"المقاصد" تاريخ عريق شوّهته أيادٍ تستحق" التطهير"

"المقاصد" تاريخ عريق شوّهته أيادٍ تستحق" التطهير"
"المقاصد" تاريخ عريق شوّهته أيادٍ تستحق" التطهير"

قبل سنوات تعرضت جميعة "المقاصد الخيرية الاسلامية" لهزات عدة نتيجة ازمات مالية مرّت بها، تخطت في كل مرة الامر بصعوبة، باغلاق مدارس تابعة لها، من دون أن يأخذ الموضوع اهمية تذكر في وسائل الاعلام، لكن في الفترة الاخيرة ضج خبر تعرض "المقاصد" لزلزال أصاب اساساتها مهدداً بانهيارها، ومع هذا لم يتحرك المسؤولون، الى ان اعلنت اغلاق مدرسة خديجة الكبرى في بيروت وغيرها من المدراس في القرى، عندها تأكد زعماء السنة في لبنان أن اهل السنة أمام كارثة حقيقة، الامر الذي استدعى تدخلهم في محاولة منهم لتدعيم اساسات الجمعية التي مضى على تأسيسها 140 سنة.

أساتذة مدرسة المقاصد - عائشة بكار قطعوا الطريق أمام المدرسة احتجاجاً على تخفيض رواتبهم، كما نفذ أساتذة مدرسة المقاصد - كلية خديجة الكبرى في فردان اعتصاماً أمام المدرسة بعدما وصلهم كتاب صرف من رئاسة الجمعية إلحاقاً لقرار الجمعية بإقفالها، ليتوجهوا بعدها إلى دار الفتوى لمناشدة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي  عقد اجتماعا مع وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال مروان حمادة والنائبين فؤاد مخزومي  ونزيه نجم ورئيس جمعية المقاصد فيصل سنو، حيث طمأن  دريان المعلمين والأهالي والطلاب الى أن "المقاصد ستبقى قلعة صامدة في وجه العواصف التي تضربها على الصعيد المالي"، ليتلقى بعدها المفتي اتصالا من الرئيس المكلف سعد الحريري ابلغه خلاله انه أعطى توجيهاته الى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن الخليل "من أجل دفع مستحقات جمعية المقاصد لدى وزارة المال" وأنه "سيتم دفع خمسة مليارات ليرة لبنانية بصورة مستعجلة لتخفيف المعاناة التي تعيشها المقاصد في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها".

لكن السؤال هل أن منح الاموال للجمعية العريقة يكفي وحده من اجل عدم مواجهتها ازمات لاحقة؟ الا يستحق الحال الذي وصلت اليه "المقاصد" القيام بجردة تطهير لكل من سولت له نفسه اختلاس اموالها بشكل مباشر او غير مباشر؟ الا تحتاج لخطة انقاذية تحول دون تعرضها لهزات قادمة، لاسيما وانها ليست مؤسسة او شركة عابرة بل هي احدى دعائم اهل السنة في لبنان؟

لم يأت تأسيس جمعية "المقاصد" من عبث، ففي العام 1878 رأى المسلمون في بيروت إقبالاً من قبل المؤسسات التبشيريّة والوطنيّة على فتح المدارس في بيروت العُثمانيّة، في هذه الأجواء التبشيريّة عقد اجتماع في  منزل الشيخ عبد القادر القبّاني، صاحب صحيفة ثمرات الفنون، اسفر عن  وضع البيان التأسيسي للجميعة الذي عرف بالفجر الصادق، لتتألف "المقاصد الخيرية"  حينها من خمسة وعشرين شاباً من الأهالي، هدفها تأمين التعليم الأساسي والتربية الإسلامية لأكبر عدد من أولاد مجتمعها، والتدرج بهم نحو فهم متكامل لرسالة الإسلام والتمسك بقيمه السامية، والتنشئة على الخصال العربية، وتطوير روح العمل الفريقي لديهم لتعزيز الشعور بالمسؤولية، والثقة بالنفس.

وصل عدد ممولي المقاصد حينها الى 1500 شخص وكانت  باكورة أعمالها افتتاح مدرسة للبنات سنة 1878 في محلة الباشورة حيث بلغ عدد طالباتها 230 تلميذة، وعدد المعلمات سته، ثم افتتحت مدرسة ثانية سنة 1982ضمت 200 تلميذة وخمس معلمات. وفي سنة 1879 افتتحت الجمعيّة من مالها الخاص مدرسة للذكور الأولى في سوق البازركان، بلغ عدد تلاميذها 164 تلميذاً، أما مدرسة الذكور الثانية فقد افتتحت سنة 1880 في محلة الباشورة، ضمت 230 تلميذاً وستة المعلمين. وبعد مرور سنتين اصدر الوالي العثماني بسبب بعض المغرضين أمره بحل الجمعيّة وإلحاقها بالمعارف، وسماها (شعبة المعارف الأهليّة).

