ليس استكباراً على القضاء ولا تمرداً على القانون ألا يحضر النائب السابق فارس سعيد إلى قصر العدل في بعبدا اليوم للمثول أمام القاضي زياد دغيدي، في الدعوى المقدمة ضده من قبل حزب الله بـ”جرم إثارة النعرات الطائفية والحرب الأهلية والاقتتال”، بل حضر وفد من المحامين المكلفين الدفاع عنه، وذلك الى حين بت طلب نقل الدعوى التي تقدم بها وكيله المحامي بطرس حرب من بعبدا إلى بيروت.
عدم حضوره شخصيا يعود إلى أنه لم يتبلغ الدعوى، ولو كانت هناك نية بالتهرب لما فعلها في 13 كانون الأولالماضي حيث حضربالفعل مع وكيله المحامي بطرس حرب، ولكن بموجب إضراب المساعدين القضائيين تم تأجيل جلسة الاستماع إلى موعد لاحق. إلا أن ذاك اليوم لم ينته على خير إذ وقع إشكال خارج قصر العدل بين مؤيدي حزب الله والمجموعات التي حضرت دعما للنائب السابق سعيد والحريات العامة فكانت هذه الواقعة بمثابة امتحان جديد وصعب للقضاء نفسه.
وكيل سعيد المحامي بطرس حرب يشرح لـ”المركزية” الأسباب التي دفعت وكلاء سعيد إلى طلب نقل الدعوى من قصر العدل في بعبدا إلى بيروت ويقول: “بصرف النظر عن قانونية الدعوى او عدمها شكلا لعدم الصفة القانونية لـ”حزب الله” في اقامة دعوى، إلا أن ما حصل في الجلسة الأخيرة التي حضرها النائب السابق فارس سعيد شخصيا بعد خروجه من الجلسة حيث وقع إشكال بين مؤيدين لحزب الله من جهة وبعض مؤيدي سعيد والحريات العامة في لبنان. واعتبرنا ان هذا الحدث يعرض السلامة العامة للخطر خصوصا وأن التهديدات التي كان يتلقاها سعيد لا تزال مستمرة. وحفاظا منا على حياة الدكتور سعيد والسلامة العامة تقدمنا بطلب نقل الدعوى من بعبدا إلى بيروت، بحيث يمكن ضبطها أكثر مما هي الحال في بعبدا الخاضعة أمنيا لسيطرة حزب الله العسكرية، وذلك استنادا لأصول المحاكمات الجزائية الذي يعطي كل فرد ووزير العدل أيضا حق رد الدعوى من خلال تقديم الطلب إلى النائب العام التمييزي الذي يرفعه أمام محكمة التمييز شارحا فيه الأسباب ويعود إليها القرار بإصدارالإذن إما بنقلها أو عدم نقلها”.
بعد تقديم طلب نقل الدعوى من قبل وكلاء سعيد أمام المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أصدر الأخير قرارا بنقله إلى محكمة التمييز “مما يعني أنه موافق على قرار نقله وإلا لم يكن ليتوقف عنده”. ويضيف حرب: “إلى ذلك قمنا بزيارة وزير العدل هنري خوري وقدمنا له الطلب إذ يحق له أن يطلب من المدعي العام التمييزي ان يطلب من محكمة التمييز الجزائية إصدار هذا القرار ونحن بانتظارأن تصدر هذه المحكمة قرارها في هذا الموضوع. واليوم تبلغنا أن هناك جلسة لكن لم يتم تبليغنا. على رغم ذلك قررنا أن نكون حاضرين للتأكيد على التزامنا بالحضور ومتابعة الموضوع . إلا أنها تأجلت بسبب عدم تبليغنا وفي انتظار قرار محكمة التمييز الجزائية”.
لكن من يجزم بأن أمن قصر العدل في بيروت مصان ومضبوط أكثر مما هو عليه قصر العدل في بعبدا؟ وهل سلطة الترهيب التي يمارسها حزب الله عاجزة عن الوصول إلى أية بقعة جغرافية في بيروت تحديدا ولبنان في العموم؟ يجيب حرب: “لا أمن مصانا في لبنان في المطلق، لكن يحدث أن تكون هناك بقع جغرافية معينة مضبوطة أمنيا أكثر من سواها. ففي قصر العدل في بيروت مثلا يمكن الدخول والخروج منه بالحد الأدنى من الحماية الأمنية عدا عن مساحته الشاسعة والتدابير الأمنية التي تمنع دخول أي مسلح إليه والأهم أن إمكانية حصول إشكال بين هذا الفريق أو ذاك غير واردة كما الحال في قصر عدل بعبدا. لذلك طالبنا بنقل الدعوى”.
التعمية عن واقع الإحتلال الإيراني لم تعد خافية على أحد فهل تكون هذه الدعوى بمثابة رسالة لكم أفواه المطالبين برفع نير السيطرة الإيرانية على لبنان؟ “طالما أن حزب الله لجأ إلى القضاء فسنواجهه بسلاح العدل ورهاننا كان ولا يزال على القضاء للبت في الدعوى. وعندما يصدر قرار محكمة التمييز الجزائية بالموافقة على نقل الطلب سنتقدم بالدفوع الشكلية أمام قاضي التحقيق”.
ويختم: “ثقتنا بالقضاء ليست كما يجب، إلا أننا لا نزال نراهن على وجود قضاة مستقلين. خيارنا هو حماية المؤسسات وتعزيز وجودها على رغم بعض المفاجآت غير السارة التي تصدر عن مواقع القرار والسلطة القضائية التي تتحكم بها السلطة السياسية وتسيرها. لكن لا خيار أمامنا إلا القضاء فهو ملاذنا الوحيد وعلينا أن نسعى لتأمين استقلاليته وتطهيره من العناصر الفاسدة، سيما وان هناك عناصر ممتازة”.