ميسم رزق – الأخبار
طرقَت رياح التغيير أبواب تيار المُستقبل. فجأة، وبشحطة قلَم، وضع الرئيس سعد الحريري الجميع أمام سلوك سياسي ــــ تنظيمي غير مألوف في بنية حزب (تيار) لبناني جديد. مشهد المحاسبة لطالما كانت القاعدة الزرقاء متعطشة إليه، ليس ربطاً بموسم الانتخابات الحالية ونتائجها الصادمة، بل منذ انتخابات عام 2009 ومن ثم كل المحطات اللاحقة سياسياً وتنظيمياً.
بالنسبة إلى الحريري، تكفي النتائج التي حققها التيار الأزرق في دوائر عدّة في الانتخابات النيابية الأخيرة، من أجل إطلاق دينامية للمحاسبة تعتمد إلى حد كبير على قراءته وتقويمه هو شخصياً، وليست محصلة تقويم هيئات حزبية.
شعر الرجل بأن تيار المُستقبل تحول إلى بيئة حاضنة لذوي المصالح. كوادر تمسك بمفاصل حزبية تسوّق لعناوين تخدمها هي، ولا تخدم التيار. غياب المرجعية الناظمة والافتقار الى الإدارة المركزية أديا إلى اتساع حجم نفوذ بعض الظواهر المناطقية، وبالتالي ازدياد حالة التشظي في الأطراف. تورّط العديد من هؤلاء في ارتكاب الأخطاء، أحرق مراكب العودة إلى اكتساب ثقة الناس ومحبّتهم. هؤلاء اتبعوا استراتيجية مراكمة المغانم الشخصية ولو أنهم كانوا يغرفون من الرصيد الشعبي لرئيسهم، فكانت النتيجة الانتخابية هزيمة كبيرة في الساحة السنية (خسارة عشرة مقاعد سنية من أصل 27 مقعداً).
مساء أول من أمس، كانت ليلة الانقلاب على كل هؤلاء. تقمّص رئيس تيار المُستقبل شخصية الأمير محمّد بن سلمان. إقالات بالجملة لمنسقين ومنسقيات ومسؤولي ماكينات وموظفين إداريين وتنظيميين. اسمٌ تلوَ آخر، تساقطوا كحجارة «الدومينو». بعضهم أصبحَ معروفاً، وآخرون لم يُعلن عنهم. هذه الإجراءات هي ردّة فعل على إدارة المعركة الانتخابية التي كانت مناطة بمعظمهم، كّل بحسب منطقته أو قطاعه أو مهمته. صحيح أن الاعتراضات على أداء معظم هذه الأسماء كانت سابقة للاستحقاق الأخير، غيرَ أن الحريري فضّل إمراره تمهيداً لاتخاذ إجراءات موجعة لاحقاً.
كان لافتاً للانتباه، أن اتخاذ قرار إقالة الهيئات والمنسقيات والماكينات لم يحصل بالتنسيق مع الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري (بحسب مقربين من الأخير) ولا بالتنسيق مع ابن عمته، مدير مكتب رئيس الحكومة وساعده الأيمن نادر الحريري. تعمد الحريري إهمال صلاحيات «الأمين العام» ومدير مكتبه، معتبراً أن الأمر «يعود له وحده». قرّر حلّ هيئة الانتخابات والماكينة الانتخابية المركزية ومنسقيات بيروت والبقاعين الغربي والأوسط والكورة وزغرتا.
أن يجِد رئيس الحكومة نفسه أمام هكذا خيار تنظيمي ــــ إداري، في ظل ظروف داخلية وخارجية ضاغطة، ليسَ أمراً عابراً. تدابير وإجراءات أملتها أصوات ناسهِ. خلال «احتفال النصر» في بيت الوسط، يوم الجمعة الماضي، علَت صرخات الجموع في الباحة. طالب هؤلاء بوجوب محاسبة بَعض من هم في التيار، وخصوصاً المنسقين الذين كانوا يتبلّغون الاعتراضات ولا يبذلون الحد الأدنى لتبديدها أو معالجتها، أو لمجرد نقلها إلى القيادة المركزية. شعَر الحريري بأنه خُدعَ، وأن ما نقِل إليه عن نبض الشارع لم يكن صحيحاً. لم ينتظر أحداً يحمل إليه هذه المرة اقتراحات محددة، كما كان يجري سابقاً… حمَل سيف المحاسبة، وبدأ ورشة التطهير.
