ليا القزي – الأخبار
ثار حلفاء جوان حبيش وخصومه، أمس، ضدّه بعد انتشار خبر تقديمه مفتاح كسروان إلى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله. قسمٌ استغلّ الواقعة خدمةً لمعركته الانتخابية، وقسمٌ آخر «خاف» على ضياع أصوات انتخابية من دربه. في المحصلة، انصاع حبيش للضغوط ولردّات الفعل السلبية، فأصدر بياناً توضيحياً، سرعان ما لاقاه حزب الله مُتفهّماً موقفه.
حين قدّم رئيس اتحاد بلديات كسروان ـــ الفتوح، رئيس بلدية جونية جوان حبيش، مفتاح قضاء كسروان إلى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، لم يكن في باله «تسليم» المنطقة إلى «الحزب». أرادها خطوة «رمزية»، مع دلالات سياسية وانتخابية، ولا سيّما أنّ تقديم المفتاح ترافق مع «رسالة» موجهة من جونية إلى الضاحية الجنوبية، مفادها «وجود مساحة مشتركة لبناء دولة ومُكافحة الفساد… وأنت يا سيّد تستحق هذا المفتاح»، بحسب المصادر المُطلعة على مضمون الرسالة. هكذا كانت «النوايا» قبل ظهر أمس.
أوحى حبيش بأنّه مُتقدّم إلى مكان انكفأ عنه من كان سباقاً إليه، وخاصة التيار الوطني الحرّ. ليس «بسيطاً» ما قام به. قبل أسبوعين من الانتخابات النيابية، ومُقابل «شيطنة» لائحة التضامن الوطني وكلّ من يدعمها، وفي ظلّ «التهويل» الذي يُمارسه فريق ١٤ آذار ضدّ «غزو» حزب الله لكسروان الفتوح ــ جبيل… سُلّم مفتاح المنطقة «أمانةً» إلى المقاومة. «تقريش» هذه الخطوة انتخابياً، يعني تشكيل دائرة حماية سياسية لحزب الله في معقل الموارنة في دائرة جبل لبنان الأولى. ليس الهدف انتخابياً، إنما سياسياً بالدرجة الأولى، ويلتقي إلى حد كبير مع توجهات سيد العهد. لا بد من كسر حدة الشحن السياسي والطائفي ضد حزب الله وما يمثله. ولا مانع من مُساعدته في نيل حاصل انتخابي. غير أن ردّة الفعل الشعبية في كسروان الفتوح، المُنظمة من قبل ١٤ آذار، إضافةً إلى الضغوط التي مورست على حبيش، من أعلى المستويات، دفعت رئيس الاتحاد إلى «توضيح» ما حصل.
أصدر حبيش بياناً يُخبر فيه أنّه «بحضور عددٍ من رؤساء البلديات في كسروان الفتوح، وبمعرض وضع الحجر الأساس لمبنى بلدية المعيصرة… وعند انتهاء كلمة حبيش، طَلب منه رئيس بلدية المعيصرة زهير عمرو تقديم درعٍ باسم البلدية الى السيد حسن نصر الله. تبيّن أنّه مُجسّم مفتاح باسم قضاء كسروان الفتوح… وقد فوجئنا بذلك وتفادينا الردّ حرصاً على المقامات والمكان، وانتهى الأمر». وقد عبّر حبيش في البيان عن «احترامنا لمقام السيد حسن نصر الله بما يُمثّل من قيم ومن قناعات عبّر عنها أخيراً في العبور نحو الدولة. إنّ كسروان الفتوح هي لأبناء كسروان، وقلبها مفتوح لكل اللبنانيين الشرفاء».
البيان المتأخر فقط 24 ساعة لم يكن مُقنعاً. أولاً، لأنّ مفتاح القضاء عليه توقيع «الشيخ جوان حبيش»، ومُقدّم باسم اتحاد البلديات. وبالتالي، لن يجرؤ أي رئيس بلدية على «استغلال» اسم الاتحاد، وزجّه في أمرٍ كهذا، من دون اتفاق مُسبق معه. ثانياً، إذا سُلّم جدلاً بأنّ حبيش «فوجئ» بالمفتاح عوض الدرع التكريمية، فقد كان بمقدوره ببساطة أن يوضح ذلك علناً، ويمتنع عن تسليم المفتاح إلى مُرشح حزب الله عن المقعد الشيعي في جبيل، الشيخ حسين زعيتر. ثالثاً، حصول «خطأ» ما، كان يستوجب إصدار بيانٍ فور انتشار الخبر، وليس بعد «الهبّة» في الشارع، أي في اليوم التالي.
مصادر مُتابعة للملف، تؤكد تعرّض حبيش «لضغوط، وتهديدات». أُجبر رئيس الاتحاد على «التنصّل» من القصّة، «مع تفهّم حزب الله لوضع حبيش، وخصوصاً أن الحزب لم يطلب مفتاحاً ولا شيئاً من هذا القبيل». ومن المتوقع، أن يتناول السيد نصر الله في كلمته اليوم، خلال الاحتفال المُخصص لدائرة جبل لبنان الأولى، في مجمع سيد الشهداء في الضاحية، قضية «المفتاح» وتبعاتها، بطريقة «تُطمئن» أبناء المنطقة ولا تستفزهم، فضلاً عن إعادة تأكيده على ثبات تفاهم الحزب والتيار الوطني الحر.
