مسيرة حاشدة في الحُدَيْدة تؤكد الهزيمة السعودية الإماراتية… واشتعال جبهات جنوب سورية
ميركل لربط النزاع حول النازحين… وتأكيد لبناني على رفض ربط العودة بالحل السياسي
الحريري يحقق تقدماً في الحكومة… فهل يتم التسهيل على حساب تمثيل 8 آذار؟
كتب المحرّر السياسي – البناء
بعد الصور الصادمة التي وزعها الإعلام الحربي لأنصار الله لما لحق بالهجوم السعودي الإماراتي على مدينة الحُدَيْدة ومطارها ومينائها، خرج الآلاف من أبناء الحُدَيْدة في تظاهرة حاشدة تنديداً بالعدوان السعودي الإماراتي، وتأكيداً على العزم في مواصلة الصمود والمواجهة.
بالتوازي شهدت جبهات جنوب سورية اشتعالاً في العديد من المحاور تخلله قصف أميركي لمواقع سورية قرب التنف، وسقوف عالية للجماعات المسلحة ومزاعم عن قدرة المواجهة في حال بدء الجيش السوري لهجوم متوقع إذا وصلت المفاوضات التي يقودها الروس إلى طريق مسدود، فيما أوحى كلام للرئيس السوري بشار الأسد لقناة روسية، بعدم وجود مؤشرات أميركية تستحق توقع الإيجابيات من واشنطن، بينما شكّل ما نشره مركز حميميم الروسي تبنياً كاملاً لرواية الجيش السوري سواء بما خصّ التقدم المحقق في الميدان أو في تحميل الأميركيين والجماعات المسلحة مسؤولية التصعيد السياسي، بما يعطل فرص التسوية ويفتح الطريق للحسم العسكري، رغم التأكيدات الروسية على اعتبار القمة الروسية الأميركية فرصة لإنعاش فرص الحل السياسي في سورية.
لبنانياً، لم تخرج زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن المتوقع، سواء في ما قالته وأسمعته للمسؤولين اللبنانيين لجهة التمسك بربط عودة النازحين بالحل السياسي الذي أسمته بالظروف الآمنة، دون معارضة أي عودة طوعية للنازحين، وهو التطور الإيجابي الذي لحظه المعنيون بالتزامن مع توضيحات من المفوضية العليا للاجئين تحاول التوصل لتسوية مع موقف الدولة اللبنانية، الذي سمعته ميركل واضحاً في بعبدا وعين التينة لجهة الفصل بين عودة النازحين والحل السياسي في سورية، وبالتعاون بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وسمعت نصفه في السراي الحكومي تحت شعار تأكيد الالتزام بمقررات مؤتمر بروكسل.
الشأن الحكومي الذي كان حاضراً في بعبدا في لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون، حمل جديداً واضحاً لجهة تخفيض حصة القوات اللبنانية إلى أربعة وزراء بدلاً من خمسة، ومنحها منصب نائب رئيس الحكومة إذا تعذّر منحها حقيبة سيادية، وبالمقابل طلب رئيس الحكومة موافقة رئيس الجمهورية على حسم التمثيل الدرزي للقاء الديمقراطي، والاستعداد لمبادلة مقد سني بمقعد ماروني بين حصتي رئيسي الجمهورية والحكومة. وفيما كانت تقييمات الأطراف الرئيسية تتحدث عن تقدم إيجابي، سجلت مصادر قريبة من رئاسة الجمهورية تحفظات عبرت عنها قناة «أو تي في» في مقدمة نشرة أخبارها، بتخفيف موجة التفاؤل بحلحلة العقد، وتقصدت نفي توزير نادر الحريري من حصة رئيس الجمهورية، فيما يبدو أنه كان المقترح الذي حمله الحريري حول المقعد السني من حصة رئيس الجمهورية.