مصادر في بيت الوسط، أكدت لـ«الأخبار» أن الحريري عاش حالة من الصدمة غير مسبوقة منذ لحظة إعلان نتائج الانتخابات. وما زاد الطين بلة، مسلسل الاتهامات داخل التيار. والأهم انفضاح أمر عدد من الكوادر ممن عمِلوا في الانتخابات لمصلحة خصوم الحريري، وتحديداً لرئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي في بيروت، والرئيس نجيب ميقاتي في طرابلس وبعض خصوم التيار في البقاعين الغربي والأوسط.
تقول المصادر إن منسقية طرابلس ستشهد قريباً «نفضة عن بكرة أبيها»، بعدما تبيّن أن العاملين فيها وعلى رأسهم ناصر عدرة «لا يعملون شيئاً سوى الطبل والزمر». وكشفت المصادر أن الحريري تلقى تقارير أمنية تفيد بأن أشخاصاً في الماكينة الانتخابية عملوا لمصلحة ميقاتي، وجيّروا أصواتاً مستقبلية له في صناديق الاقتراع. أما في عكار، فقد تبين أن من بين الذين «سيحالون الى التقاعد المبكر في التيار، أمين سرّ هيئة الإشراف والرقابة في منسقية المنطقة محمد مراد وشذا الأسعد الشابة العكارية التي عيّنها الحريري عضواً في المكتب السياسي للتيار، بالإضافة إلى منسق عام عكار خالد طه وسامر حدارة، على أن يحلّ خالد الزعبي مكان مراد، وزياد عدرا محلّ الأسعد، يضاف إليهما وسيم المرعبي ونجاح الرفاعي».
أما في البقاع الغربي، فقد حمّلت المصادر المسؤولية الأساسية للوزير جمال الجراح. تقول إن نتائج هذه المنطقة شكّلت صدمة كبيرة للحريري. فالجراح ادعى بأن عبد الرحيم مراد لن يستطيع حصد أكثر من 9 آلاف صوت تفضيلي «في أفضل الأحوال»، كما سوّق الجرّاح للمرشح محمد القرعاوي بحجة قدرته على تجيير ثلاثة آلاف صوت إضافي للائحة. وقد أتى تسويق الجراح للقرعاوي على حساب القادري، فيما حصد مراد أصواتاً تفضيلية قريبة لما حصّله القرعاوي والقادري معاً. أما المفاجأة الكبرى، بحسب المصادر، فكانت «في حصد مراد حوالى ألف صوت سنّي من بلدة المرج، مسقط رأس الجراح. فيما ذهب حوالى 3 آلاف صوت لمصلحة مراد، من درب القادري، نتيجة النقمة على القرعاوي، ولا سيما بعد التسريبات التي تحدثت عن قربه من النظام السوري».
أما في البقاع الأوسط، فقد حمّلت مصادر مستقبلية بارزة مسؤولية «الهريان» كما وصفته، للمنسق الأسبق للتيار أيوب قزعون، وهو من المقربين من الجراح. قزعون الذي عيّن عام 2007، وارتبط اسمه بالكثير من الملفات داخل التيار وخارجه، ربطت المصادر نفسها أفعاله برفض الحريري ترشيحه في المنطقة. حاول قزعون إفشال بسام شكر الذي أتى مكانه في المنسقية على قاعدة أنه الأقدر على الفعل في المنطقة. وقد عمل قزعون لمصلحة المرشحة الأرمنية عن التيار ماري جان بلازيكجيان. أرسل تقارير دبّجها هو ومجموعته التي تضّم كلاً من: محمد البسط، محمد الهاشم وفادي كيال تفيد بأنه يجب التركيز على بلازيكجيان، وضرورة حصر الأصوات بها وبعاصم عراجي، واستثناء نزار دلول من التفضيلي. يضاف إلى ذلك «معلومات وصلت إلى بيت الوسط تتحدث عن أن الأموال التي أرسلت الى البقاع صودرت لمصلحة بلازيكجيان، وأن أموالاً أخذت من رئيس بلدية مجدل عنجر لم يردّها المعنيون إليه». وجاهر ميشال ضاهر في زحلة بأنه اشترى كتلة أصوات من تيار المستقبل على حساب عراجي، فيما قال آخرون إنه جرت مصادرة هويات لمواطنين على أساس أنها ستصبّ لمصلحة المستقبل، فيما تبين لاحقاً أنها بيعت لنقولا فتوش.
