ليس خافياً على أحد بأنّ رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل ذاق طعم المرارة مرّتين، على الأقلّ في مسيرته الانتخابية. في انتخابات عام 2005، مني بخسارة أولى، وفي عام 2009 بخسارة ثانية كانت قاسمة فجعلت منه مستذئباً وزارياً ينطّ من وزارة الاتصالات إلى وزارة الطاقة وصولاً إلى وزارة الخارجية إلى أن غذّى طموحه الطبيعي في رئاسة الجمهورية، أولاً كابن الطائفة المارونية ثانياً كرئيس لحزب وكتلة نيابية وأخرى وزارية وثالثاً كصهر عهد.
مرارة الخسارتين الانتخابيتين طبعت مسيرة جبران باسيل السياسية، على اعتبار أنه رجل سياسي تمّ فعلياً تفصيل القانون الانتخابي على قياسه ليكسب مقعداً نيابياً يتيح له الجلوس على طاولة الكبار. أو لكان ظلّ كمحرّكين سياسيين آخرين يديرون اللعبة من الخارج، كمدير فنيّ أو مدرّب في الرياضات المختلفة. لكن شخصية جبران باسيل لا يتوقّف طموحها عند هذا الحد، عليه ممارسة الشعبوية في أدائه واجتماعاته وخطاباته وتنقلّاته، حتى تلك القاتلة والمثيرة للفتنة بين مختلف المناطق.
خسر جبران باسيل مرة أولى، ومرة ثانية ونجح في المرة الثالثة بعد أن تم تأجيل الانتخابات على مرحلتين تحديداً لتطريز القانون الانتخابي. قد يبدو ضرباً من الجنون التفكير في إمكانية سقوط جبران باسيل في الانتخابات لمرة ثالثة بعد كل مجهود التأجيل والتعطيل والفبكرة الانتخابية التي قام به طيلة السنوات الماضية. يعلم جبران باسيل أنّ سقوطه الانتخابي إن تمّ في البترون 2022 يكون قد وضع نفسه كلياً على هامش الحياة السياسية.
حتى أنّ لائحة باسيل في دائرة الشمال الثالثة فيها الحدّ الأدنى من المرشحين، حتى لا يقاس حجم السقوط الانتخابي في هذه الدائرة نسبة على عدد المرشحين الخاسرين. من كل هذه الدائرة همّه وهمّ التيار الوطني الحرّ تأمين الحاصل الانتخابي، مع أصوات تفضيلية مكرّسة تنظيمياً لصالح باسيل بالاسم، ولا أحد غيره.
إسقاط جبران باسيل في البترون، إن تمّ ولو أنه يبدو ضرباً من الخيال، يعني القضاء عليه سياسياً. رجل راسب في الانتخابات في دورتين متتالتين، احتلّ الوزارات غصباً عن القوانين التنظيمية التي وضعها هو لاحقاً في منع الازدواجية بين النيابة والوزارة. كل مشاريعه الخدماتية لمنطقة البترون تكون قد ذهبت سداً، وكل معاركه التنظيمية ضد منافسيه في رئاسة التيار باتت في المجهول. سقوط حبران باسيل في البترون يعني أيضاً سقوط آخر أحجار العهد، العهد القوي الذي قادنا خلاله التيار الوطني الحرّ إلى الانهيار الشامل وعصر الأزمات التي لا حلول لها على المدى المنظور.
سقوط جبران باسيل في البترون، يعني سقوط حزب الله ولا شيء آخر، فالأمين العام للحزب سبق ووعد جمهوره بأنّ انتخابات 2022 هي انتخابات دعم الحلفاء لتأمين أكبر عدد ممكن من المقاعد. وهنا أهمية أخرى، لكون باسيل يختزعل عهداً ونهجاً ومحوراً ونمطاً سياسياً.