مصادر في قوى الثامن من آذار حذرت من تنازلات بالتتابع والمفرق، يطلبها الرئيس المكلف لحساب فريقه تحت شعار التسهيل، مذكرة بأن الفارق بين الحكومة الجديدة والحكومة السابقة ينبع من أن هناك انتخابات جرت في البلد تبدّلت خلالها الأحجام، فكانت قوى 14 آذار ومن ضمنها الحزب التقدمي الاشتراكي تتمثل بـ 71 نائباً وصارت تتمثل بـ 47 فقط، بينما كان تحالف قوى الثامن من آذار والتيار الوطني الحر يتمثل بـ 57 نائباً وصار يتمثل بـ 74 نائباً، وكل التركيز على حجم تقدم حصة القوات اللبنانية والحاجة لتعديل حصتها على هذا الأساس هو للتعمية على حقيقة تبادل الأحجام بين كل من 8 و14 آذار وحلفائهما، وتساءلت أنه إذا كان جديد الانتخابات في شق منه نيل القوات 15 مقعداً كقوة ثانية في تشكيل 14 آذار الذي يتقدمه تيار المستقبل في طائفته كقوة أولى وفي تحالفاته كقوة أولى، فإن الجديد الموازي هو أن القوة الثانية في الثامن من آذار وهي ائتلاف عابر للطوائف مكوّن من أحزاب وشخصيات مستقلة إلى جانب ثنائي حركة أمل وحزب الله، قد نالت 18 مقعداً، يفترض أن يمثلهم وزراء من طوائفهم إلى جانب الحصة الشيعية في الحكومة لا أن يُختصر تمثيلهم بوزارة واحدة لتيار المردة وهو ما كان مسلماً به في الحكومة السابقة وفقاً لتوازنات المجلس السابق. ودعت المصادر للتمسك بأربعة مقاعد وزارية خارج الحصة الشيعية كتعبير عن أي توازن منشود في الحكومة الجديدة، دون المساس بحصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر.
الحريري: اقتربنا من المعادلة الحكومية الأخيرة
في وقتٍ استحوذت زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لبنان على الاهتمام الرسمي، خطفت أجواء التقدم على خط تشكيل الحكومة الأضواء مع إعلان الرئيس المكلف سعد الحريري من بعبدا الاقتراب من المعادلة الحكومية الأخيرة.
وأشاعت مصادر محيطة برئيس حكومة تصريف الأعمال عن ولادة حكومية وشيكة قد تسبق سفر رئيس المجلس النيابي نبيه بري في إجازة عائلية الى سردينيا الإثنين المقبل، ما يعني أن الحريري سيكون في سباقٍ مع الوقت طيلة عطلة نهاية الأسبوع، حيث سيكثف مشاوراته واتصالاته لبلورة صيغة أخيرة للحكومة على أن يعرضها على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأحد المقبل.
لكن تساؤلات وشكوك تحيط بحملة التفاؤل الذي يشيعها المحيطون بالحريري، فهل تستند إلى معطيات جدية أم تخفي أهدافاً سياسية مبيتة؟ وهل يريد الرئيس المكلف رمي الكرة الى ملعب الآخرين من خلال الإيحاء بأنه ذلّل العقد القواتية والاشتراكية وبأن من يعترض على تشكيلته هو من يتحمّل مسؤولية تأخير الولادة الحكومية؟
وإذ أفادت مصادر قناة الـ «أوتي في» أن «مشاورات الساعات المقبلة إن اتسمت بالإيجابية قد تُبصر الحكومة النور يوم الأحد، لكن التقدّم ليس محسوماً وأن بعض قواعد التأليف لم تحترم»، يبدو أن أجواء فريق 8 آذار غير مشجعة وسط اعتراض على توزيع الحصص والحقائب، وما عزز هذا المناخ ما أشارت إليه قناة المنار في مقدمة نشرة أخبارها المسائية بأن «الأجواء الإيجابية التي بثها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لا زالت شعارات، وأن المسودة التي قدمها الحريري الى رئيس الجمهورية ميشال عون تنص على أن القوات اللبنانية ستحصل على 4 وزارات من بينها وزارة سيادية».