أما في بيروت، وبعدما انقسمت الماكينة إلى ماكينات، فإن أول من يظهر إلى الواجهة هو منسق عام بيروت في تيار المستقبل وليد دمشقية. وهو المتهم أولاً بالعمل لمصلحة المرشح الخاسر ربيع حسونة على حساب الوزير نهاد المشنوق. وتردد أن دمشقية تعمّد إقفال هاتفه الخلوي في معظم ساعات يوم الانتخاب، ولا سيما أنه تعهّد بتأمين موقف للناخبين الآتين من خارج بيروت للاقتراع، ولم يلتزم. وقد اتهمت مصادر في المنسقية مجموعة في الداخل بأنها كانت تدير المعركة الانتخابية لمصلحة فؤاد مخزومي!
وفي الكورة، ارتفعت الصرخة ضد المنسق ربيع الأيوبي، الذي اتهمه المندوبون في القرى بعدم صرف كل الأموال التي خصّصها التيار لهذه المنطقة. أحد المندوبين تحدّث عن أن كل قرية كورانية محسوبة على المستقبل لم تحصل على أكثر من 30 ألفاً أو 40 ألف دولار، وإذا ما جمعت لا تصل إلى أكثر من 250 ألف دولار، فيما الميزانية التي رصدت للمنطقة ككلّ تقارب الـ 600 ألف دولار. وكان الأيوبي قد ادعى بأنه دفع أكثر من 300 ألف دولار لبلدة ددّة الكورة وحدها، لكن المندوبين أكدوا عدم صحة ما يشيعه الأيوبي.
أين المشنوق؟
أين وزير الداخلية نهاد المشنوق؟ سؤال ما انفك يطرحه المستقبليون بعد استقالة نادر الحريري. هل صحيح أنه من بين المغضوب عليهم انتخابياً؟ وهل يعني ذلك أن قرارات سعد الحريري ستطاله؟ وماذا يعني أن تشمله؟ هل المقصود عدم إسناد أي منصب وزاري له في الحكومة الجديدة أم إبعاده عن بيت الوسط، أم ماذا؟
علامات الاستفهام هذه طرحت مع قرار الرئيس سعد الحريري إعفاء مدير مكتب المتابعة ماهر أبو الخدود من مهماته في التيار. فأبو الخدود حظي بمنصب لم يكن يحلم به في وزارة الداخلية، بعدما «زرعه» الحريري إلى جانب المشنوق. لكن مصادر مستقبلية أكدت أن إعفاء أبو الخدود جاء على خلفية تقديمه هو الآخر تقارير خاطئة عن وضع تيار المستقبل على الأرض. أما المشنوق فيضعه خصومه في التيار في معسكر واحد مع نادر الحريري وغطاس خوري. أولاً، بسبب موقفه من استقالة الحريري، وتحديداً حين قال في تصريحه الشهير بعد الاستقالة بأننا «لسنا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر». وثانياً، نتيجة المؤامرة التي تعرض لها من قبل منسقين في بيروت، حاولوا الترويج لمرشحين آخرين كربيع حسونة على حسابه. وأن هذا الأمر كان بقرار واضح لتحجيم الرجل في بيروت، بعد الجولات التي قام بها، وتفوّق ماكينته على ماكينات باقي المرشحين في هذه الدائرة، وثالثاً، بوصفه أحد أبرز المنظرين للتسوية الرئاسية التي أتت بالعماد ميشال عون إلى الرئاسة الأولى وسعد الحريري إلى الرئاسة الثالثة.
يطرح سؤال المشنوق سؤالاً بديهياً حول مستقبل العلاقة مع غطاس خوري، مع أن قيادة تيار المستقبل نفت كل ما يتم تداوله خارج البيانات الرسمية، وخصوصاً أن الحريري سعى إلى «تربيح» خوري في انتخابات دائرة الشوف ــــ عاليه، لكن الأرقام التي كان مقدراً حصوله عليها، وخصوصاً من إقليم الخروب، جاءت مخيبة لآمال الحريري، الأمر الذي جعل محمد الحجار يتحمل المسؤولية عن وجود خلل معين أدى إلى ذهاب الكتلة الكبيرة من الأصوات له وليس لغطاس خوري.
وليل أمس، غرّد الرئيس الحريري على «تويتر» قائلاً: «النظريات والتكهنات حول ما جرى كثيرة. باختصار أقول إن الإقالات التي حصلت لها سبب واحد هو المحاسبة. جمهور المستقبل قال كلمته وأنا سمعتها، وتطلعات الناس وآمالها لن تخيب أبداً. سبق أن قلت للكل إن سعد الحريري 2018 غير (ما قبله). وتبقى كلمة شكر من القلب لجهود نادر الحريري».