إبراهيم الأمين – الأخبار
لا يجد سعد الحريري وجبران باسيل مشكلة في سؤالهما عن الطبيعة العجائبية للوائح تياريهما في الانتخابات. قرر الرجلان أن طبيعة قانون الانتخاب تحتّم البحث عن حاملي لوائح، لا عن محمولين باللوائح. وعندما قرّرا التصرف بواقعية، اكتشفا أن الأمر يحتاج إلى تجاوز الشعارات الانتخابية والبرامج السياسية، ما يتيح لكل منهما التحالف مع مرشحين من هبّ ودبّ، كما يقال. هكذا، لا يهمّ إن كان طلال المرعبي خصماً تاريخياً للحريري في عكار، ولا إن صار سركيس سركيس أقرب إلى عقل التيار وقلبه من نبيل نقولا. وبالتالي، سيكون من الصعب السؤال عما إذا كان زياد عبس قادراً على منافسة نقولا شماس في تمثيل التيار الوطني الحر في الأشرفية، كما سيكون من الكيدية سؤال الحريري عن اكتشافه العجائبي بأن طلال ارسلان أقرب إليه من وليد جنبلاط!
لا يكمن الأمر في مجرّد التراجع عن شعارات ومواقف، وإنما في أن الرجلين لا يقفان عند حد في سعيهما إلى شد عصب قواعدهما التقليدية. هكذا تصبح مهاجمة المسلمين شرطاً للدفاع عن حقوق المسيحيين، ويصبح اعتبار صلاح سلام عضواً فاعلاً في المنظومة الأمنية السورية ـــ الإيرانية جزءاً من الهجوم على حزب الله وسوريا. والمؤسف أن الجمهور الذي يُفترض أنه «ملدوغ» من هذين الخطابين ينجرّ وراءهما في بعض الأمكنة على ما يبدو، وإن كان علينا انتظار صناديق الاقتراع لمعرفة مدى تأثيرهما.
تحسباً لأي خسائر مباشرة في الجسم اللصيق بهما، قرّر الحريري وباسيل تعديل طبيعة ووجهة كتلتيهما النيابيتين. فلن تبقى كتلة «المستقبل» خاصة بالتيار الذي تحمل اسمه، وإنما كتلة الزعامة الحريرية التي لا تمثل السنة فقط. والأمر نفسه ينطبق على كتلة الإصلاح والتغيير التي ستتحول إلى كتلة العهد المدافعة عن الرئيس القوي في بعبدا. وعندها، لا يمكن أحداً محاسبة الرجلين على الانقلاب الذي يخوضانه متكافلين ومتضامين.
حاجة الحريري وباسيل إلى هذا الانقلاب لا تتصل بالوقائع السياسية الداخلية فحسب، ولا في استغلال كل نفوذهما في الدولة وأجهزتها الإدارية العسكرية والمالية في خدمة لوائحهما، أو في التعرض للخصوم. بل يتعلّق الأمر بالإعداد لمرحلة ما بعد الانتخابات، حيث المعارك الكبرى التي تنتظر اللبنانيين، في مواجهة الاستحقاقات الحقيقية المتعلقة بمتطلبات الحياة اليومية. وفي هذا الوضع، سنكتشف أن التحالف بين الرجلين قوي أبعد مما نتخيل، وانهما (على رغم المواصفات الملتوية لكل منهما) يربطان مصيرهما ببعضهما بعضاً. فالحريري يحتاج حكماً إلى التحالف مع باسيل وما يمثل للبقاء في رئاسة الحكومة، بمقدار حاجة باسيل إلى الاستعانة بالحريري ومظلته الخارجية لضمان التأييد له في أي انتخابات رئاسية مقبلة.
لكن، كيف سيتعامل الرجلان مع تأليف الحكومة الجديدة، ومع الملفات الرئيسية، خصوصاً السياسات الاقتصادية والمالية التي ظهرت عناوينها من خلال مؤتمر باريس ـــ 4؟
التحالفات القائمة تشي بأن الحريري قرر أن يتخلى نهائياً عن تحالفاته مع بقايا 14 آذار. وهو أبلغ السعوديين، على هامش الاحتفال بإطلاق اسم ملكهم على شارع في بيروت، بأن عليهم نسيان الأسماء والعناوين السابقة، مشيراً مباشرة إلى سمير جعجع ووليد جنبلاط وآخرين، وأن عليهم الأخذ برأيه في أن باسيل هو الحصان المفترض الرهان عليه. صار يحلو للحريري اليوم تذكر «إننا فعلنا كل شيء من أجل جنبلاط، ولم يعد بمقدورنا فعل المزيد». وبالتالي، يريد الحريري أن يقود تحالفاً سياسياً خالياً من كل أثقال المرحلة الماضية. وعندها لن يكون في حاجة إلى شخصيات ثورة الأرز وتوابلها، فيما سيكون لديه حليف مسيحي قوي، لكنه ليس من منتج التيار الوطني الحر، بل فيه القليل من النبيذ وكثير من الماء.
أما باسيل، فقد بدأ التلحين لأغنيته الجديدة بأن مرحلة ما بعد وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية تختلف عما قبلها، وبالتالي لا عيب إن ضمّت كتلة العهد ألواناً مختلفة تعبر عن أطياف الشعب. وهو، هنا، لن يجد مشكلة سوى مع النواب الجدد الذين يملكون حيثية خاصة قوية، خصوصاً إذا كانوا من الموارنة، وإن كان سيجد علاجاً لهم مع الوقت. وهو قرر أن يتحالف مع الحريري في معركة بناء الدولة ومواجهة الفساد. وليس مستبعداً أن نسمعه مستعيداً خطاب الحريري الأب في بداية التسعينات عن الميليشيات وزعرانها.
التبسيط في عقل الرجلين أنه يمكن الاحتيال على كل العالم لضمان عيش هذا التحالف الذي سيكتشف اللبنانيون أن أساسه المتين الوحيد هو «المال والسلطة»، أي تعزيز النفوذ داخل الدولة، وقيادة خطة اقتصادية ــــ مالية مشتركة. وهي خطة تقوم على سيطرة القطاع الخاص على مقدرات الدولة، على قاعدة أن الرجلين يعتقدان أنهما يسيطران على القطاع الخاص نفسه. وفي ما يخص القضايا الإقليمية المعقدة، يبدو باسيل مقتنعاً بأن حزب الله لن يخالفه الرأي، كما يبدو الحريري مقتنعاً بأن سياسة النأي بالنفس تمنع عنه المساءلة. وإذا ما سأل أحد باسيل عن موقف الحريري، يجيب بكلام في الهواء، فيما يقول الحريري للغرب إن باسيل يقترب منّا ويبتعد عن حزب الله.
المشكلة، اليوم، أن الجمهور أُغرق ــــ كما هي العادة ــــ في ألعاب انتخابية تافهة. والمشكلة الثانية أن الإنفاق المالي الكبير، الآتي بأغلبه من مرشحين على لوائح الحريري وباسيل، يُستخدم لضبط احتجاجات الجمهور. ومن يتمرد يجري تخويفه بأن فوز الخصوم يجعل السنّة تحت سيطرة إيران، أو بأن المسيحيين سوف يهاجرون لمرة أخيرة.
من يرغب بالتصوت في الانتخابات المقبلة، عليه الاختيار بين مشروعين، لا أحد يمكن حسم أيهما الأفضل. لكن بالتأكيد، يمكن الجمهور مراجعة أسماء المرشحين في اللوائح، حتى يأخذ فكرة عمن سيحكم البلد في السنوات المقبلة.