ليا القزي – الاخبار
أسكتت الانتخابات النيابية «الصراع الكهربائي» بين التيار الوطني الحرّ وأسعد نكد في زحلة. ولكن، ما إن أُقفلت الصناديق الانتخابية، واقتربت مدّة امتياز كهرباء زحلة من الانتهاء، حتى أُعيد تأجيج الصراع بين الطرفين، اللذين يأخذان الناس رهائن مصالحهما
يستحوذ ملّف الكهرباء، حالياً، على غيره من الاهتمامات في زحلة. لا يهمّ المواطن الزحلاوي كلّ النقاش القانوني، حول ما إذا كان يحقّ لشركة كهرباء زحلة إنتاج الكهرباء أو لا، أو أنّها تحولّت إلى «مولّد» كبير يحتكر سوق المولدات، أو أنّه يدفع فاتورتين في فاتورةٍ واحدة وهي مرتفعة الثمن، مُقارنةً بالسعر الذي تشتري فيه كهرباء زحلة الطاقة من كهرباء لبنان.
وبعد أن أثار النواب سليم عون وسيزار المعلوف وميشال الضاهر موضوع تسعيرة الفاتورة التي يدفعها المواطن الزحلاوي في الإعلام، وشنّوا هجوماً على الشركة المحلية، نجح المدير العام لشركة كهرباء زحلة المهندس أسعد نكد، في أن يجرّ النقاش إلى مكانٍ آخر، ويؤجّج قلق الزحالنة من أن تنخفض التغذية الكهربائية (عملياً، الكهرباء في زحلة تنقطع، ولكن لأنّ نكد يلعب دور المولدات الكهربائية، لا ينعكس الشعور بانقطاع التغذية على يوميات الناس).
هكذا تحوّل أهالي زحلة إلى «وقودٍ» في معركة ظاهرها إنمائي، أما باطنها فسياسي ــــ مالي، يخوضها طرفان (التيار الوطني الحرّ وميشال الضاهر من جهة، وأسعد نكد من جهة أخرى) كانا قبل أشهر قليلة حليفين، مُتعاونين في الانتخابات النيابية، وقد أتى ذلك بعد سنوات من المعارك بينهما على خلفية امتياز كهرباء زحلة. كان نكد يظنّ أنّه بالشراكة الانتخابية مع التيار العوني، يحفظ رأسه في كهرباء زحلة، فلم يكن له ما أراد.
في أيار الماضي، كان نكد «شخصاً ناجحاً» (على حدّ وصف الوزير جبران باسيل)، وكان الهدف تعميم نجاح شركة كهرباء زحلة في كلّ المناطق اللبنانية (كما قالت، في حينه، مستشارة رئيس الجمهورية، ميراي عون الهاشم). فهل كان «التيار» يُحاول إيصال رجل إلى الندوة البرلمانية «مُتهّم» بالتلاعب بأرقام الفاتورة الكهربائية، عبر إقناع الناخبين بالاقتراع له (تماماً كحالة الضاهر الذي قُدّم إخبار بحقه يتعلّق بشبهات تورطه بالتعامل التجاري مع إسرائيليين، ثم اتهام مُقدّم من رجل الأعمال سامر الجميل لدى النيابة العامة المالية، بتهمة اختلاس أمواله المودعة لدى شركة ضاهر)؟ انطلاقاً من هنا، يُصبح هجوم التيار العوني والضاهر على نكد «مشكوكاً به». حتى انضمام سيزار المعلوف إليهما، لا تفصله مصادر مُطلعة في زحلة، عن «الصراع الانتخابي حول المقعد الأرثوذكسي بين نكد والمعلوف، الذي فاز بالمقعد بسبب حاصل اللائحة الانتخابي، على رغم تقدّم نكد بالأرقام».
إلا أنّ ذلك، لا يلغي الواقع الشاذّ لامتيازات الكهرباء في لبنان، وتحوّل الأمر إلى «فيدرالية» مناطقية مع تسليم الدولة أمرها إلى شركات خاصة، وفرض الخصخصة تحت حجّة أنّ الدولة غير قادرة على تأمين الخدمات للمواطنين. شركات تعدّت على دورها في توزيع الكهرباء، إلى إنتاجها من دون أي قرار أو إذن بذلك من شركة كهرباء لبنان. ففي عام 2014، بدأت كهرباء زحلة تركيب مولداتها الخاصة، لتنطلق مطلع الـ2015 في احتكار توزيع الكهرباء، على رغم أنّ الدولة أقرّت منذ أواخر الستينيات حصرية إنتاج الكهرباء بمؤسسة الدولة.