ووفقاً لمعلومات «البناء» فإن الرئيس المكلف لم يعرض على الرئيس عون لا حقائب ولا أسماء بل تمحور اللقاء حول حسم الحصص، وما بات مرجحاً بحسب مصادر «البناء» هو أن «الحكومة سوف تقتصر على تمثيل الكتل النيابية الأساسية والكبيرة أي المستقبل ولبنان القوي والوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير والجمهورية القوية واللقاء الديقمراطي الى جانب تيار المردة في حين تجري مشاورات واتصالات تجاه تمثيل القوى الأخرى»، لكن هذا التوازن الذي يحاول أن يفرضه الحريري بتعليمات خارجية، لن يكون سهل المنال ولن يمرّ مرور الكرام، لأن استبعاد قوى أساسية كالكتلة القومية يخالف المعايير التي تستند إليها حكومات الوحدة الوطنية، وبالتالي لا يمكن حينها وصف الحكومة العتيدة بالوطنية.
وبحسب مصادر متابعة، فإن الأجواء إيجابية بدليل أن الرئيس الحريري بدأ اتصالاته مع المعنيين فور مغادرته بعبدا الى منزله في بيت الوسط على أن يكون اليوم حافلاً بالاتصالات والمشاورات لتذليل العقد التي تقتصر على عقدتي التمثيل المسيحي والدرزي، لا سيما أن الحريري في ما خص التمثيل السني لا يزال على موقفه الرافض تجاه تمثيل شخصيات سنية من حلفاء المقاومة. مع إشارة المصادر الى أن الوزير السني الذي سيكون من حصة رئيس الجمهورية سيكون خارج هذه الشخصيات. أما في ما خص العقدة القواتية العونية، فالمعلومات تشير الى أن «وزارة الدفاع لن تكون من حصة القوات اللبنانية لاعتبارات عدّة، لعل أبرزها الفيتو الذي يضعه حزب الله على إسناد هذه الحقيبة لشخصية قواتية. وبالتالي ستكون من حصة رئيس الجمهورية جرياً على ما حصل في الحكومة الحالية لتبقى الاتصالات مستمرة حيال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزارة العدل». أما في ما خص العقدة الجنبلاطية الأرسلانية فأمام الرئيس عون احتمال من اثنين: إما شخصية تحظى بموافقة النائب السابق وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان، وإما يسمّي شخصية من خارج الحزبين الإشتراكي والديموقراطي.
وأشارت مصادر التيار الوطني الحر الى أن «الكلام عن توزير السيد نادر الحريري ضمن حصة رئيس الجمهورية غير صحيح»، لافتة الى أن «موضوع نيابة رئاسة الحكومة لم يحسم بعد، وأن التيار الوطني الحر يوافق على الفصل بين النيابة والوزارة في حال التزمت كل القوى بذلك».
عون لـ«ميركل»: لا نريد أن نموت والنازحون في لبنان
في غضون ذلك، أنهت المستشارة الالمانية أمس، زيارتها الى لبنان بلقاء رئيس الجمهورية في بعبدا، تركز خلاله البحث على الوضع الاقتصادي وملف النزوح السوري. وقد سمعت المسؤولة الألمانية موقفاً لبنانياً موحّداً في بعبدا وعين التينة مضمونه عودة النازحين الى سورية ورفض إبقائهم في لبنان تحت أي ذريعة. وكان موقف الرئيس عون أبلغ تعبير حيث توجّه لميركل بالقول: «لا نريد أن نموت وأن يكون النازحون ما زالوا في لبنان».
وطلب رئيس الجمهورية من ميركل، «مساعدة المانيا في دعم موقف لبنان الداعي الى عودة النازحين السوريين تدريجياً الى المناطق الآمنة في سورية»، مشدداً على «ضرورة الفصل بين هذه العودة والحل السياسي للأزمة السورية، والذي قد يتأخّر التوصل إليه». وسأل: «إذا تأخر الحل واختلفت موازين القوى، مَن يضمن إذ ذاك عودة النازحين الى بلادهم؟ لا سيما وأن هناك تجربتين سبق أن عانى منهما لبنان، الأزمة القبرصية التي لم تحل بعد رغم مرور أكثر من 40 سنة عليها، والقضية الفلسطينية التي مضى عليها 70 عاماً وهي تنتظر الحل السياسي».