في عام 1908 وبعد إعلان الدستور العُثماني، بدأ المسلمون يطالبون الوالي الجديد ناظم باشا بإعادة نشاط جمعية المقاصد الخيريّة الإسلاميّة، وتسلمها المدارس والموجودات كافة، وبالفعل فقد أصدر مجلس إدارة ولاية بيروت قراراً بإعادة الجمعيّة إلى المسلمين، وانتخب رئيساً لها في هذه الفترة الشيخ عبد الرحمن الحوت.

توالى على رئاسة الجمعية عدة وجوه بيروتية معروفة، لتلقى عصرها الذهبي في عهد رئيسها عمر الداعوق الذي تولى الرئاسة في الفترة الممتدة بين 1934-1949،م ع العلم انه كان أول من اقترح منذ عام 1920 اي منذ أن كان عضواً في الجمعيّة بتوجيه عناية المقاصد نحو مسلمي المناطق والأرياف والقرى، وفي عهده أقيمت مشاريع مقاصديّة عدة، حيث افتتحت مدارس عدة وتزايد عدد الطلاب والطالبات وعدد المعلمين والمعلمات، وقد اولى اهتماماً بالغاً بأطفال المقاصد، كما في شبابها، وخصّ بالاهتمام مدرسة (بيت الأطفال ـ الحرج) حيث أراد أن يجعلها للنخبة من المسلمين على غرار المدارس الأجنبيّة في لبنان وفي أوروبا.

وعندما تولى صائب سلام رئاسة الجمعية وضع خطة للحصول على المساعدات الماليّة العربيّة للمقاصد، من اجل دعم المسلمين في بيروت والمناطق بشكل مباشر، مع الحفاظ على الأقساط المدرسيّة المقاصديّة وتلافي ارتفاعها، كما استطاعت المقاصد في هذه الفترة الحصول على عشرات المنح الدراسية للمرحلة الجامعيّة، وتمّ إرسال الطلاب للتخصص العالي في الدول العربيّة والأجنبيّة، كما قدمت (مؤسسة صائب سلام للثقافة والتعليم العالي) قروضاً للطلاب المقاصديين وغير المقاصديين للمساعدة في متابعة التحصيل العلمي العالي في مجال دراسات الماجستير والدكتوراه.

سنة 1929 بدأت لجنة تعليم أبناء فقراء المسلمين في القرى نشاطاتها العام بإنشاء المدارس في القرى البعيدة، لتنضم بعدها إلى جمعية المقاصد سنة 1963، فاصبحت هذه المدارس مرافق مقاصدية تستوعب أكثر من 8 آلاف طالب وطالبة في 35 ابتدائية و3 متوسطات، وفي العام 1999 اسس خريجو مدارس المقاصد مكتب خاص بالجمعيّة في العاصمة الأميركيّة واشنطن ليلعب دوراً هاماً في نشر أصداء المقاصد في بلاد الاغتراب. كما تأسس المعهد العالي للدراسات الإسلامية في مطلع العام الدراسي 1981- 1982، وانشأ كشاف المقاصد ، من دون ان ننسى الدور الذي لعبته مستشفى المقاصد لاسيما في فترة الأحداث اللبنانيّة سواء على صعيد الخدمات الصحيّة والمستشفيات المتنقلة والدفاع المدني المقاصدي.

وبعد أن تسلّم تمام سلام رئاسة الجمعيّة عام 1982 بدأ بإدخال الأساليب الحديثة في التربيّة والتعليم والإدارة، واستحدثت قوانين وتشريعات عصريّة تهم المعلم والإداري والتلميذ، الامر الذي انعكس إيجاباً على وضع المقاصد، واستمرت بعض الدول العربيّة في دعم هذه المؤسسة الإسلاميّة كمساهمة في دعم المجتمع الإسلامي في بيروت ولبنان. 

ارتفع عدد طلاب الجمعية بحسب إحصاء 1990-1991 في بيروت والقرى الى 24.438 طالباً موزعين على مختلف المراحل، كما ارتفع عدد أفراد الهيئة التعليميّة الى 811 أستاذاً ومعلماً في القرى. وبلغ عدد المدارس في بيروت تسع عشرة مدرسة باستثناء المعاهد، بينما بلغ عدد المدارس في القرى سبع وأربعين مدرسة، ليتدنى بعدها عدد الطلاب نتيجة لأسباب تربويّة واقتصاديّة واجتماعيّة ووظيفيّة، الى أربعة عشر ألف طالب في بيروت والقرى عام 2001-2002، كما تدنى عدد مدارسها وأساتذتها سواء في بيروت أو في القرى، فضلاً عن تراكم الديون عليها نتيجة السياسات الادارية و المالية.

ويبقى السؤال لماذا شهدت المقاصد ما يزيد عن القرن نمواً وازدهاراً ولماذا هذا التراجع الكارثي لها في السنوات الاخيرة؟... الجواب واضح: استؤمن الخائن وضعف الأمين!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بري: “الحكي ببلاش”… والجلسة في موعدها