مرح ماشي – الاخبار
لم تتأثر يوميات السوريين بالعدوان الثلاثي على بلادهم أول من أمس. بداية أسبوع واعدة بالرزق، هكذا أرادوها. وكأن العدوان لم يقع، أو أنهم تآلفوا مع العنف القائم منذ سبع سنوات.
دمشق | يلملم الدمشقيون آمالهم الصباحية، ساعين إلى أشغالهم، في اليوم الأول ما بعد العدوان الغربي الذي ضرب مدينتهم، فجر الأول من أمس. الموظفون يمضون إلى أعمالهم باكراً، كما جرت العادة، مع بداية أسبوع واعدة بالشمس، فيما يسعى أصحاب المحال التجارية نحو جمع أرزاقهم وانتظار زبائن غير معنيين بالسياسة وأخطار الحرب. حتى المتسولون اتخذوا أماكنهم قرب الإشارات الضوئية، منتشرين على الأرصفة وبين السيارات. ما عاد الشاميون يتأثرون بالحرب وما تفرزه من أحداث؛ فما الذي يمكن أن يؤثر في حياة باتت قائمة على العنف والدم والموت المتواصل؟!
تمضي راما إلى عملها في أحد المستشفيات الواقعة في مساكن برزة. لم يستيقظ العالم بعد من الضربة التي أتت على مركز البحوث العلمية أعلى المنطقة المذكورة. لكن تشرح الممرضة الثلاثينية أن أهالي مساكن برزة استفاقوا من هول ما جرى، ساعة استفاق الآخرون لمتابعة نشرات الأخبار. وبعد هول الصدمة الأولى أووا إلى فُرشهم تاركين للعالم فُسح التحليل والتأويل. الأسواق الشعبية المكتظة بالمارين، والمزيّنة بجميع أصناف البضائع والأغذية، لا تبدو عابئة بما جرى. تظهر وجوه الناس المتعبة، كما لو أنهم قد نسوا العدوان الذي ضرب حيّهم في الأمس القريب. عمر التعب البادي سبع سنوات، ما يوحي بأن لا مفاجآت يمكن أن تؤثر على مجريات يوميات الأهالي. ومع ذلك تقول راما: «لحظة الصدمة هي أصعب ما يمكن تقبله. أما في الساعات التالية، فقد عاد كل منّا لمتابعة أموره ومشاغله».
تؤكد المرأة الدمشقية أن لا إصابات وردت إلى المستشفى الذي تعمل فيه، ولا أي مستشفى آخر، عند حدوث الضربة. وتضيف: «من الجيد أن الاستهداف لمركز البحوث حدث فجراً، فلم يكن أي من العاملين داخل المؤسسة. جارنا يعمل هناك، وكذلك شقيق زوجي. هكذا صرنا نتباحث في ما بيننا كيف أن (قضا أهون من قضا) كما نقول في المثل الشامي». هذا الرأي يؤيده قاسم، المقيم في المساكن أيضاً، إذ عادت يومياته إلى سابق عهدها. يناقش الضربة الثلاثية التي توقعها الدمشقيون، نافياً توقّع قصف فرع مركز البحوث، الواقع على تلة مجاورة. يقول: «ما نعرفه عن المركز أنه مختص بالدراسات فقط، وهو لم يكن هدفاً لأي ضربات سابقة، على الرغم من محاولة وسائل إعلام معارضة لفت النظر إليه. كنا نعرف من قريب لنا يعمل فيه أن الدراسات العلمية التي تجرى فيه متعلقة بالأغراض الدوائية والمدنية». ويضيف: «لو كان حقاً مركزاً مختصاً بالصناعات الكيميائية، لكنا أمام كارثة بيئية إنسانية خطيرة، جراء الضربة الأخيرة، خشية تسرب الغازات مثلاً. وماذا عن الخوف الغربي على الشعب السوري في هذه الحال؟». لا يفكر قاسم في الانتقال من سكنه الحالي، على الرغم من كونه مستأجراً في الحيّ، إذ ليس للضربة أهمية بالنسبة إليه وعائلته. يعلّق ساخراً: «ليست الأمور بظاهرها. والمسرحيات الدولية الجارية لا تستحق أن نغيّر حياتنا من أجلها. 7 سنوات ونحن في بيوتنا لم نغادرها. ولن نفعل الآن». ملاحظات قاسم يقابلها استنكار لدى مقيمين آخرين في المنطقة، إذ يعتبر محمد، الجار القديم لمركز البحوث العلمية، أن أكثر ما يثير السخرية في كل ما حدث، التصريحات الغربية وجلسات مجلس الأمن الهزلية، التي تهزأ بالسوريين وشعوب العالم، واعتبارها أن الضربة جاءت لمعاقبة النظام وردعه عن استخدام الأسلحة الكيميائية. يضيف: «هذه الحجج الواهية التي تشبه عقوبة المعلمة لصف من التلاميذ الصغار، لا تساوي بكاء طفل استيقظ مذهولاً جراء أصوات صواريخ الديموقراطية التي ضربت منشآتنا».
حالة الاحتفال الشعبي التي سادت الشوارع السورية عقب الضربة، نالت ما نالته من نقد، من سوريين آخرين. البعض رأى أن المضادات الأرضية صدّت الكثير من الصواريخ في حالة تتطلب إحساساً عالياً بالكرامة والنقمة على الغرب في آن واحد، غير أن الأمر «لم يكن يحتاج احتفالاً». وتشرح نادية، المقيمة في مشروع دمّر، أن الضربة الإسرائيلية لمركز جمرايا العلمي في عام 2013، كانت السبب في كسر حاجز الخوف لدى السوريين. وتعلّق: «أظن أن صواريخ جديدة حاولت إصابة موقع جمرايا قبل يومين، وتصدت لها دفاعاتنا. غير أن الأمر ما عاد يثير قلق أحد منّا. تعوّدنا الأمر للأسف». تؤكد شقيقتها كلامها، فتقول: «تفجيرات وقذائف هاون ومعارك واجتياحات، إضافة إلى الفقر والعوز والإصابة والموت. ما عاد السوري مهتماً بشكل الحياة التي يعيشها. إنه يهتم فقط بأنه ما زال على القيد الحياة، وهذا يعني أن يتابع يومياته بلا مبالاة تجاه ما يراه من مشاهد عنف اعتيادية».