أما في السرايا الحكومي فاختلف الموقف، حيث ربطت ميركل عودة النازحين الى سورية بتوافر الظروف الآمنة، لكنّها لم تحدّد ما هي الظروف الآمنة ومتى تتوافر ولا آلية العودة ولا تحمل تداعيات بقائهم في لبنان، ما يعني بأن زيارة ميركل عززت مخاوف اللبنانيين من مخطط لإبقاء النازحين في لبنان مقابل إغراءات مالية أشبه بتوطين مؤقت، كما تقول مصادر وزارية لـ «البناء»، رغم نفي الحريري القاطع خطر التوطين، معتبراً بأن الدستور هو ضمانة بعض اللبنانيين الخائفين من التوطين.
وبعد لقاء بين رجال الأعمال اللبنانيين والألمان في السراي الحكومي بحضور ميركل والحريري، عقد المسؤولان مؤتمراً صحافياً مشتركاً. أكد الحريري خلاله أن «النزوح السوري هو أكبر بكثير من طاقة لبنان على التحمّل»، موضحاً أن «الحل الدائم والوحيد للنازحين هو في عودتهم الكريمة والآمنة إلى سورية». بينما أوضحت المسؤولة الألمانية أن «ألمانيا التزمت دعم لبنان ومساعدته، ونريد أن نساعد في الوصول إلى حل سياسي في سورية لتأمين عودة النازحين». وقالت «هدفنا تعزيز العلاقات الاقتصادية بين لبنان وألمانيا، ومؤتمر «سيدر» يقدم أرضية لهذا التعاون ويجب الإيفاء بالاصلاحات الموعودة».
وإذ تجنب الحريري الرد على كلام ميركل واستيضاحها ماهية الظروف الآمنة، تكفل وزير الخارجية جبران باسيل الردّ عبر «تويتر»، قائلا: «تعرف المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل جيداً آثار أزمة اللاجئين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي تواجهها في المانيا وأوروبا». وتابع: «لبنان يريد عودة تدريجية وآمنة وكريمة ودائمة للنازحين السوريين».
وكانت ميركل استهلت اليوم الثاني والأخير لها في لبنان، بزيارة عين التينة، حيث استقبلها الرئيس بري الذي أكد «تمسك لبنان بحقوقه وحدوده البرية والبحرية»، عارضاً «الجهود في هذا الإطار لتثبيت الحقوق اللبنانية». كما استعرض بري مع ميركل «الوضع الاقتصادي المأزوم في لبنان والضاغط، نتيجة ما يجري في سورية وثقل النزوح السوري على لبنان واللبنانيين»، لافتاً الى «دور لبنان وما أنجزه على هذا الصعيد»، ومشدداً على «رفع مستوى التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية لمعالجة هذه القضية».
رسالة «المفوضية» لـ «الخارجية»!
وفي سياق ذلك، يبدو أن التصعيد بين وزارة الخارجية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين يتجه الى الانحسار، فقد أعلنت الخارجية أنها تلقّت كتاباً جوابياً من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، تضمن جملة أمور منها أنها مستعدة لعقد سلسلة اجتماعات مع وزارة الخارجية والوزارات والإدارات والهيئات المعنية للتشاور بموضوع النازحين وعودتهم الى سورية. كما أنها وافقت على اقتراح وزير الخارجية والمغتربين القاضي بتقسيم النازحين فئات تمهيداً لتنظيم عودتهم. وأكدت عملها الدائم داخل سورية لإزالة العوائق أمام العودة الكريمة والآمنة، مشدّدة على أنها ليست بوارد تشجيع العودة الآن، ولكن لن تقف بوجه من يريد العودة الطوعية افراداً او جماعات، كما أنها وافقت على مشاركة وزارة الخارجية والمغتربين بداتا المعلومات التي بحوزتها والتي كانت تتشاركها مع وزارة الشؤون الاجتماعية منذ سنة 2015.