنانيين، تقضم رواتبهم، تحجز أملاكهم حتى أنها تحصد أرواحهم! فما حصل مع حسين البعريني، الأب الذي رهن سيارته لتحرير جثّة طفله الرضيع من المستشفى، لم يكن الجرس الوحيد المنذر بحجم الكارثة التي يعاني منها ثلث اللبنانيين، فالأنين والغصّة والوجع مرافق دائم لهؤلاء أينما تواجدوا. أجراء، عاملون، آباء وأمهات... كبار وصغار وجدوا أنفسهم فجأة "مكشوفين" أمام المستجدات الصحيّة كي لا نقول خارج خريطة التقديمات الطبية، وهم من كانوا في ما مضى متنعّمين بغطاء "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"... فهل بات التأمين الصحي والاستشفاء ترفاً؟ ومتى تعود الجهات الضامنة لدورها الريادي الفعّال في مجالات الحماية الاجتماعية وتقديم الخدمات لمختلف الشرائح المجتمعية؟
بعد أن كان الضمان الإجتماعي يوفّر للمنضوين تحت عباءته تغطية استشفائية بنسبة 90%، انقلبت المعادلة وبات يغطّي 10% فقط من الكلفة الاجمالية، ليترك المواطن يتخبّط في كيفية تأمين ما تبقّى "ع الفريش" أي وفقاً لدولار السوق الموازية أو ما يعادله بالليرة اللبنانية.
24 ألف مليار ليرة لبنانية سنوياً...
ما نعانيه اليوم ليس وليد الأمس، إنما نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية الخاطئة التي اعتمدتها الدولة، منذ ثلاثين عام، ولا يمكن محو نتائجها بين ليلة وضحاها، هذا ما يؤكّده المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي في حديث لـ"لبنان 24".
كركي يوضح أنه "لكي يستطيع الضمان إعادة نسب التغطية كما كنت عليه قبل الأزمة، فنحن بحاجة إلى 24000 مليار ليرة لبنانية سنوياً، علماً أنه وبعد الزيادات التي حصلت في الايرادات، بعد زيادة الحد الادنى الرسمي للأجور ورفع السقف الخاضع للاشتراكات، لم يؤمّن سوى 2400 مليار ليرة لبنانية سنوياً أي 10% ممّا هو مطلوب. بالتالي، نحن بحاجة الى رفع الحد الأدنى مجدداً"، مشدداً على أنّه "يجب على الدولة التدخل لإيجاد حلول لأمور الضمان الاجتماعي، إن من خلال دفع المتوجبات عليها للصندوق، أو من خلال تأمين مساعدات وهبات خارجية لفرع الضمان الصحي، أو حتى إعطاء قروض طويلة الأمد"، معتبراً أنّه "من دون تدخل سريع وفعّال للدولة لا يمكننا الذهاب بعيداً، لذا عليها ان تتحمل مسؤوليتها في ما آلت إليه أحوال البلاد".
ويؤكّد كركي أنّه "اذا بقي الحال على ما هو عليه، سيزيد عدد الذين سيتطببون على حساب وزارة الصحة بشكل هائل، مما سيثقل موازنة الدولة "العاجزة أصلاً"، مشيرة الى انه "من مصلحة الدولة إعادة تفعيل ومساندة الضمان الاجتماعي، لأن مساهمتها الحالية فيه لا تتخطّى الـ25% من التقديمات".
في هذا الإطار، يذكّر كركي "بضرورة تزويد الصندوق بجزء من حقوق السحب الخاصة المتأتية من صندوق النقد الدولي إلى الدولة اللبنانية والتي بلغت 1137 مليون دولار أميركي"، لافتاً الى أنه "سبق وطالبنا بتخصيص الضمان بـ100 مليون دولار أميركي أو 200 مليون دولار اميركي، منها لدعم فرع التقديمات الصحية".
بين وزارة الصحّة و"الضمان"... تفاوت غير منطقي!
من الواضح والجليّ أن مرضى الضمان "بِ زيت" نسبة لما يلقاه المرضى الآخرون من تقديمات صحيّة؛ فحتّى من يدخل المستشفى على نفقة وزارة الصحّة، يحظى بنسبة تغطية تفوق "المضمون".
مدير عام "الضمان" يؤكّد لـ"لبنان 24" في هذا الشأن، أن النائب بلال عبدالله، رئيس لجنة الصحّة النيابية، يسعى جاهداً لإرساء العدالة بين المرضى المضمونين وأولئك الذين يتلقون علاجاتهم بتغطية من وزارة الصحة.
وبالنسبة لكركي، من غير المنطقي أن يلقى الشخص الذي يتعالج على حساب وزارة الصحة والذي لا يسدد أية اشتراكات، نسبة تغطية أعلى من المريض المضمون الذي يقوم بتسديد الاشتراكات هو وصاحب العمل. لذا، يعتبر أنه "كان من الأجدى في سبيل إرساء العدالة الاجتماعية، أن تقوم الدولة برعاية زيادة التعرفات في الصناديق الضامنة كافة بالنسب عينها، كي لا تظلم فئة وتنصف فئة أخرى".
