كتب المحامي وهيب الططر: نصّت المادة 95 من الدستور اللبناني، سواء قبل أو بعد تعديلها بموجب القانون الدستوري رقم /18/ تاريخ 21/9/1990 (دستور الطائف)، على توزيع المناصب بين المسيحيين وبين المسلمين مناصفة وبالتساوي!
يتلفّظ الجميع بعبارة الـ 6-6 مكرّر، من دون أن يبحثوا عن أساسها العلمي، وما إذا كانت معادلة رياضية أو أنها ذات روح رياضية فقط! المهـم أنني، ومعي جميع اللبنانيين، نكرّرهـا بشكل ببغائي، مكتفين بحفظ المقصود منها واقعياً وليس دستورياً. فالقاعدة التي كادت تحلّ مكان موقع الأرزة في وسط العلم اللبناني طـال مدى تطبيقها إلى أبعـد من توزيـع المناصب، إذ باتت تفيّء بظلالهـا القاتمـة علـى مجمـل آليات العمـل في ادارات الوطـن، بـدءاً مـن تعيين حرّاس الأحراج وصولاً إلى محاكمة موظفي الدولة، في حال ظنّ (المحقق العدلي) القاضي فادي صوّان بضلوعهم في تفجير مرفأ بيروت المشؤوم، بحيث تتمّ المحاكمة على أساسها.
وما يزيد الطين بلّة هم أولئك الذين يظهرون بمظهر رجال القانون على وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزيون، مكررين هذه القاعـدة التي لا أساس علمياً محاسبياً لهـا، بل أكثر من ذلك، يشدّون في لفظ حرف الراء الوارد في خاتمة كلمـة مكرر، من دون أن يفقهوا بمدى صحتها علميًا، آبهين فقط بفحواها المليء بالتفرقـة الدلالـة على تقاسم وتوزيع الغنائم. ولعلّ المضحك الذي ربمـا لم يأت على سبيل الصدفة، أن بلاد العم سام، أصبحت تحاكينا بلغة معادلتنا التقسيميّة عنـدمـا فرضت العقوبـات الأخيرة على وزير مسلم وآخر مسيحي، في وقت واحد.
الدستور واضح وصريح، وقد حصر نصّه أعمال "المناصفة" في توزيع المناصفة. لكن، كم هم، في المقابل، ماهِرون وماكِرون أهل العهد بـ "دعوسة" الدستـور والالتفاف عليـه لجهة التعطيل، خصوصاً على خطّ تأليف الحكومة، وما يحيط بالعملية من مسلسلات تركية ومكسيكية، على صعيد الاستشارات قبل وبعد وأثناء عمل الرئيس المكلّف، وكلّ ذلك خلافاً للدستور!
إنّها حنكة ما بعدها حنكة، أوصلتهم بمخيّلاتهـم الخصبة إلى اعتماد معادلة الـ 6 – 6 مكرر حتى في تحديد المسؤوليات عـن تفجير المرفـأ؛ وبـدلا مـن أن يطبق القضـاء قاعدة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، لجأ إلى تطبيق قاعدة الـ 6 - 6 مكرّر في أدائه وتحقيقات الماورائية، الأمر الذي يجعل التحقيقات برمّتها موضع مساءلة وتعجّب!
هكذا، وصـل "موس" الحلاق إلى رقبة المدير العام لوزارة النقـل الأستاذ عبد الحفيظ القيسي، فقط لأن القاعـدة الطائفية البغيضة أصبحت في مصاف القواعد الكليـة، قـاعدة لم يعلّمنـا اياها الدكتور عبد المجيد مغربي في كليـة الحقوق عندما شرح لنا درس القواعد الكليـة، معادلــة تفرقة أودت بنـا إلى الإفلاس.
مـن واجبـي هنـا، وأنـا مـن الذين لا يتوانون عن النطق بالحق ولو على حساب مصالحي و أمني الذاتي، أن أشهـد شهـادة حـق أمـام الله تعالى وأمام مقام الشعب اللبناني، أمـام النـاس الذين قام أهـل السلطة بكسرهم وتحطيمهم، وبالتحديد أمام "الأوادم" من الناس، باعتبار أنّ "الزعـران" كثـر، أشهـد بحق عبد الحفيظ القيسي الذي لا تربطني بـه أي علاقـة، وقـد أصبح اليوم، زوراً وبهتاناً، مـن الماضي ضمن هرمية الدولة.
هو رجـل تعرفت عليه بحكم مهنتي، وكـان لي تعـامـل قـانـوني معـه وعشرات المراجعـات التي جمعتني بـه، وكلّها تحتّم عليّ أن أشهـد بأنـه خسـارة كبيـرة للإدارة اللبنـانيـة عمـوماً، أمـا بالنسبة لعائلته التي لا أعرف قوامها إطلاقاً، أقـول إنّ كرامة أبيكم وعمكم وجدكم وخالكم الأستاذ عبدالحفيظ محفوظـة في حـرز حريـز والذي يحفظهـا هـو حسن أدائه و نظافـة كفّه في زمـن اسودّت فيه معظم راحات كفوف العاملين في القطاع العام.
هو رجـلٌ أحبّ العلم وقـام بتنظيم قطاع النقل في لبنـان على قدر ما أتيح لـه من إمكانات في دولـة النهب والفساد فكانت لديه رؤياه التنظيمية والرقابية، سعى إلى تنمية المرافئ البحرية والمطـار وإلى الحد من تأثير "أكلة الجبنة" على الإدارة، كان التقشف عنوانا له والترفع عن المصالح الشخصية نبراسًا. حـاول إعادة الرهبة والوقار إلى الدولـة، دأب في بناء المرافئ بشكل عصري وحديث. صب جل اهتمامه على إصلاح الإدارة، وجهـد لفصل المؤسسات عن السياسة، وإبعاد يد السياسيين عـن المرافئ، واعتماد الكفاءة وإنشاء الأجهزة الرقابية.
في آخـر لقـاء جمعني بـه قـال لي "سأتقاعـد في شهر شباط 2021، ولـن أسعى للبقاء في الإدارة بعـد التقاعد فقد أديت قسطي للعلى"... ولكن حصل ما لم يكن في حسبانه، فرغم كل هذه الإنجازات التي حققها، اعترض مسيرة عملـه انفجـار "نيترات الأمونيوم العام"، والذي نعلم كلّنـا من يقف وراءه، كما يعلـم الشعـب اللبنانـي ويعلم معنـا القاضي صـّـوان، أن عبد الحفيظ القيسي بريء مـن دم العاصمـة وأبنائهـا الذين قضوا إثر التفجير الممانع .
ختـامـاً، وببساطة وبراءة، اسألوا أي ولد صغير يمر أمامكم في الشـارع، "مـن وراء انفجـار المرفأ؟"، سيجيبكم: أترك لكم يا كبار مهمـة الإجـابة.