صحيفة الجمهورية
إستغلّ المرشحون فترة ما قبل الصمت حتى آخِر نقطة يمكن أن يستفيدوا منها للإطلالة الإعلامية، قبل بدءِ الصوم عن الكلام، وقدّموا في الساعات الماضية عرضاً مسرحياً متواصلاً تنقّلوا فيه بين شاشة وأخرى، حاملين معهم سلّة الوعود التي يبدو أنّها لا تنضب. المهم أنّ آذان الناس ستستريح من كلّ الصراخ الذي ضجّها على مدى أشهر طويلة، وفي هذه الاستراحة التي تمتدّ لساعات سيَستعدّ المواطن اللبناني لملاقاة أحدِ الانتخابات، والاختلاءِ بينه وبين صندوق الاقتراع الذي سيقول فيه كلمتَه، ويَمنح صوته لمن يجده أهلاً لتمثيله في الندوة البرلمانية للسنوات الأربع المقبلة.
وبعيداً من لغة الأرقام والاستطلاعات والإحصاءات التي خلطت الحابل بالنابل، وجَعلت مرشحين ينامون على حرير، وآخرين على جمر، يبقى انّ الاساس، هو تمرير الاستحقاق الانتخابي بشكل طبيعي، بما يؤدّي بالطبع الى انتخابات نظيفة ومن دون ايّ عراقيل، او مداخلات او تدخّلات من ايّ نوع من شأنها تشويه اليوم الانتخابي، الذي يريده اللبنانيون بحق يومَ الامتحان الذي يكرَم فيه المرء او يُهان.
وأمّا العبرة الاساس فتبقى في اليوم التالي للانتخابات، حيث سيستفيق اللبنانيون على صورةٍ نيابية جديدة، ستنبثق عنها صورة السلطة الجديدة التي ستدير الدولة، وإن كانت كلّ المؤشرات تدلّ على عدم حصول انقلابات جذرية في الصورة السياسية والحكومية، بل جلّ ما يمكن ان يتأتّى عن هذه الانتخابات هو ارقام تعيد تكريس «ستاتيكو» المرحلة الحالية نيابياً وحكومياً، واستنساخه لمرحلة ما بعد الانتخابات.
ومع إقفال صناديق الاقتراع، يَطوي البلد صفحة متعِبة للبنانيين، وما شهدوه فيها من فصولٍ من المعارك القاسية على كل الجبهات، ويبدأ عملياً مرحلة الانتقال الى الدخول الجدّي في مدار الحصانة النيابية اعتباراً من 20 أيار الجاري حيث تنتهي ولاية المجلس النيابي الحالي وتبدأ ولاية المجلس الجديد، وإلى الخطوات فيه، وهي انتخاب رئيس المجلس، والذي يبدو محسوماً هو إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري، على أن يلي ذلك انتخاب اعضاء هيئة مكتب المجلس، بالاضافة الى تأسيس مطبخه التشريعي المتمثل باللجان النيابية الدائمة.
واعتباراً من اللحظة الاولى لولاية المجلس الجديد، تدخل حكومة الرئيس سعد الحريري مرحلة تصريف الاعمال، ويدخل البلد بعدها في رحلة الالف ميل لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو امر بدأ النقاش حوله منذ الآن، وثمّة تساؤلات وعلامات استفهام تُرسَم من الآن عمّن سيكون رئيس الحكومة الجديدة، على رغم انّ المؤشرات ترجّح عودة الحريري.
إستعدادات للأحد الكبير
فعند السابعة من صباح الغد، تُفتح صناديق الاقتراع في 7000 مركز انتخابي تجمع 1800 صندوق اقتراع وضِعت في عهدة 14816 رئيس قلم ومساعِد له، ويتولى امنَها من الداخل حوالى 21 الف رَجل امن من قوى الأمن الداخلي وأمن الدولة والأمن العام، فيما يتكفّل الجيش بأمن محيطِ المراكز والطرقات المؤدية اليها.
وبانتظار إقفال مراكز الاقتراع سيظهر حجم المشاركة الانتخابية التي توقّعَ المراقبون ارتفاعها عند اعتماد الصوت التفضيلي بعد النظام النسبي، وهو ما سيتمّ احتسابه نسبياً من اصلِ ثلاثة ملايين و650 الف لبناني وجِّهت اليهم الدعوة للمشاركة في العملية الانتخابية غداً.
وكانت الاستعدادات والتحضيرات الإدارية واللوجستية التي تنظّمها وزارة الداخلية والبلديات قد اكتملت بتوزيع صناديق الاقتراع على المحافظات وفق تقسيمٍ اعتُمدت فيه الدوائر الخمسة عشرة التي قال بها قانون الانتخاب الجديد الذي أقِرّ في 17 حزيران 2017 والذي يطبّق للمرّة الأولى في لبنان. وأكّد الوزير نهاد المشنوق أنّ «الوضع الأمني ممسوك في لبنان».