ويستطرد كركي إلى الإشارة "للجهود التي يبذلها عبدالله مع وزير المالية لسداد الديون المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتي تجاوزت الـ5000 مليار ليرة لبنانية مع نهاية العام 2021".
نتائج إيجابية ولكن
لإنصاف الأجراء في ظلّ تحوّل القطاعات الطبية نحو الدولرة النقدية وانحدار مستوى التغطية الصحية، يعقد "الضمان" سلسلة اجتماعات مع الهيئات الاقتصادية، إلّا أن القرار النهائي يتخذ في لجنة المؤشر التي يترأسها وزير العمل مصطفى بيرم. وقد توصلت اللجنة مبدئياً الى نتائج إيجابية، وفقاً لكركي الذي يشير الى أن "لا أرقام نهائية بعد".
ويكشف كركي أن "الأرقام التي تم الاتفاق عليها، قبل إقرار الـ15000 ليرة لبنانية للدولار الجمركي وإقرار اعتماد سعر صرف 15000 ليرة لبنانية، تدور حول مبلغ 5 ملايين ليرة (أسوة بما يتقاضاه موظفو القطاع العام حالياً)". ويتابع: "نحن بانتظار اتخاذ القرار النهائي، فإمّا يتم إقرار ما تم الاتفاق عليه في مهلة أقصاها مطلع السنة المقبلة، أم يتم التريّث لأخذ المعطيات المستجدّة بعين الاعتبار".
تغطية 50% من كلفة الاستشفاء في الـ2023؟
بالرغم من الجوّ السوداوي السائد والشعور المستمرّ للبنانيين بالقلق وعدم الأمان الصحي، يكشف المدير العام للضمان أنه "كما سبق وذكرنا عن زيادة التعرفة الطبية والاستشفائية، بزيادة نسب التغطية الى 5 أو 6 أضعاف نكون قد وصلنا الى 90% ممّا كانت عليه تقديمات الصندوق في السابق، وذلك بالطبع إن استثنينا الأدوية والمستلزمات الطبية التي تسعّر وتدفع بالعملة الصعبة".
ويضيف كركي: "بشكل عام، أي من دون استثناءات، بزيادة الـ6 أضعاف، سنصل إلى حوالى 40%- 50% من كلفة الاستشفاء".
قد تكون كلفة الحفاظ على فعاليّة "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" الأرخص مهما بلغت، نظراً لخطورة انهيار هذه المؤسسة؛ فحتّى وإن وجد اللبنانيون أن "الحل الصحي الأضمن" يتمثّل بشركات التأمين، سيصطدمون بثمن العقود التأمينية الصحية المدولرة... هنا تختصر خيارات ذوي الدخل المحدود: العلاج المنزلي "بالتي هي أحسن" أم الاستدانة للاستشفاء كما يجب؟ الخيار لغالبية هؤلاء محسوم!
بعد أن كان الضمان الإجتماعي يوفّر للمنضوين تحت عباءته تغطية استشفائية بنسبة 90%، انقلبت المعادلة وبات يغطّي 10% فقط من الكلفة الاجمالية، ليترك المواطن يتخبّط في كيفية تأمين ما تبقّى "ع الفريش" أي وفقاً لدولار السوق الموازية أو ما يعادله بالليرة اللبنانية.
24 ألف مليار ليرة لبنانية سنوياً...
ما نعانيه اليوم ليس وليد الأمس، إنما نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية الخاطئة التي اعتمدتها الدولة، منذ ثلاثين عام، ولا يمكن محو نتائجها بين ليلة وضحاها، هذا ما يؤكّده المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي في حديث لـ"لبنان 24".
كركي يوضح أنه "لكي يستطيع الضمان إعادة نسب التغطية كما كنت عليه قبل الأزمة، فنحن بحاجة إلى 24000 مليار ليرة لبنانية سنوياً، علماً أنه وبعد الزيادات التي حصلت في الايرادات، بعد زيادة الحد الادنى الرسمي للأجور ورفع السقف الخاضع للاشتراكات، لم يؤمّن سوى 2400 مليار ليرة لبنانية سنوياً أي 10% ممّا هو مطلوب. بالتالي، نحن بحاجة الى رفع الحد الأدنى مجدداً"، مشدداً على أنّه "يجب على الدولة التدخل لإيجاد حلول لأمور الضمان الاجتماعي، إن من خلال دفع المتوجبات عليها للصندوق، أو من خلال تأمين مساعدات وهبات خارجية لفرع الضمان الصحي، أو حتى إعطاء قروض طويلة الأمد"، معتبراً أنّه "من دون تدخل سريع وفعّال للدولة لا يمكننا الذهاب بعيداً، لذا عليها ان تتحمل مسؤوليتها في ما آلت إليه أحوال البلاد".
