رلى ابراهيم – الأخبار
إذا كان من رسالة مدوية أوصلها الناخبون الى ممثليهم، فلا صوت أعلى من صوت المتنيين الذين حاسبوا التيار الوطني الحر وحزب الكتائب. وفي الوقت الذي أظهرت القوات ذكاءً في اختيار مرشحيها، فاجأ ميشال المر الجميع بمقارعة الأحزاب السياسية بمفرده وبحلوله في المرتبة الثانية، هازماً مرشّحي التيار الوطني الحر
في حسابات مختلف الماكينات الانتخابية المتنية، على الورقة والقلم، لمجموع الأصوات التي يمكن للنائب ميشال المر الحصول عليها، أن حدّه الاقصى 9 آلاف صوت، وحدّه الأدنى بين 5 و7 آلاف صوت، ليتبين أن الماكينات بالغت في تقدير أحجامها من جهة وأخطأت في احتساب أرقام «أبو الياس»، من جهة ثانية، بدليل ما ناله المر من حوالى 12 ألف صوت تفضيلي، ليحل ثانياً في ترتيب المرشحين المتنيين بعد النائب سامي الجميّل.
هذا ليس تفصيلاً صغيراً. الفارق بين المر ورئيس حزب الكتائب بحدود ألفي صوت، فيما الفارق بين المر وأول الفائزين على لائحة التيار يقارب أربعة آلاف صوت! ميشال المر منفرداً بلا حزب يجيّر له الأصوات ولا وزارات توضع بتصرفه وبعد أكثر من 13 عاماً من «فلاحة» الأحزاب في القضاء ودخولها الى مختلف المجالس البلدية، ورغم الضربة التي تعرّض لها «أبو الياس» مباشرة قبيل الانتخابات، إن في ملف مشاعات المتين أو في التلويح له بقصّ جوانح اتحاد البلديات الذي ترأسه ابنته، وبالهمس ضمنياً أن أحداً لن يتجرّأ على معاداة عهد رئاسي في بدايته من أجل نائب في نهاية مسيرته السياسية، نجح في تنصيب نفسه زعيماً في المتن الشمالي يقارع الأحزاب السياسية وكل مرشحيها.
التصقت صورة «الجلّاد» بالنائب ميشال المر الذي فاز بالنيابة في أواخر الستينيات، ليعيّن نائباً بعد اتفاق الطائف في عاليه، ثم يترشح في الاعوام التي تلت في المتن الشمالي ويحافظ على نيابته حتى اليوم. مذذّاك اشتهرت عمارة شلهوب حيث مكتبه بكونها واحدة من أقبية التعذيب التي نشاهدها في الأفلام الأميركية. ولطالما نسب نجاح المر الى عدة أسباب، أوّلها، الدور السياسي الذي لعبه خلال الحرب اللبنانية، والذي تمكن من خلاله اكتساب لقب «صانع الرؤساء»، من الياس سركيس الى بشير الجميّل مروراً بإميل لحود وصولاً الى ميشال سليمان. ثانيها، النفوذ والسلطة اللذان اكتسبهما بفعل تنقله بين وزارة الداخلية ووزارة الدفاع (من عام 1990 لغاية 2000) وبقائه نائباً لرئيس مجلس الوزراء طيلة تلك الفترة، ثم انتقال الوزارتين الى نجله الياس المر منذ عام 2000 لغاية عام 2011، فيما تشغل ابنته ميرنا المر منصب رئيسة اتحاد بلديات المتن منذ 12 عاماً.
كان من الطبيعي أن يتمكن المر بفعل كل ما سبق من «غزو» الادارات الرسمية والمؤسسات العامة وزرع رجاله فيها، ومن استغلال غياب الأحزاب، لتشكيل وتنخيب بلديات تواليه. وبفعل نفوذه وخدماته، بنى المر ماكينة انتخابية قوية من رؤساء بلديات البلدات الرئيسية في المتن، لا سيما ساحله، بحيث بات بيضة القبان في الانتخابات النيابية، حتى بعد دخول نواب التيار الوطني الحر الى القضاء.
