كتبت إيفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
قيل الكثير عن ترسيم الحدود البحرية، وعلت الأصوات والتحذيرات من خسارة لبنان لحصته في حقل «كاريش»، والتي كان يمكن ان يستعملها كورقة لتحصين موقفه التفاوضي. لكن الملف أُهمل بشكل متعمّد، حتى خسر لبنان معركة ترسيم الحدود وحقوقه البحرية من الخط 29. والواقع، انّ أي تفاوض في المستقبل سينطلق من الخط صفر الى الخط 23.
لا يزال أمام لبنان 10 أيام مصيرية للتحرّك باتجاه الأمم المتحدة وتعديل المرسوم 6433، والذي يفيد بأنّ حدود لبنان البحرية هي الخط 29 استناداً الى خرائط الجيش اللبناني، وكان المطلوب إرسال وثيقة رسمية بذلك الى الامم المتحدة منذ أكثر من سنتين. واليوم، وبعد ان باتت اسرائيل قاب قوسين من بدء الانتاج، فإنّ حظوظ لبنان تضاءلت كثيراً، وبالنتيجة خسرنا بالإهمال و«التطنيش» المتعمّد نحو 1460 كلم مربعاً من الحدود البحرية.
يقول الخبير النفطي عبود زهر لـ«الجمهورية»، انّ باخرة الإنتاج FPSO تصل في غضون 10 ايام الى اسرائيل، حيث سيتمّ شبكها لتبدأ باستخراج الغاز وضخّه، خلال مدة تتراوح ما بين الشهر والشهر والنصف من حقل «كاريش» الى اليابسة، لغرض توليد الكهرباء، بعدما سبق لشركة «اينيرجيان» أن وقّعت اكثر من عقد مع شركات اسرائيلية لهذه الغاية.
وأكّد، انّه بمجرد بدء ضخ الغاز من حقل «كاريش» يكون سقط حق لبنان كلياً بالمطالبة بأي حصة بالحقل. وعليه، يكون قد فات الأوان واصبحنا أمام امر واقع.
وأكّد زهر، انّه كانت أمامنا فرصة للتحرّك منذ نحو السنتين لتحصيل حقوق لبنان البحرية، لافتاً الى انّ شركة «اينيرجيان» أعدّت لهذه المرحلة، أي بدء ضخ الغاز، ما بين 5 الى 6 سنوات، كان متاحاً خلالها للبنان الاعتراض والتحرك دفاعاً عمّا هو من حقه. أما اليوم، ما عاد ينفع ان يستفيق لبنان في خلال الساعات الاخيرة على حقوقه.
وقال زهر: «من المتعارف عليه دولياً، انّه عندما يبدأ أي حقل بضخ الغاز لا يمكن بعدها لأحد ان يطالب به، وعليه يكون لبنان تنازل عن حقه علناً بالخط 29». لكن هل هذا يعني قبول لبنان بما سبق وطرحه هوكشتاين؟ يقول زهر: «للأسف انّ السياسة اللبنانية هي سياسة التجاهل و«التنييم»، حيث انّ السلطة اللبنانية تجاهلت الردّ على هوكشتاين لتجنّب المواجهة مع الجانب الاميركي، خصوصاً اننا كنا على ابواب انتخابات، فتمّ اعتماد سياسة «التطنيش» عن تعديل المرسوم».
وعليه يسقط في خلال ايام حق لبنان كلياً بحقل «كاريش»، إلى جانب 1460 كلم مربعاً من الحدود البحرية، والتي هي عبارة عن مساحات هائلة، كان يمكن ان تحوي حقولاً نفطية اخرى. كما انّ الواقع الجديد يفرض على لبنان ان يبدأ التفاوض اعتباراً من الخط صفر الى الخط 23. وحكماً انّ بدء التفاوض انطلاقاً من الخط 23، فهذا يعني اننا سنحصل على أقل منه.
بناءً عليه، يكون لبنان خسر المعركة بالإهمال المتعمّد، وبالتالي ما عاد لاسرائيل أي مصلحة للتفاوض على ترسيم الحدود. إذ بعد ان نالت مبتغاها، الا وهو حقل «كاريش» كاملاً، ستماطل بالترسيم الذي قد يمتد 20 عاماً.
من جهة أخرى، توقف زهر عند تمديد مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت في 5 ايار فترة الاستكشاف، أي البدء بحفر بئر استكشافي لشركة «توتال» 3 سنوات للبلوك 9، تنتهي في العام 2025، وسنة للبلوك 4 تنتهي في العام 2023، بعدما كانت المهلة النهائية للبدء بالحفر في شهر تشرين الاول من العام 2022. اما حجّة الوزارة، فهي انّ الوضع المالي والاقتصادي في لبنان لا يسمح لها بالعمل، بينما في الحقيقة انّ الشركات العالمية لا تتوقف عند هذه الحجة، بدليل انّ «توتال» مثلاً تعمل ببلدان مثل افريقيا، حيث وضعها المالي اسوأ بكثير من وضع لبنان، ما يعني انّ هذه الحجة غير صحيحة، والأصح انّ هناك «تطفيشاً» للشركات العالمية، بدليل عدم تقدّم الشركات او تحالف الشركات بعروض لتلزيم اي من البلوكات الـ8 المعروضة، رغم انّ دورة التراخيص المفتوحة لمدة 6 اشهر تنتهي في 15 حزيران أي بعد 15 يوماً. وهذا الامر معيب، ويعكس عدم حماس الدول للعمل في لبنان. كما نخشى ان تكون السياسة العالمية أعطت إشارة بأنّه من غير المستحب استكمال العمل راهناً في لبنان.
واستبعد زهر ان يكون تأجيل «توتال» التنقيب في لبنان يعود لأسباب تتعلق بترسيم الحدود، انما ربما لحسابات استراتيجية داخلية، منها الّا تكون مهتمة حالياً بالغاز اللبناني إنما بالغاز القبرصي.