أمنياً، أنجَزت وحدات الجيش اللبناني انتشارَها امس في المناطق اللبنانية كافة وفقَ خطة امنية خُصّصت فيها وحدات إضافية لمناطق احتسِبت انّها استثنائية، فجرى تعليمها بـ«الأحمر» منعاً لأيّ ارتدادات امنية قد تؤدي اليها أجواء التشنّج الانتخابية في مناطق تُعتبر المواجهات فيها حامية على المستويات السياسية والطائفية والمذهبية.
تزامناً بدأ العمل في غرفة العمليات المركزية في قيادة الجيش اللبناني بحضور ضبّاط يمثلون مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية وأخرى مناطقية أنشِئت في المحافظات اللبنانية تطبيقاً لخطةٍ امنية الهدفُ منها إمرار العملية الانتخابية في افضل الظروف الأمنية والإدارية، فالمهمّة بحجم الوطن طالما انّ العملية ستجري في لبنان دفعةً واحدة.
صناديق الانتشار
وكان قد اكتملَ إيداع الصناديق الـ 232 التي تحمل أصواتَ المقترعين اللبنانيين المقيمين خارج لبنان الذين شارَكوا في الانتخابات نهارَي الجمعة والأحد من الأسبوع الماضي، وذلك بوصول آخِر 15 صندوقاً إلى مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث نَقلتها عناصر من قوى الأمن الداخلي إلى مصرف لبنان، بحضور مندوب من وزارة الداخلية ومندوب من وزارة الخارجية.
وقبل ساعاتٍ من فتح صناديق الاقتراع ودخول مرحلة الصمتِ الانتخابي حيّزَ التنفيذ ابتداءً من منتصف ليل امس، اشتدّ السباق الانتخابي وبَرزت طفرة كلامٍ سياسي، أغرَق كلّ المحطات والشاشات.
وعشية الانتخابات، أكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ الناخبين اللبنانيين المدعوّين الاحد لانتخاب ممثليهم في مجلس النواب وفق النظام النسبي للمرّة الاولى في تاريخ الحياة السياسية اللبنانية، يقترعون للخيار السياسي الذي يرونه لصالح وطنِهم عندما يقترعون للّائحة التي يختارونها، وعندما يمنحون الصوتَ التفضيلي فإنّهم بذلك يحدّدون من يؤيدون في اللائحة من بين المرشحين.
واعتباراً من يوم الاثنين المقبل، تترقّب الأوساط السياسة طبيعة المرحلة الجديدة التي ستفرضها نتائج صناديق الاقتراع، في ظلّ وضعٍ سياسي مأزوم، بعدما وضَع العهد نفسَه في الواجهة مع معظم القوى السياسية في البلاد، بدل ان يكون الحاضنَ الاكبر لها. وبالتالي يَستبعد كثيرون ان تكون انطلاقة العهد وفق ما يَعتقد، بعد الانتخابات النيابية، نتيجة حذرِ هذه القوى من المرحلة المقبلة وخشيتِها من الثنائية التي تتكوّن بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، التي وضَعتهم في مواجهتها لخشيتهم من مترتّبات هذه الثنائية على الواقع السياسي وعلى التوازنات المقبلة في البلاد.
ففي استعراضٍ سريع للمواقف السياسية، يبدو أنّ «حزب الله» لم يَحسم مسألة تكليف الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة. والامر نفسُه ينسحب على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي أعطى إشارةً الى انّ مسألة تسمية الحريري غير محسومة، وهو لم يتوقّف عن إطلاق الرسائل السياسية باتّجاه بيت الوسط، ومِن الواضح أنّه يلوم الحريري على كيفية مقاربته للامور وكيف وضَع نفسَه في حضن باسيل، وتصريحاتُه الاخيرة تشكّل اكبرَ دليل.
وفي حين رَبط رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية مسألة تكليف الحريري بمشاركته في الحكومة، رحّلَ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع موقفَه من التكليف الى ما بعد الانتخابات النيابية والبحث مع الحريري في طريقة إدارة الدولة والاتفاق على العناوين الكبرى في المرحلة المقبلة.
هذا من دون إغفال مواقف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل واللواء أشرف ريفي.. وبالتالي يبدو انّ الثنائية التي بدأت تتكوّن قد استفزّت القوى السياسية الاخرى التي تعتبرها ثنائيةً إلغائية استئثارية بدل من ان تكون منفتحة على الجميع، ما وَلّد لديها نقزةً كبيرة، ممّا يضع البلاد امام وضعٍ مأزوم، ويضرب الحاضنة الوطنية التي كان يفترض ان تكون للعهد بدل من ان ينطلق بقوّة فعلية وكبيرة نتيجة هذا التموضع ونتيجة مواقفِ وزير الخارجية التي أدّت الى جمعِ كلّ القوى السياسية المتناقضة والمتباعدة.