كان يصعب تقدير ما تبقى من قوة ميشال المر في الفترة التي تلت عام 2005، لا سيما أنه خاض الانتخابات مرة مع التيار الوطني الحر ومرة ثانية مع القوات والكتائب. وفي المرتين، كان مرشحاً عادياً على لائحة ترأسها الأحزاب السياسية… الى أن رفض التيار والكتائب والقوات ضمّه الى لوائحهم على اعتبار أن صورته تضرّ وتُخسّر أكثر مما تُربّح، وعلى اعتبار أن ما يسمّى كتائب المر وقوات المر سيختارون أحزابهم في حال تم تخييرهم، فضلاً عن ترويج الأحزاب، لا سيما التيار الوطني الحر، أن غالبية «ريّاس المر» صاروا «في جيبتهم»، فيما ثبت أنهم لم يخرجوا أبداً من تحت عباءة «العمارة».
الأهم من ذلك كله، أن النتائج الأخيرة نفضت عن المر للمرة الأولى صورة «الجلّاد» ووضعته في مصاف زعماء الأحزاب. فميشال المر الثمانيني، من دون سلطة لدرّ الخدمات ولا نفوذ للقبض على البلديات أو الادارات، هو الزعيم في المتن الشمالي. هناك من يخرج ليقول إن الأخير ما كان ليبلغ الحاصل الانتخابي لولا أصوات حركة أمل التي لا تقل عن ألف صوت وتجيير الطاشناق له ما لا يقل عن ألفي صوت، على اعتبار أن النائب آغوب بقرادونيان نال 7 آلاف صوت من أصل 9 آلاف صوت طاشناقي على الأقل. ولكن حتى في هذه الحالة، اقتطاع 3 آلاف صوت من أصل 12 ألف صوت، يبقي للمر نحو 9 آلاف صوت تفضيلي (أي بفارق نحو ألفي صوت عن مرشحي التيار وعدد الأصوات نفسها التي نالها مرشح الحزب القواتي). الحديث عن حاصل هنا يصبح أمراً ثانوياً. فمجرد تأمينه هذا الكمّ من الأصوات بمفرده ولشخصه، يكسبه شرعية متنية تفرض على التيار الوطني الحر والكتائب والقوات الاعتراف بها أولاً، تليها ضرورة مراجعة العونيين والكتائبيين لأدائهم النيابي والخدماتي الذي أسهم في تراجع شعبيتتهما بشكل ملحوظ.
نكسة التيار الوطني الحر
يصعب إيجاد كلمة تصف ما أصاب التيار الوطني الحر في المتن الشمالي. هي نكسة وأكثر. أن يحصل مرشحو التيار الثلاثة الياس بو صعب وابراهيم كنعان وإدي معلوف على مجموع أصوات يوازي 20 ألفاً، فيما دأب الحزب نفسه على الانطلاق من 27 ألفاً، يعني أن الأوضاع ليست على ما يرام أبداً. يعني ذلك أيضاً أن عدداً كبيراً من المقترعين العونيين اختاروا عدم التصويت للتيار، وهم غير راضين عن أداء نوابهم المتنيين، علماً بأن عدد المقترعين للتيار والطاشناق والحزب القومي والنائب غسان مخيبر في عام 2009 بلغ نحو 48 ألفاً، فيما تراجع العدد اليوم الى نحو 38 ألف مقترع: الياس بو صعب 7299 صوتاً، آغوب بقرادونيان 7182 صوتاً، إبراهيم كنعان 7179 صوتاً، إدغار معلوف 5961 صوتاً، سركيس سركيس 4337 صوتاً، غسان الأشقر 2757 صوتاً، وغسان مخيبر 2654 صوتاً، كورين قبلان الاشقر: 696 صوتاً.