نتيجة الإجراءات في حينه، أصبح المواطن الزحلاوي يدفع فاتورة كهربائية مُقسمة إلى قسمين: كلفة استهلاك الطاقة المنتجة عبر مؤسسة كهرباء لبنان والمدعومة من الدولة، وكلفة المولّد. تبيع كهرباء زحلة الكهرباء «بسعر يتراوح ما بين 135 ليرة للكيلواط ساعة على الشطر الأول من صفر إلى 100 كيلواط ساعة… ليصل إلى 327 ليرة للشطر الذي يزيد على 500 كيلواط ساعة… في المقابل، تتراوح التعرفة الرسمية ما بين 35 ليرة للشطر الأول و200 ليرة للشطر الأخير» («الأخبار» عدد الخميس 2 آذار 2017). أسعار كهرباء زحلة تزيد ما بين 160% و380% على الأسعار الرسمية، ومع ذلك يقول نكد لـ«الأخبار» إنّ الفاتورة في زحلة هي «أقلّ بـ30% من بقية المناطق، كما أنّه يحق للمواطن أن لا يشترك في خدمة المولد ويستفيد فقط من كهرباء الدولة».
تقول مصادر مُطلعة في زحلة إنّ «لُبّ المشكلة حالياً، هي في أنّ كهرباء زحلة تدرّ الكثير من الأموال إلى أصحابها»، مُضيفةً أنّه منذ قرابة العام «بدأت تنتشر في زحلة أخبار عن رغبة ميشال الضاهر في الحصول على الامتياز، هو والمتعهد نقولا سروجي». أخذ الضاهر الضوء الأخضر من التيار العوني، «وبدأ الحملة ضدّ نكد من الباب الذي يوجع الناس: غلاء الفاتورة التي يدفعونها». إلا أنّ تحصين المدير العام لشركة كهرباء زحلة نفسه «بالخدمات السريعة التي يُقدّمها وتخدير الناس بأنّ الكهرباء لا تنقطع، أدّى إلى حملة تضامن مع نكد»، بحسب المصادر. وقد تجلّى ذلك في الوفود الشعبية التي زارت مطرانية زحلة للروم الكاثوليك، مُتضامنةً، يوم الأربعاء الماضي.
يصف نكد ما يحصل بـ«الصراع السياسي، فقبل أن يتهجموا علينا، كان بإمكانهم اللجوء إلى الشركة وسؤالها عن الفاتورة». ويستند نكد في كلامه، إلى أنّ الفاتورة «هي نفسها منذ أربع سنوات، إذا كانت هناك مشاكل لماذا لم يعترض أحد؟». بالنسبة إليه، التوقيت له علاقة «بانتهاء الامتياز في نهاية الـ2018». لا يُنكر أنّه «من حقّ كهرباء لبنان استرداد الامتياز، ولكنه بحاجة إلى قرار مجلس وزراء». وعلى رغم أنّ نكد ينفي أي تواصل بينه وبين باسيل منذ الانتخابات النيابية، علمت «الأخبار» أنّ اجتماعاً «إيجابياً» عقد بين باسيل ونكد قبل يومين من مؤتمر سليم عون ــــ ميشال الضاهر ــــ سيزار المعلوف، ولم يكن هناك أي إشارة إلى نيّة في التصعيد.
من جهته، يقول سليم عون لـ «الأخبار» إنّ «التواصل بين باسيل ونكد لم ينقطع»، مؤكداً أنّه «لم نسكت يوماً عن الموضوع». يوضح عون أنّ «القصة تتعلّق بالفاتورة التي يدفعها المواطن، لا يجوز الخلط بين هذا وبين التجديد للامتياز. أخذوا المواطنين رهائن، ولم يقولوا لنا إن كانت التسعيرة صح أم لا».
ما يحصل في زحلة حالياً، هو صراع مصالح بين أصحاب الرساميل، الذين يُريدون مراكمة الأرباح من مؤسسات الدولة. أصحاب امتيازات الكهرباء هم وسطاء بين الدولة والمواطن، الذي لا يريد أكثر من كهرباء 24/24. من هذه الخاصرة الرخوة، يطلّ أصحاب الامتيازات والراغبين في الحصول عليها، مُستفيدين من استقالة الدولة من مهامها، وغرقها في العجز، للتسويق لخيار الخصخصة كحلّ إنقاذي وحيد، فيما التجارب تؤكد العكس.