قال الرئيس فؤاد السنيورة في بيان لمناسبة "الذكرى الرابعة عشرة لتوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان في 14 آب 2006، وصدور القرار الدولي 1701 الذي أسهم في عودة الجيش اللبناني والشرعية إلى الجنوب وإلى الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة: "ليس من الصعب ملاحظة وجوه التشابه والافتراق الكبيرين في حال لبنان في آب من العام 2006، وما أصبحت عليه حاله اليوم في العام 2020".
أضاف: "من وجوه التشابه أن لبنان وعقب صدور القرار الدولي، كان واقعا في نكبة وخسارة كبيرة كما هو اليوم تماما، لكن الفارق بين اليوم والأمس أنه وقتها كان لبنان يعرف ويتلمس طريق النجاة والخروج من أزمته ويحاول جاهدا العودة إلى النهوض والتعافي عبر برنامج إصلاحي واضح ومحدد. فلبنان في العام 2006 كان يعاني من الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي استهدف مناطق عديدة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لمدينة بيروت. ولكنه كان آنذاك قويا بوحدته الوطنية وتوافرت لديه الإرادة والعزيمة والبرنامج والوسائل لاستعادة النهوض. أما اليوم، فإن لبنان يعيش نكبة مديدة فاقمتها مجزرة القرن، والتي هي "جريمة ضد الإنسانية"، والتي تعرضت لها العاصمة بيروت، والتي أسهم فيها عدو معروف ومفضوح، وهو استمرار الاستعصاء على الإصلاح الحقيقي، وتفشي الفساد والإهمال والعجز والتخلف والقصور والتقصير وانحلال الدولة اللبنانية والتمادي في استتباعها والتعدي عليها وعلى دورها وعلى سلطاتها وهيبتها من قبل الأحزاب الطائفية والمذهبية والميليشياوية. وكذلك الإهمال والتقاعس عن حماية أمن وسلامة المواطنين، وعدم الحرص على كرامتهم وعيشهم الواحد والكريم".
وأشار الى أنه "في العام 2006، دمر العدو الإسرائيلي عددا من المرافق والجسور، كما دمر قرى وبلدات كثيرة في الجنوب والبقاع الغربي، وأحياء كاملة في الضاحية الجنوبية. أما أعداء اليوم، فهم مستمرون من جهة أولى مع ما زال يرتكبه العدو الإسرائيلي الذي لا يجوز التسرع في تبرئته، مما حصل لبيروت وأهلها نتيجة جريمة القرن، إذ ما يزال دوره في هذا الشأن في حيز شبهات ليست بالقليلة. ولهذا ينبغي الاستمرار في التأكيد على حق الشعب اللبناني بمعرفة الحقيقة كاملة من خلال الاستعانة بلجنة دولية لتقصي الحقائق، وبعدها بهيئة دولية للتحقيق في حقيقة ما حصل. ومن جهة ثانية، فإنه يضاف إلى دور العدو الإسرائيلي استمرار الأعداء الآخرين والمتمثلين بتوسع وتفشي الفساد والعجز والإهمال والقصور والتقصير وانعدام الإرادة لدى المسؤولين، وانتشار السلاح غير الشرعي في سائر المرافق وفي أنحاء البلاد كافة، وكذلك في مدينة بيروت. كل هؤلاء الأعداء أسهموا في تدمير ست الدنيا مدينة بيروت ولؤلؤة العواصم العربية ومنارة المتوسط".
ولفت الى أنه "في أعقاب محنة الاجتياح الإسرائيلي آنذاك، كان الشعب اللبناني لديه الأمل في التعافي والنهوض، وكان يعرف طريق الخلاص وقد قطع شوطا على مساراتها نتيجة وضوح الرؤية والبصيرة التي حملتها الحكومة اللبنانية آنذاك، وجمعت من حولها الشعب اللبناني والأشقاء والأصدقاء والمساعدات والامكانيات. أما اليوم، فإن ما يؤسف له استمرار هذا العناد المستشري في عدم الإقدام على مباشرة الإصلاحات التي أشد ما يحتاجها لبنان، وهو الذي فوت فرصا كثيرة لا تعوض عليه وعلى اللبنانيين استمرار الاستعصاء على الإصلاح. كذلك في غياب الرؤية والخطة والأداة التنفيذية الموثوقة وسط سيادة التنافر والضياع والارتباك واستمرار التراشق بالتهم بين المسؤولين اللبنانيين، وانهيار الثقة لدى المواطنين ولدى المجتمعين العربي والدولي بالدولة اللبنانية وبالعهد وبالحكومة اللبنانية. وكذلك انهيار الثقة بالاقتصاد الوطني وبالعملة الوطنية، وانهيار مستوى ونوعية عيش اللبنانيين. وبالتالي، فقد أصبح اليأس شاملا لقطاعات واسعة من الشعب اللبناني وأصبح الخوف على المصير كبيرا".