تفسّر المصادر العونية هذا التراجع بعدة أسباب: أولاً، هناك ما لا يقل عن ألفي صوت طاشناقي فقدوا من اللائحة، يعتقد أنه تم تجييرهم لمصلحة لائحة النائب ميشال المر. ثانياً، أصوات الحزب القومي كانت تقدر بنحو خمسة آلاف، فيما لم ينل مرشح الحزب سوى 2600 صوت، إلا في حال اقتراعها لمصلحة بو صعب. ثالثاً، شكلت لائحة «كلنا وطني» (نالت 5027 صوتاً) خياراً بديلاً للعونيين الراغبين في التعبير عن امتعاضهم، لا سيما أن رئيسها ليس إلا الوزير العوني السابق شربل نحاس، فضلاً عن أن الخيار سابقاً كان بين لائحتين، فيما تشكلت اليوم 5 لوائح ووزعت الاصوات على 35 مرشحاً. رابعاً، الحرب التي شنّتها بعض القوى السياسية على التيار من باب «رجال الأعمال»، أثّرت سلباً في اللائحة التي ضمّت اليها سركيس سركيس. خامساً، نسبة الاقتراع التي انخفضت من 56% الى نحو 45%.
لا معقل للكتائب
لا يختلف وضع حزب الكتائب كثيراً عن وضع التيار الوطني الحر. فالحزب الذي كان ينطلق من نحو 17 ألف ناخب، حاز ما مجموعه 19003 أصوات فقط، منها 2058 صوتاً لمختلف المرشحين على اللائحة، و16551 صوتاً للنائبين سامي الجميّل والياس حنكش. وجّه ما كان يسمى معقل الكتائب صفعة كبيرة للجميّل الذي لم يكن ليحصل سوى على مقعده لولا تأمين باقي المرشحين له الاصوات اللازمة للحصول على حاصل ونصف. أما نيله 13968 صوتاً تفضيلياً فقط، فذلك صفعة أخرى لمن بحّ صوته وهو يصرخ على المسارح ومن على منبر المجلس النيابي، ولمن اعتقد أنه يستطيع تزعّم المعارضة ببضع كلمات تفتقد الأفعال. فالناخب المتني بات يفرق بين الاستعراض والإنجاز، بين المشرّع والإنمائي، وصاحب المشاريع ومدّعي هذا كله. والواضح أن أهالي المتن لا ينظرون الى سامي كبديل من أحزاب السلطة بل يضعونه الى جانبهم وفي السلة ذاتها. والواضح أيضاً أن رئيس حزب الكتائب، فضلاً عن فشله في اجتذاب ناخبين جدد، عجز عن الحفاظ على ناخبيه التاريخيين. وذلك يحتّم عليه هو الآخر تصحيح مساره السياسي في أسرع وقت ممكن.
أبي اللمع يَعبُر
لا شك في أن حزب القوات اللبنانية حسم جدل الماكينات حول تأمينه حاصلاً انتخابياً أو لا. اللائحة التي نالت 13138 صوتاً نجحت في إيصال المرشح القواتي إدي أبي اللمع أخيراً الى البرلمان النيابي، بعد خسارته في عامي 2005 و2009. وحلّ ثالثاً في عدد الأصوات التفضيلية (8922 صوتاً) بعد سامي الجميل وميشال المر. في الشكل العام، كان تشكيل معراب للائحتها الخاصة صائباً، لا سيما مع حسن اختيار المرشحين المستقلين الذين شكلوا جسر عبور للمرشح القواتي الى المجلس، من ناحية رفده بأكثر من 4 آلاف صوت لبلوغ الحاصل. فقد نال ميشال مكتف 1212 صوتاً، ورازي الحاج 1018 صوتاً، وجيسيكا عازار 1030 صوتاً، وجيزيل الهاشم زرد 185 صوتاً، ولينا مخيبر 178 صوتاً، وشكري مكرزل 171 صوتاً، وآرا قيونيان 156 صوتاً، فيما يقول الخبراء الانتخابيون إن نحو 1200 صوت درزي صبّت في صندوق أبي اللمع، ما معناه أن حجم القوات الذي كان يقدّر بين 7 و8 آلاف ما زال هو هو، ويسجل لمعراب حفاظها على مناصريها، في حين فرّط باقي الأحزاب بهم، وربما يعود ذلك الى رغبة الناخبين في الاقتراع لوجه جديد.