كتبت "الأخبار": تقدّمت بلدية فاريا من المجلس الأعلى للتنظيم المدني بطلب الموافقة على تعديل نظام منطقة كانت معدّة للاستملاك من قبل وزارة الطاقة والمياه في محيط سدّ شبروح، بهدف تصنيفها كمنطقة سكن خاص وسياحة، إضافة إلى رفع عوامل الاستثمار فيها، أي المساحة المسموح بناؤها، من 1% في عقارات المنطقة المذكورة إلى عوامل استثمار سطحية 10% و 25%، وعوامل استثمار عامة 0.2 و0.5%. ويتبيّن من الطلب المقدّم أنه لم يتضمن في المستندات المرفقة به أي دراسة أثر بيئي، إنما اكتفى بعرض كتاب وزارة الطاقة والمياه الرقم 2183 وتاريخ 15/3/2022 المتعلق برفع إشارة الاستملاك عن منطقة سدّ شبروح. أُدرج طلب البلدية على جدول أعمال المجلس الأعلى للتنظيم المدني في 16 تشرين الثاني المنصرم، ورُفض في الجلسة نفسها.
وينفي رئيس بلدية فاريا ميشال سلامة أن يكون تقدّم بطلب لتعديل نظام المنطقة المحيطة بسدّ شبروح ورفع عوامل الاستثمار فيها، ويشير إلى أنه اكتفى «بإبلاغ المجلس عن نوايا البلدية، التي باشرت بتحضير دراسة شاملة فنية وبيئية لتقديمها إلى المجلس».
استملاك ولا استملاك
قضية المنطقة المحيطة بسدّ شبروح ليست جديدة، بل تعود عقوداً إلى الوراء، وإلى ما قبل بناء السدّ، إذ إن «وزارة الطاقة والمياه وضعت إشارة استملاك على الأراضي منذ أكثر من 35 عاماً ومنذ ذلك الحين لم يجرِ استملاكها. وفي هذا ظلم كبير لمالكي الأراضي الذين حُرموا من الاستفادة من أراضيهم. فلماذا لم تُستملك الأراضي طوال هذه المدة؟» بحسب سلامة. ويلفت إلى أن «الجديد هذه المرة يكمن في سعي البلدية إلى التعامل مع القضية من منطلق علمي ووفقاً لدراسات، فيما كانت مراجعات الأهالي والمجالس البلدية السابقة تقتصر على الوساطات وزيارة القوى السياسية النافذة في المنطقة، لكن من دون أيّ جدوى. والملف بعيد كل البعد عن السياسة، أو محاولة تصويره على أنه يعني طرفاً معيناً، كون القوى السياسية كافة تقف إلى جانب مطالب الأهالي».
السؤال المحوري يكمن إذاً في معرفة السبب الأساسي الذي دفع بوزارة الطاقة إلى وضع إشارة استملاك حول هذه الأراضي من الأساس، ولماذا قرّرت فجأة رفع هذه الإشارة، علماً أن الآثار البيئية التي قد تنتج عن مثل هذه الخطوة خطيرة، وقد تعرّض سلامة المياه للتلوّث في حال انتشار العمران حول حرم السدّ. وقد حاولنا التواصل مع الوزارة للوقوف على رأيها، لكن لم يصلنا أي جواب.
لا حاجة إلى دراسة
في هذا السياق يلفت رئيس جمعية الأرض – لبنان، بول أبي راشد إلى أن «المنطقة المعنيّة لا تشكل فقط حرماً للسدّ، بل تُعتبر وفقاً للخطة الشاملة لترتيب الأراضي ممرّاً للأرز، وبالتالي فهي منطقة حساسة بيئياً على أكثر من صعيد، ولذلك فإن أي مخطط لتغيير نظام هذه الأراضي لا يحتاج من الأساس إلى دراسة أثر بيئي، بل يجب أن يُرفض حكماً».
وبحسب تالا علاء الدين، منسّقة قسم البحوث في إستديو أشغال عامة، الذي واكب القضية منذ بدايتها فإن «المشروع المقترح يطرح عدة إشكاليات، منها أن سدّ شبروح والبحيرة من الموارد العامة وتم تنفيذهما بأموال عامة تفوق قيمتها الـ60 مليون دولار، وبالتالي وفي حال رفع إشارة الاستملاك عن المنطقة المحيطة بهما، سوف تعود ملكية العقارات فيها إلى جهات خاصة، وإن جرى بالتوازي رفع عوامل الاستثمار كما هو مطروح سترتفع قيمة العقارات وبالتالي يكون المشروع المطروح بمثابة إثراء غير مشروع. كذلك فإن البناء قد يتركز في نقاط محددة في المنطقة وتحديداً تلك المطلّة أو القريبة من البحيرة، مع ما يستتبع ذلك من أثر بيئي على المياه التي تغذي أقضية كسروان والمتن، ما قد يحوّل بحيرة شبروح إلى ما يشبه بحيرة القرعون الملوّثة. وحسب علمنا لم تستشر وزارة البيئة أو تبدي أي رأي حول الموضوع».
وحول هذه النقطة يشدد سلامة على «غياب أي غايات تجارية أو شخصية. بل على العكس. فمن خلال وضع عامل الاستثمار بنسبة 1% كانت هنالك نية مبيّتة من قبل نافذين ومستثمرين لحثّ المالكين، وهم بأغلبيتهم الكاسحة من أبناء فاريا على بيع أراضيهم بالرخص. ولكننا تصدّينا لهذه المحاولات وطلبنا من الأهالي عدم بيع أراضيهم والصبر في حال نجحنا في تغيير نظام هذه الأراضي».
إلا أن كلّ ما سبق لا ينفي وجود ضرر حتمي وواقعي أصاب ولا يزال مالكي الأراضي المحيطة بسد شبروح، الذين صبروا لعقود ولم تُستملك أراضيهم. وفي هذا الإطار يكشف أبي راشد أن «الحل لا يكون بتغيير تصنيف الأراضي ومنحهم الحق بالبناء بل من خلال مقايضة أراضيهم بأراضٍ أخرى تملكها الدولة ويُسمح بالبناء فيها. وهذا الحلّ قانوني وفق ما تشير إليه المادة 19 من قانون التنظيم المدني التي تنصّ على أنه يمكن للإدارة المستملكة، أو من يخوّله القانون حق طلب الاستملاك، أن تسدد حقوق المالك بتمليكه عقاراً أو أسهماً في عقار مبني أو غير مبني، وأن تسدّد حقوق المستأجر أو المستثمر بتسليمه مأجوراً موازياً للمأجور الذي كان يشغله وفي أقرب مكان ممكن منه».