واعتبر أن "من أسباب هذه المحنة الراهنة، يعود الى وجود جنوح في قيادة البلاد نحو الحزبية والعائلية والزبائنية وممارسة الفساد باسم التعصب الفارغ وادعاء الإصلاح وممارسة عكسه تماما"، موضحا أن "الخطوات الأولى على طريق التعافي الوطني والنهوض الاقتصادي والمالي والنقدي والمعيشي هي في العودة إلى الالتزام الحازم والحقيقي في احترام اتفاق الطائف والعمل على استكمال تطبيقه. كذلك في احترام الدستور عملا لا قولا، والعمل على تنفيذ القوانين، وفي الحرص على وجود الإرادة الحازمة والمثابرة في رفض وإدانة استمرار استتباع الدولة. وأيضا في مباشرة العمل الجاد على إقدار الدولة على بسط سلطتها الكاملة على الأراضي اللبنانية. كما والعمل على التأكيد على تحييد الدولة عن الصراعات والمحاور الإقليمية والدولية، والتأكيد على احترامها للشرعيتين العربية والدولية، ولا سيما القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان. كذلك أيضا في التأكيد على احترام العهد والحكومة للقضاء وتنزيهه عن التدخلات السياسية، والتأكيد على احترام حكم القانون والنظام. وكذلك التأكيد ومن خلال الممارسة، على احترامهما لآراء المعارضين والأحزاب السياسية غير المشاركة في الحكومة، والإقلاع عن محاولة التشاطر وتجاهل الآخرين والشركاء في الوطن او اعتبار أنهم بسطاء في القدرات والتفكير".
ورأى أن "النكايات والصغائر السخيفة التي يتبعها البعض أسهمت في التسببت بالكارثة وستتسبب بغيرها إذا ما استمر هذا النهج والأداء في الحكم"، مستغربا "القرار بإحالة مجزرة المرفأ وتدمير مدينة بيروت الى المجلس العدلي بصورة كيدية وكاريكاتورية، فيما المطلوب الذهاب لكشف الحقيقة بداية عبر المسارعة إلى الاستعانة بداية بلجنة دولية محايدة لتقصي الحقائق، وبعدها بهيئة دولية نزيهة للتحقيق بجميع ملابسات ما حصل".
وقال الرئيس السنيورة: "إن التفكير المحدود والضيق ما زال يتعاطى مع الأمور بدفن الرأس في الرمال، غير عابىء بأن دماء اللبنانيين ما زالت على الأرض، وحطام بيروت لا يزال في الشوارع، والمواطنين يملأهم الغضب مما حل بهم. وأصحاب هذا التفكير وهذا النهج مستمرون في محاولة استغباء الآخرين، وهو ما سيزيد الأمور تعقيدا".
أضاف: "لقد نجح لبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي في العام 2006 بالإرادة والوحدة الوطنية، والمطلوب اليوم التفكير والعمل بذات الاتجاه وإلا فالبلاد ذاهبة نحو مزيد من الانحدار والسقوط العنيف نحو الارتطام الكبير".
وتابع: "رغم الدمار والويلات والخسائر والخلافات السياسية التي عانى منها لبنان آنذاك، فقد استطاعت الحكومة في العام 2006 أن تضع كل امر ثانوي جانبا، وتنظر نحو مصلحة الشعب اللبناني إلى أن جاء من يخرب تلك الإنجازات ويعطل مسيرة الإصلاح بالعمل على إطلاق التهم جزافا بالتخوين ليبرر نفسه أمام محازبيه".
وقال الرئيس السنيورة: "إن الشتائم والخلافات والاتهامات بالتخوين والاغتيالات والمتفجرات، لم تمنعنا من النظر عام 2006 الى الهدف الأساس وهو إنقاذ لبنان والتخفيف عن أهلنا وشعبنا، ولهذه الأسباب نجحنا في تجاوز كارثة الدمار التي خلفها العدوان وفي التقدم أشواطا واسعة على مسارات إعادة الإعمار والبناء والنهوض والنمو الاقتصادي، والذي تؤكده جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية".
وأضاف: "العدو الإسرائيلي مارس عدوانه على لبنان عام 2006 بذريعة التحرش به من قبل حزب الله آنذاك. والذي أخشاه أن يكون الأمر قد تكرر في 4 آب 2020. فلربما يكون هناك من قدم الذريعة للعدو الإسرائيلي لقصف ولتدمير مرفأ بيروت، وبالتالي التسبب بانفجار ما تبقى من المواد المتفجرة التي جرى خزنها بطريقة مريبة ولا مسؤولة في عنابر مرفأ مدينة بيروت".
وتابع: "المطلوب الذهاب نحو حكومة حيادية قادرة ومن دون تشاطر، والمسارعة إلى الاستعانة بهيئة تحقيق دولية محايدة تبدأ بلجنة دولية لتقصي الحقائق، وذلك قبل تدهور الأمور واختلاطها، وفوات الأوان".
وختم: "لكم هو من المفيد أن يعود المسؤولون اللبنانيون الى اقتفاء جوهر الإصلاح والإنقاذ والنهوض الذي قامت به الحكومة اللبنانية بعد عدوان تموز 2006. والخشية أن يستمر الاستعصاء وتستمر المعاندة، وعندها ستكون العواقب وخيمة على كل البلاد والعباد".