صيفٌ حافل عاشه لبنان خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بعد نحو 3 سنوات من تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بالبلد إضافة إلى تبعات وباء كورونا وما خلفته من نتائج سلبية على الاقتصاد العالمي ككل.
وشكّلت حملة "اهلا بالهطلة" متنفسا للسياحة اللبنانية وللمؤسسات السياحية وللاقتصاد بشكل عام، ودخل إلى لبنان خلال 3 أشهر نحو 1.5 مليون سائح منهم 75% من المغتربين و25% من العرب والأجانب، وشهدت كافة المناطق اللبنانية حركة ناشطة عوّضت خسائر الأعوام الماضية.
وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار أكد من السراي الحكومي امس ان "الموسم الصيفي سجل نجاحاً كبيراً وأدخل الى البلاد كتلة نقدية بلغت نحو 6 مليار دولار". وأشار في تصريح سابق إلى ان "دراسة اقتصادية أظهرت ان عائدات السياحة بلغت 6.6 مليار دولار، خرج منها نحو 2.5 مليار دولار ثمن مواد نستوردها، واستفاد لبنان بعائدات تزيد عن 4 مليار دولار كاش يتم تداولها بين الناس".
إذن موسم الصيف كان جيدا، وأدخل ارقاما مقبولة من العملة الصعبة، ولكن أين ذهبت هذه الأموال، وماذا عن موسم الخريف والشتاء؟
موسم جيد.. ولكن
رئيس إتحاد النقابات السياحية نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر، أوضح في حديث لـ "لبنان24" ان "ما من إحصاء دقيق لمعرفة حجم الكتلة النقدية التي دخلت إلى البلاد خلال موسم الصيف"، مشددا على ان "الأرقام الصحيحة يجب ان تصدر عن وزارة المال أو مصرف لبنان".
وقال الأشقر:" من المؤكد انه خلال فترة الصيف دخلت الأموال إلى لبنان لكن لا يمكننا تحديد القيمة الحقيقية وهي طبعا ساهمت بإعادة إحياء القطاع السياحي وبإنماء الاقتصاد اللبناني".
وأكد ان "موسم الصيف كان جيدا وقطاع الفنادق والمطاعم شهد إقبالا والبلد كله شهد حركة اقتصادية جيدة ،ولكن المشكلة الكبيرة التي يعاني منها القطاع هي تأمين الطاقة والمياه وارتفاع التكاليف التشغيلية"، مشيراً إلى ان "توليد الكهرباء يُكلف القطاعات السياحية أكثر من 33 بالمئة من المصاريف التي تضعها المؤسسات السياحية". واعتبر ان "تأمين المازوت والمياه للمؤسسات السياحية ضرب المداخيل".
وعن إعادة افتتاح أحد الفنادق الكبرى في بيروت (فينيسيا) مؤخرا بعد إقفال استمر لسنتين، اعتبر الأشقر ان "هذا الأمر يؤكد ايمان اللبناني بأرضه على الرغم من كل الصعوبات وان لبنان لديه كل المقومات السياحية والقدرات والطاقات الهائلة على كافة الصعد وعلى الرغم من الانهيار الحاصل يبدع اللبناني في كافة المجالات، كما ان أصحاب المؤسسات السياحية لا زالوا مؤمنين ومصرين على مواصلة الطريق".
وأشار الأشقر إلى ان "القطاع مقبل على ركود في موسم الخريف بانتظار فترة أعياد الميلاد ورأس السنة"، وشدد على ان "انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وعودة العلاقات مع دول الخليج إلى طبيعتها تُساهم بعودة لبنان إلى الخارطة السياحية".
هذه القطاعات المستفيدة
من جهته، اعتبر الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة عبر "لبنان 24" ان "حملة "أهلا بهالطلة" كان المقصود منها استرجاع اللبنانيين المغتربين والمنتشرين لفترة زمنية يقضونها في لبنان وتحريك العجلة الاقتصادية وخاصة القطاع السياحي والخدماتي أي المطاعم والمسابح والفنادق، وقد نجحت بذلك".
ولفت إلى ان "لبنان، يعتمد في السنوات الأخيرة بشكل أساسي على التدفقات المالية التي ترد من المغتربين إلى ذويهم إضافة إلى المساعدات التي تحوّل عبر المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني ولجان الانتشار اللبنانية التي أرسلت العديد من المساعدات سواء بعد انفجار مرفأ بيروت أو عبر المساعدات للقطاع التربوي والاستشفائي وهذه الأموال كانت تقدر بـ 6 مليار ونصف دولار سنوياً، وبالتالي الرقم الذي صرّح عنه وزير السياحة مؤخرا مبني بالكامل على هذه التدفقات المالية".
ورأى الخبير الاقتصادي ان "القطاعات التي استفادت من هذه الحركة السياحية هي القطاعات الفندقية أي المطاعم والفنادق والمسابح وبعض الأماكن السياحية بنسبة تراوحت ما بين 60 إلى 70 بالمئة وفي المناطق السياحية فقط"، معتبرا ان الفائدة المباشرة لحملة "أهلا بهالطلة" لا تتعدى الـ 800 مليون دولار وفق الإحصاءات والدراسات التي صدرت.
وشدد على ان "رقم الـ 6 مليار دولار يشمل التدفقات والتحويلات من منظمات المجتمع المدني والجهات المانحة والأمم المتحدة والتي من المتوقع ان تصل جميعها خلال العام 2022 إلى 8 مليار دولار وبالتالي الرقم الذي أعلن عنه وزير السياحة مبني على هذا التقدير".
وأشار إلى ان "هذه الحملة ساهمت بإعطاء صورة تسويقية جيدة للبنان وحرّكت القطاعات السياحية، لكن الأموال التي دخلت لم تستفد منها خزينة الدولة انما دخلت في الدورة الاقتصادية" .
وأوضح ان خزينة الدولة تستفيد من هذه الأموال عند دفع المؤسسات الضرائب، وقال: "من الطبيعي ان في حركة المغتربين التي حصلت ضرائب غير مباشرة أفادت الخزينة على سبيل المثال من خلال الضريبة على المحروقات وجوازات السفر والطوابع ورسم الدخول إلى لبنان".
ولفت إلى ان "الأموال التي دخلت خزينة الدولة دخلت إلى الدورة الاقتصادية واستُخدمت في دعم سعر الصرف بالطريقة التي يعمل بها حاليا النظام المالي اللبناني الذي يفتش عن الدولارات لتدخل إلى مصرف لبنان عبر منصة صيرفة ويعود وينفقها دولارات في السوق لضبط سعر الصرف".
ولا بد من الإشارة إلى ان دخل لبنان من القطاع السياحي كان في سنوات سابقة نحو 7 مليارات دولار، واستحوذ القطاع السياحي حتى عام 2019 على قرابة 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن يتراجع دون 10 بالمئة في السنوات الأخيرة بسبب الأزمة المالية.