كتب حسن الدر في “اللواء”:
إذا “نبيه بري مش رئيس نحن مش نواب”..
بهذه العبارة أجاب النائب «قبلان قبلان» على سؤال أحد الصّحفيين عن إمكانيّة ترشيحه، هو أو غيره من نواب حركة «أمل»، بديلًا من الرئيس «نبيه بري» بعد السجال الذي بدأه سمير جعجع واستكمله لاحقًا جبران باسيل.
جواب «قبلان» كان تلقائيًّا وعفويًّا، ولكن، هذه الجملة تحمل الكثير من المضامين، وتدلّ على فهم عمق الدّور والموقع والرّمزيّة الّتي يمثّلها الرّئيس «نبيه بري» في هذه المرحلة الاستثنائيّة، كما كلّ المراحل السّابقة الّتي كان فيها قطب رحى العمل السّياسي وعرّاب الحلول لكلّ الأزمات السّياسيّة والوطنيّة على اختلاف أحجامها وأبعادها.
وبعدما انتقلنا من جنون الخطابات التّحريضيّة، قبل الانتخابات النّيابيّة، إلى فوضى الأرقام بعد فرز النّتائج ودخلنا في بازار الاصطفافات وتشكيل الكتل، كان بارزًا التّصويب المباشر على الرّئيس «نبيه برّي» من الخصوم، وهذا طبيعي، ومن بعض الحلفاء، وهذا مستغرب في توقيته وخلفيّاته!
فبعد كلمة رئيس حزب القوّات وشروطه على رئاسة المجلس، طالعنا رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ بخطاب مُعاد مكرّر، كأنّ شيئا لم يكن، وكأنّ الواقع النّيابي الجديد مريح له وللبنان، وكأنّ المرحلة تحتمل هذا النّوع من إنكار الواقع والاستمرار بلغة المناكفات والنّكد السّياسيّ الّذي لا يسمن ولا يُغني من جوع.
أبرز مثالب خطاب «باسيل» تنكّره لليد الّتي امتدّت إليه وأنقذته من خسارة فادحة تثبتها الأرقام الرّسميّة لنتائج الانتخابات النّيابيّة، والأدهى أنّه منّنَ حليفه الأساسيّ «حزب الله» بمنع خرق الكتلة الشّيعيّة في «جبيل»، ولم يشكر له تعويمه في زحلة والبقاع الغربي وبيروت وبعبدا، على أقلّ تقدير.
وبدل أن يمدّ اليد لفتح صفحة جديدة على غرار ما فعل الرّئيس «نبيه برّي» والسيد «حسن نصرالله» في خطابهما بعدالانتخابات، آثر الامعان في إحراج الثّنائي والتّصويب على الرّئيس «نبيه برّي» على أعتاب الاستحقاق الأوّل للمجلس الجديد.
يعلم «باسيل» بأنّ استهداف «بري» ومحاولة إضعافه يصبّان في سياق استهداف حزب الله، ويتماهيان مع أهداف خصوم «باسيل» نفسه، وهذا معلن من قبلهم ومن قبل خصوم الحزب وأعدائه في الدّاخل والخارج.
ويعلم أيضًا بأنّ الكتلة الشّيعيّة واحدة وصلبة ولا مكان لخرقها بموقف من هنا وتصريح من هناك، وأنّ بقاء الرئيس «برّي» على رأس السّلطة التّشريعيّة مطلب «حزب الله» كما حركة «أمل»، إن لم يكن أكثر!
فما معنى هجوم «باسيل» غير المبرّر؟
إذا كان يخاطب البيئة المسيحيّة لاعادة ترميم ما خسره فهو واهم، لأنّ سياسة «إجر بالبور وإجر بالفلاحة» هي الّتي أوصلته إلى ما وصل إليه، وإذا كان فعلًا لا يريد أن يكون جزءًا من محور داخليّ أو خارجيّ فهذا موقف يرتّب آثارًا عليه تحمّلها بعد حسم خياراته.
وعليه أن يقتنع بأنّ مقاربة حركة «أمل» و«حزب الله» للملفّات الدّاخليّة والخارجيّة الكبرى واحدة، وبالتّالي لا إمكانيّة للفصل بينهما، وعلى هذا الأساس عليه أن يبني مواقفه وخياراته.
وإذا كان خطاب الوزير «باسيل» تمهيدًا لخوض غمار استحقاق رئاسة الجمهورية فعليه الانتباه إلى الميثاقيّة «الشّيعيّة» المضمونة في يد الثّنائي، وأنّ ظروف العام 2016 تغيّرت وما انطبق على الرّئيس «ميشال عون» لا ينطبق عليه، لا في الظّروف المحليّة والاقليميّة ولا في المواصفات الشّخصيّة.
أمّا إذا كان خطابه «فشّة خلق» وانتشاءً بالنتيجة الّتي حقّقها تيّاره رغم التّحدّيات الّتي عدّدها «باسيل»، وهو محقّ فيها،فأمامه جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب ليثبت استيعابه دروس التّجربة الماضية وقراءة ما بين سطورها.
بالعودة إلى ردّ النّائب «قبلان قبلان» فهناك موقف ثابت وراسخ لدى الثّنائي الوطني: رئاسة نبيه بري لمجلس النّوّاب تمثّل خطّ دفاع أوّل عن ثابتتين أساسيّتين: السّلم الأهلي والمقاومة، وإذا كان للبعض حسابات أخرى فللثنائي حساب واحد: لا نوّاب ولا مجلساً نيابياً من دون «نبيه بري» رئيساً!
وإذا كان هناك من يريد تعميم الفراغ في كامل مؤسّسات الدّولة وتكريس الشّلل تصديقًا لنبوءة «ديفيد هيل» فليس من المنطق السّياسيّ أن يضع «باسيل» نفسه وتيّاره في صفّ «جعجع» وقوّاته في مواجهة ثنائي حركة «أمل» و«حزب الله»!