ويؤكّد كركي أنّه "اذا بقي الحال على ما هو عليه، سيزيد عدد الذين سيتطببون على حساب وزارة الصحة بشكل هائل، مما سيثقل موازنة الدولة "العاجزة أصلاً"، مشيرة الى انه "من مصلحة الدولة إعادة تفعيل ومساندة الضمان الاجتماعي، لأن مساهمتها الحالية فيه لا تتخطّى الـ25% من التقديمات".
في هذا الإطار، يذكّر كركي "بضرورة تزويد الصندوق بجزء من حقوق السحب الخاصة المتأتية من صندوق النقد الدولي إلى الدولة اللبنانية والتي بلغت 1137 مليون دولار أميركي"، لافتاً الى أنه "سبق وطالبنا بتخصيص الضمان بـ100 مليون دولار أميركي أو 200 مليون دولار اميركي، منها لدعم فرع التقديمات الصحية".
بين وزارة الصحّة و"الضمان"... تفاوت غير منطقي!
من الواضح والجليّ أن مرضى الضمان "بِ زيت" نسبة لما يلقاه المرضى الآخرون من تقديمات صحيّة؛ فحتّى من يدخل المستشفى على نفقة وزارة الصحّة، يحظى بنسبة تغطية تفوق "المضمون".
مدير عام "الضمان" يؤكّد لـ"لبنان 24" في هذا الشأن، أن النائب بلال عبدالله، رئيس لجنة الصحّة النيابية، يسعى جاهداً لإرساء العدالة بين المرضى المضمونين وأولئك الذين يتلقون علاجاتهم بتغطية من وزارة الصحة.
وبالنسبة لكركي، من غير المنطقي أن يلقى الشخص الذي يتعالج على حساب وزارة الصحة والذي لا يسدد أية اشتراكات، نسبة تغطية أعلى من المريض المضمون الذي يقوم بتسديد الاشتراكات هو وصاحب العمل. لذا، يعتبر أنه "كان من الأجدى في سبيل إرساء العدالة الاجتماعية، أن تقوم الدولة برعاية زيادة التعرفات في الصناديق الضامنة كافة بالنسب عينها، كي لا تظلم فئة وتنصف فئة أخرى".
ويستطرد كركي إلى الإشارة "للجهود التي يبذلها عبدالله مع وزير المالية لسداد الديون المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتي تجاوزت الـ5000 مليار ليرة لبنانية مع نهاية العام 2021".
نتائج إيجابية ولكن
لإنصاف الأجراء في ظلّ تحوّل القطاعات الطبية نحو الدولرة النقدية وانحدار مستوى التغطية الصحية، يعقد "الضمان" سلسلة اجتماعات مع الهيئات الاقتصادية، إلّا أن القرار النهائي يتخذ في لجنة المؤشر التي يترأسها وزير العمل مصطفى بيرم. وقد توصلت اللجنة مبدئياً الى نتائج إيجابية، وفقاً لكركي الذي يشير الى أن "لا أرقام نهائية بعد".
ويكشف كركي أن "الأرقام التي تم الاتفاق عليها، قبل إقرار الـ15000 ليرة لبنانية للدولار الجمركي وإقرار اعتماد سعر صرف 15000 ليرة لبنانية، تدور حول مبلغ 5 ملايين ليرة (أسوة بما يتقاضاه موظفو القطاع العام حالياً)". ويتابع: "نحن بانتظار اتخاذ القرار النهائي، فإمّا يتم إقرار ما تم الاتفاق عليه في مهلة أقصاها مطلع السنة المقبلة، أم يتم التريّث لأخذ المعطيات المستجدّة بعين الاعتبار".
تغطية 50% من كلفة الاستشفاء في الـ2023؟
بالرغم من الجوّ السوداوي السائد والشعور المستمرّ للبنانيين بالقلق وعدم الأمان الصحي، يكشف المدير العام للضمان أنه "كما سبق وذكرنا عن زيادة التعرفة الطبية والاستشفائية، بزيادة نسب التغطية الى 5 أو 6 أضعاف نكون قد وصلنا الى 90% ممّا كانت عليه تقديمات الصندوق في السابق، وذلك بالطبع إن استثنينا الأدوية والمستلزمات الطبية التي تسعّر وتدفع بالعملة الصعبة".
ويضيف كركي: "بشكل عام، أي من دون استثناءات، بزيادة الـ6 أضعاف، سنصل إلى حوالى 40%- 50% من كلفة الاستشفاء".
قد تكون كلفة الحفاظ على فعاليّة "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" الأرخص مهما بلغت، نظراً لخطورة انهيار هذه المؤسسة؛ فحتّى وإن وجد اللبنانيون أن "الحل الصحي الأضمن" يتمثّل بشركات التأمين، سيصطدمون بثمن العقود التأمينية الصحية المدولرة... هنا تختصر خيارات ذوي الدخل المحدود: العلاج المنزلي "بالتي هي أحسن" أم الاستدانة للاستشفاء كما يجب؟ الخيار لغالبية هؤلاء محسوم!