كتب غاصب المختار في “اللواء”:
بدأ مجلس النواب الجديد امس الاحد، ولايته للسنوات الاربع المقبلة، وامامه استحقاقات كبيرة وخطيرة ليس اقلها تشكيل مطبخه للتشريع من رئاسة المجلس ونيابة الرئيس وهيئة المكتب، ومن ثم تسمية رئيس جديد للحكومة، على امل ألّا يطول تشكيل الحكومة، والتي ستكون لمدة خمسة اشهر حتى نهاية تشرين الاول موعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية، وحيث من المفترض ان يتم تتخاب الرئيس الجديد قبل هذا التاريخ. عدا استحقاقات تشريع قوانين جديدة تواكب مرحلة الاصلاحات والانقاذ المرتقبة.
لكن المجلس النيابي الجديد لم يعد كما كان المجلس السابق، اكثرية واقلية وبعض المستقلين، فثمة اصطفافات جديدة ستتبلور خلال الاسبوعين المقبلين عمادها نواب «قوى التغيير» والمستقلين وعددهم نحو ثلاثين نائباً، ما من شأنه ان يقلب المعادلات حسبما ترسو عليه تشكيلة الكتل الجديدة. علماً ان بعض المصادر تفيد ان هؤلاء لن يكونوا كتلة واحدة لتنوع مشارب وتوجهات كل مجموعة وخياراتها السياسية واولويات مشاريعها التي ستحكم المرحلة المقبلة. وبقطع النظرعن أي اكثرية او اقلية او تكتلات ستشكل في البرلمان الجديد، فالمشكلات المطروحة اكبرمن ان يتصدى لها فريق سياسي واحد، لاسيما مع وجود كتل اخرى كبيرة وازنة، ومع التدخلات الخارجية في كل كبيرة وصغيرة في لبنان، وارتباطات للقوى المحلية بالقوى الاقليمية والدولية.
صحيح ان قوى المعارضة المستجدة والتغيير والمستقلين حصدت نسبة كبيرة من النواب تفوق النصف زائداً واحداً، لكن الصحيح ايضاً ان المجلس تشكّل من مجموعة تكتلات ومجموعات من الصعب فرز مكوناتها المتعددة بدقّة ووضع كلّ منها في المكان الصحيح، ليستقر المجلس على تركيبة واضحة ثابتة، وهو امر بحاجة لبعض الوقت لحين اتضاح إتجاهات القوى الاقليمية والدولية قبل المحلية، في كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة في لبنان، هل بمزيد من التشدد والحصار والعقوبات ام بليونة لتحقيق التغيير المطلوب في التوازنات القائمة.
وقد بدأت تظهر بعض الملامح على تغيّرات محتملة في التركيبة، مع تبيان توجهات بعض النواب الجدد ذوي الميول اليسارية والقومية الناصرية، والذين لن ينساقوا الى مشروع نواب التغيير والمعارضة الاخرين بالصدام مع قوى المقاومة وحلفائها، عدا ترقب ما سيكون عليه موقف بعض النواب المستقلين من التموضع، او دور الرئيس سعد الحريري في توجيه من «يمون» عليهم من نواب «قدامى تيار المستقبل». علماً ان بعض الفائزين المستقلين بالتحالف مع بعض الاحزاب اعلنوا لمتصلين بهم انهم لن يكونوا من ضمن كتلة اي حزب.
وحسب استطلاع «اللواء» مع الكتل الاساسية من طرفي تشكيلة المجلس، تراوحت اولياتها بين: معالجة سعر الدولار والغلاء.استكمال المسار الاصلاحي وانهاء مسار الاتفاق مع صندوق النقد وانجاز المطلوب منه من تشريعات، بإقرار الموازنة العامة وخطة التعافي وتوزيع الخسائر واعادة هيكلة المصارف ورفع السرية المصرفية وقانون الكابيتال كونترول. وان جزءًا كبيراً من الاصلاحات يستلزم قوانين جديدة ووضع قوانين رقابية بالترابط مع استقلالية القضاء. وتشكيل الهيئات الناظمة للوزارات والادارات. تشكيل الحكومة الالكترونية للحد من الفساد. تحديث النظام الضريبي وحماية الطبقات الشعبية. إقرار قانون ضمان الشيخوخة، معالجة أزمة الطبابة والدواء، الغاء الوكالات الحصرية، خصخصة جزئية أو كلية للعديد من المؤسسات والقطاعات العامة، عدا موضوع عودة النازحين السوريين الذي حركته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي… وسواها من مشاريع وخطط. حتى ان بعض المشاريع والقوانين التي أُقرّت بحاجة الى مراسيم تطبيقية لم تصدر فبقيت حبراً على ورق.
لكن ثمة من يرى ان هناك اولوية ايضاً لوضع قانون انتخابي جديد خارج المحاصصات والمصالح السياسية والطائفية للقوى السياسية، يراعي صحة التمثيل ويوفر الشفافية والعدالة ويؤسس لبناء الدولة المدنية.
ولا بد من السؤال: اي انجازات سيحققها هذا المجلس ما لم تهدأ الرؤوس الحامية ويجلس الجميع تحت قبة البرلمان للتفكير سويا في كيفية اخراج البلد من ازمته؟ وهل بإمكان اغلبية البرلمان الجديد المحكي عنها، ان تُغيّر التوازنات السياسية والطائفية في البلد، وقد اثبتت التجربة ان الاكثرية السابقة من حلفاء المقاومة لم تستطع او لم تَرِدْ الغاء اي طرف سياسي، بل تعاونت مع خصومها في التشريع، واحياناً تواطأت معهم لوقف مشاريع واقتراحات قوانين معينة.
لا بد من ترقّب أداء قوى التغيير والمستقلين والمعارضة الحزبية المستجدة، ليُبنى على الامر الحُكْم النهائي.