ليست المرّة الأولى، التي يُضغط فيها على حبيش، بسبب موقفه من حزب الله. فخلال عمليّة تشكيل اللوائح، استُدعي الرجل أكثر من مرّة إلى قصر بعبدا، لـ«التمنّي» عليه عدم التحالف انتخابياً مع حزب الله، والتراجع عن ترشيح شقيقه (يوسف حبيش). التزم بالقرار، و«جنّد» أسلحته خدمةً للعميد المتقاعد شامل روكز. الصداقة بين الرجلين، أدت دوراً في تحديد خيار حبيش. ولكن، هناك أيضاً الرغبة في عدم السماح لنعمة افرام بتصدّر المشهد الانتخابي في كسروان ــ الفتوح. لأجل هذا الهدف، كان حبيش رأس حربة الرئيس ميشال عون خلال الانتخابات البلدية في جونية عام 2016. خاض معركةً شرسة، وانتصر. استفاد التيار الوطني الحرّ من الفوز، وتكرّست زعامة عون الكسروانية بلدياً. لا يزج حبيش نفسه في المعارك «عبثياً». يبحث عنها، ويُخطّط لها. هو ابن واحدة من عائلات المشايخ المارونية الثلاث (العائلات هي: دحداح، الخازن وحبيش)، الذي لا يُمكن أن يُزايد عليه أحدٌ بانتمائه الماروني والكسرواني. فمن امتيازات عائلته، حقّ المشورة في تثبيت البطريرك الماروني. وكان الحبر الأعظم لا يُثبته، من دون موافقة الحبيشيين، قبل أن ينتقل «الامتياز» إلى آل الخازن.
سريعاً، تلقّف خصوم التيار الوطني الحرّ في القضاء، قصة المفتاح. أرادوا من خلال الاعتداء النفسي على حبيش، استهداف رئيس الجمهورية و«التيار الحر». هي فرصة «القوات» و«الكتائب» و«بقايا 14 آذار» لتحقيق مكاسب انتخابية، في منطقة لا يتقنون مخاطبتها أو التعامل معها منذ سنوات طويلة. غرّد المُرشحان القواتيان شوقي الدكاش وزياد حواط، مُهاجمين جوان حبيش، داعيين إلى «المحاسبة» في ٦ أيار. حلفاء رئيس الاتحاد هاجموه أيضاً. زياد بارود استنكر الخطوة، والعونيون عبّروا عن رفضهم على وسائل التواصل الاجتماعي. «مع محبتنا للجميع، كسروان الفتوح سلمت المفتاح منذ عام ٢٠٠٥ لفخامة الرئيس العماد ميشال عون»، كتب مُنسّق القضاء في «التيار» جيلبير سلامة على «الفايسبوك». انزعج التيار العوني ممّا حصل، «لأنّ ضرر الخطوة مُباشر علينا وعلى شامل روكز. نحن نُشتم، والقوات شدّت العصب»، تقول المصادر. وقد انتشرت شائعات عن نيّة حبيش الاستقالة من منصبه، الأمر الذي نفاه.
يعتبر النائب السابق فارس سعيد أنّ تسليم مفتاح القضاء إلى نصر الله «خطأ كبير». لكن، الخطوة تأتي بعدما «تمكّن حزب الله من التحالف مع ٧ موارنة، وتشكيل لائحة في الدائرة. وفي ذلك، إشارتان كبيرتان في الساحة المسيحية». يوضح سعيد لـ«الأخبار» أنّ تشكيل حزب الله لائحة انتخابية، وتسليمه مفتاح القضاء، «يعني أنّ حزب الله نجح في إقناع المسيحيين بأنّ بندقيته صديقة». كلّ ذلك، «بغياب أي معارضة من قبل الأفرقاء الأساسيين في المنطقة».
في مقابل كلّ هذه «الانفعالية»، برز موقف «هادئ» لشامل روكز. يُعيد العميد المتقاعد سرد رواية البيان التوضيحي الصادر عن حبيش، قبل أن يقول لـ«الأخبار» إنّ القصة «بسيطة وعادية. السيّد حسن نصر الله شخصية وطنية، ما العيب في تقديم درعٍ له؟». يعتبر ردّة الفعل في الشارع «مُزايدات انتخابية رخيصة. يُنصّبون أنفسهم خطّ دفاع عن المسيحيين، فيما هم قتلوهم سابقاً».
وماذا عن تأثير الأمر على قدرتك الانتخابية؟ يجيب روكز «هي خطوة قام بها رئيس الاتحاد، ونحن غير معنيين بها. بأي حال، نحن نريد شدّ العصب الوطني وليس الطائفي».