ما زالت الضبابية تحكُم مسار التحقيقات في ملف حادثة منطقة العاقبية التي أدّت إلى مقتل جنديّ من الكتيبة الإيرلندية التابعة لقوات "اليونيفيل" قبل أيامٍ قليلة جراء إطلاق نار. فحتى الآن، لم تُحسم أي تفاصيل جديدة بشأن الحادثة سوى أنّ بعض جرحى "اليونيفيل" الذين أصيبوا بالحادثة خرجوا من المستشفى بينما كشف تشريح جثة الجندي الضحية أنّه أصيب برصاصتين في الرأس مع الشظايا.
على صعيد المتورّطين، لم تنكشف بعدُ أي معلومات عن هوياتهم وتحديداً أولئك الذين بادروا إلى إطلاق النار باتجاه الآلية العسكرية التابعة لـ"اليونيفيل". إلا أنه ووسط ذلك، فإنّ معلومات أوليّة تُرجّح أن يكون "حزب الله" قد باتت لديه معرفة بالذين تورطوا بإطلاق النار، وسط وجود أجواءٍ "غير محسومة" تتحدث عن أن الحزب قد يُبادر إلى تسليم المتورطين إلى مخابرات الجيش في وقتٍ لاحق، وتحديداً في حال استلامه إياهم أو إلقاء القبض عليهم.
فعلياً، فإنّ مجمل أي كلام سائد اليوم بشأن تحقيقات الحادثة ليس إلا كلاماً بكلام يجري تناقله، لاسيما أنّ حزب الله ومنذ اللحظة الأولى للحادثة نفى أي ضلوع له فيها. وبشكل أو بآخر، قد يكون موقف الحزب صحيحاً، أي أن المتورطين قد لا يكونون حزبيين ومنتمين إليه، لأن أي إطلاق للنار من قبل هؤلاء من دون أي مُبرّر وفي مكان عام، سيؤدي بهم إلى عقوبة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق باستهداف لـ"قوات اليونيفيل" العاملة في الجنوب؟
حتى الآن، فإنّ أغلب المعطيات تشير إلى أنّ الملف الأمني للحادثة في طريقه نحو الإكتمال، لاسيما أن التحقيقات التي تقوم بها مخابرات الجيش تأتي بالتنسيق مع "قوات اليونيفيل". إلا أنه وفي كل الأحوال، فإن النتيجة التي يجب الركون إليها تقتضي أن تكون مُتصلة بتوقيف الفاعلين، إذ أن هذا الأمر هو مطلبٌ لبناني ودولي، ويُجنب الجنوب صراعاتٍ غير محسوبة بين قوات "اليونيفيل" والأهالي. كذلك، فإنّ عدم الوصول إلى أي نتيجة فعلية سيضع لبنان في خانة الإحراج الكبير دولياً وأمام الأمم المتحدة بشكلٍ خاص.
عملياً، فإنه مع دخول الحادثة يومها الرّابع، طُرحت تساؤلاتٍ عن سبب عدم قيام "المخابرات" بمداهمات أو توقيفات سواء في العاقبية أو في محيطها. هنا، وبحسب مصادر مُطلعة، قد يكون السبب في تجنب أيّ إجراء أمني ميداني هو حصول القوى الأمنية على معلومات أوليّة بشأن المتورطين بالتنسيق مع "حزب الله" و حركة "أمل" باعتبار أن المنطقة التي وقعت فيها الحادثة "محسوبة" سياسياً عليهما. وبسبب ذلك، قد يكونُ التريث المتبع أساسه تنفيسُ احتقان المشكلة القائمة، والسعي نحو تبريد الأجواء قليلاً وإنهاء الملف بأقل خسائر وتبعات ممكنة.
مجمل الأحداث القائمة والضبابية المسيطرة تأتي وسط مشهدية "تشكيكٍ" من قبل السلطات الإيرلندية بالتحقيقات اللبنانية. وإذا تم النظر قليلاً في حقيقة الأمر، فإنّ ما يجري على صعيد التحقيقات ليس ممطالة، بل قد يكون تدبيراً ممنهجاً من قبل الدولة اللبنانية للتعاطي مع الملف بحكمة وروية وبالتنسيق مع الجهات السياسية الموجودة في المنطقة منعاً لأي فتنة. إضافة إلى ذلك، فإنّ اتخاذ التحقيقات الوقت الكافي قد يترافق مع إمكانية وجود المتورّط في مكانٍ معروف، وبالتالي فإنّ الحقيقة ليست ضائعة أو تائهة. وفي حال حصول أي تعتيمٍ أو تعمية على المتورطين، عندها كان الحديث سيذهبُ باتجاه آخر.
وهنا، فإنّ الرسالة بشأن تعاون "حزب الله" و"حركة أمل" مع الدولة لتبيان الحقيقة قد وصلت إلى مراجع أساسية في "اليونيفيل"، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يجري التعامل مع الحادث على أنه ناجمٌ عن تصرّف أفراد لا علاقة لها بأي قرار حزبي أو تنظيمي. وحُكماً، فإنّ هذا الأمر سيتعزز بالموقف الدولي الذي يستند إلى أمرٍ أساسي لا يُمكن نفيه وهو أنّ الحادثة كانت مُفاجئة وقد لا يكون مُخططاً لها في الأصل، والدليل أن "اليونيفيل" بنفسها اعترفت أن الآلية المستهدفة ضلّت مسارها المعتاد ودخلت إلى العاقبية التي لا تندرجُ في نطاق عمليّاتها. وبالتالي فإنّ الكلام هذا يحسمُ الأمر الأساس: "الثنائي الشيعي" لن يكون متورطاً بالحادثة كـ"تنظيمات حزبية"، أي أنه لا قرار لإستهداف "اليونيفيل" لأنه لا مصلحة لأحدٍ بذلك وخصوصاً "حزب الله". وبشكل فعلي، فإن أي كلامٍ خارج هذا الإطار سيكونُ استثماراً سياسياً في مكانٍ غير صحيح.