"مش ماشي الحال "... مختصر الاشتباك الذي يفتعله رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع نفسه، في دائرة نبذت شعارات الاصلاح والتغيير منذ البداية، وفي محيط انتفض على العيش المشترك والميثاقية الوطنية حتى حلت البدائل عبر تلك الطائفية وشعار التقسيم المقولب بثوب تجميلي يسمى "اللامركزية الادارية".
توزعت رشقات باسيل بعد اجتماعه بتكتله النيابي بشكل واضح على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعلى الحليف حزب الله، اما الاصابة المباشرة فكانت باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري. اعلنها معركة مفتوحة كردة فعل على الخسارة التي المت به حين لم ينجح البيان الذي اصدره نيابة عن الوزراء التسعة بتحقيق تعطيل جلسة مجلس الوزراء، وحين اعتبر حزب الله ان مشاركة وزراء الثنائي الشيعي واجب وطني انساني لا يمس ابدا بالميثاقية.
حالة "هستيريا" حقيقية يعيشها رئيس التيار الوطني الحر وعواقبها مضرة على البلد الا ان اقسى ما فيها هي تلك المرتدة عليه وعلى الحالة السياسية التي ورثها قبل ان يتولى العماد ميشال عون الرئاسة وخلال سنوات حكمه، ولا احد يضمن ان تكون فعالة بعد نهاية العهد.
حالة التخبط هذه ستحرم باسيل من سكرة الهدايا المجانية التي اعتاد ان يمررها له حزب الله.هو دخل في معركة وهمية، صوّب على مقام رئاسة الحكومة ورئيسها، وخوّن حليفه حزب الله الذي" لم يف بوعوده"، ورمى حياكة " المؤامرة" على الرئيس بري. يرفض قطعا طرح سليمان فرنجيه كمرشح لرئاسة الجمهورية ولا يرغب بالتحدث عن قائد الجيش بعيدا عن اليرزة. .. لكن السؤال، اين سيصرف جبران باسيل كل تلك الخطابات والمعارك واللاءات؟
يعلم او لا يعلم ان الاصداء لا تصل الى الولايات المتحدة الاميركية وان لا شيىء سيتغير، وبالمحصلة كل الذي سبق غير قابل للصرف ولا للترجمة، المعركة خاسرة ووحده الربح سيكون عبر تعميق الانقسام الطائفي- الحزبي الذي يعيد باللاعب الى الصفوف الورائية.
اما مع حليف مار مخايل، فيغضب جبران باسيل على حزب الله الذي يؤيد انعقاد جلسات مجلس الوزراء لان الوضع يتطلب ذلك بالحاح، متناسيا الهامش الذي اعطاه لنفسه بالقول والتصرف وهو ممنوع على غيره. عندما قال جبران باسيل بعد لقائه الاخير مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يتبنى ويتمنى وصول سليمان فرنجيه الى قصر بعبدا ان نصرالله "لايمون علينا "، فأيضا باسيل لايمون على الحزب واولى التجارب الموافقة والمشاركة في جلسة مجلس الوزراء.. وعندما تنشر الجيوش الالكترونية عن تحالف سني- شيعي في وجه المسيحيين- وهو كلام لا ارضية له اساسا - فأيضا للتيار الحر سوابقه بالتحالفات المتنوعة، ينسحب منها عندما تكون مصلحة رئيسه الشخصية تتعارض مع مكتسباته او طموحاته.
لا شك ان جبران باسيل يتخبط بعد خروجه من قصر بعبدا، وهو ليس مستعدا في ظل الصراع على موقع رئاسة الجمهورية ان يعيد النظر بسلوكياته السياسية، غير ان الطريق لن تكون مفتوحة دائما. فالانشقاق في داخل البيت " العوني" يتوسع، والحلف المسيحي الوحيد المتمثل بحزب الطاشناق اصبح خارج خط وحدة المسار والمصير، والعلاقة مع الجبل بكافة اطيافه السياسية بعضها مقفل والاخر متراجع والباقي يتأرجح بحسب التطورات . اما العلاقة مع الثنائي الشيعي، فمع عين التينة من دون تأويلات لم تكن يوما موجودة ولن تكون.
يبقى حزب الله الذي يدخل في اللعبة مع باسيل : لعبة الكف بالكف" والحلبة مفتوحة الى حين..