تتحدث مصادر سياسية مراقبة عن قطبة مخفية تكمن خلف التعثر الذي يطبع مسار التشكيل منذ لحظة صدور مرسوم تكليف الحريري.
المصادر تقول لـ”المركزية” إن السبب الرئيسي الذي يحول دون الولادة الحكومية هو رغبة بعبدا وميرنا الشالوحي بالتخلص من “بدعة” الحكومات التوافقية وانشاء مجلس وزراء يحترم الاوزان التي أفرزتها الانتخابات النيابية الاخيرة. هذا الفريق، كان ينتظر من الرئيس الحريري ان يجاري تطلّعاته، أي أنه كان يتوقّع منه تقديم تشكيلة تميل بوضوح لصالح التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائهما، السنة والدروز والمسيحيون والشيعة، في مقابل تمثيل متواضع للاطراف الاخرى، وذلك بما يعكس نتائج استحقاق 6 ايار الماضي، التي أعطتهم، وفق حساباتهم، الغالبية في البرلمان.
والواقع، تضيف المصادر، ان الجهات نفسها كان مشروعها الحقيقي “حكومة أكثرية” – وقد أشار اليه مرارا وتكرارا وبالمباشر، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي- ولم ترُق لها مسارعة الحريري فور تكليفه، الى الاعلان أنه سيذهب نحو خيار “حكومة وحدة وطنية” من دون التشاور فيه مع الرئيس عون، وهي ترى انه حشر نفسه والبلاد، في هذه “الزاوية” التي سيصعب عليه الخروج منها اليوم.
وهنا بدأ الكباش بين الجانبين الذي اتخذ في الاسابيع الماضية، أشكالا مختلفة، تارة على الاوزان وطورا على الصلاحيات وتارة اخرى على الخيارات الاستراتيجية للحكومة. ففريق بعبدا – التيار – حزب الله، لن يقبل بصيغ لا تعطيه تفوّقا واضحا في مجلس الوزراء، وللغاية يرفض حتى الساعة التمثيل الوازن لـ”القوات اللبنانية” والحزب “التقدمي الاشتراكي”.
أما الرئيس المكلف، تتابع المصادر، فيرى ان مطالب هذين الحزبين محقّة، انطلاقا من المعيار الذي حدده التيار الوطني بنفسه، أي “السكور النيابي” لكل فريق، وهو انطلق منه لرسم التركيبة التي قدّمها الى الرئيس عون مطلع الأسبوع.
وفي وقت تشير الى ان الحريري لا يستطيع ترؤّس حكومة لونها “8 آذاري” وتعتنق خيارات هذا الطرف وسياساته المحلية منها والاقليمية والدولية، وهو امر يعرفه القاصي والداني، وليس سرّا انطلاقا من مواقفه السياسية كلّها ومن علاقاته العربية والخليجية والدولية ومن تمسّكه بسياسة النأي بالنفس وبالحياد الضروريين لابقاء لبنان في حضن الشرعية الدولية وإبقاء المساعدات المقررة له “حيّة”، تخشى المصادر ان يكون التأليف دخل نفقا مظلما طويلاً، من الصعب التكهن في مداه، اذا ما بقي الفريق الآخر مصرّا على حكومة “أكثرية” في العلن او “مواربة”.
فتكليف الحريري، دستوريا، غير قابل للكسر، وإن تواصلت الضغوط عليه وقرر “رمي المنديل”- وهو أمر مستبعد – فإن لا بديل جاهزا للحلول مكانه، وقد بدا ذلك واضحا من خلال الالتفاف السني الواسع وغير المسبوق الذي سجّل حول الحريري في الساعات الماضية.
فهل يعيد الفريق الرئاسي حساباته إنقاذا للحكومة والحكم والعهد… ورأفةً باللبنانيين؟